انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    فاضل عبود التميمي، مقاصد الرحلات عند العراقي باسم فرات

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    فاضل عبود التميمي، مقاصد الرحلات عند العراقي باسم فرات Empty فاضل عبود التميمي، مقاصد الرحلات عند العراقي باسم فرات

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 27, 2021 5:58 am

    مقاصد الرحلات عند العراقي باسم فرات
    فاضل عبود التميمي

    تقف هذه المقالة عند مقاصد الرحلات التي أنتجها الشاعر باسم فرات، وهي ترى أن مقاصد الرحلة – أي رحلة- هي الدوافع النفسية والاعتبارية، والمادية التي تدفع الرحالة لأن يقصد الترحال، والخوض في غمار الرحلة، مبتعدا عن حياته الاعتيادية، وعندي أن الرحلة تخضع لعدد من البواعث والمسوغات والاستجابات، التي تدفع الإنسان إلى الارتحال، فالرحالة لابد أن يقع تحت سلطات قوى يدركها، وقد لا يدركها، سلطات يمكن أن تدفعه لأن يكون بعيدا عن الحياة المعتادة، تلك هي (المقاصد) المنبه الخطير الذي يعلو صوته فوق كل الاستجابات، والمحفزات والتصورات التي تدعو إلى الابداع، والتماس طريق التفرد في الحياة، وهذا ما لمسناه في رحلات باسم فرات:
    1- في رحلته الأولى: «مسافرٌ مقيمٌ عامان في أعماق الإكوادور»، أقر باسم أنه من خلال تلك الرحلة كان شاعرا يتمايز عن مواطنيه في إقباله على عوالم الإكوادوريين برؤى شعرية، ناقلا الصور من خلال حواسه وتداعياته وخواطره، التي تراكمت لتشكل ذخيرة المسافر، فهو ليس سائحا، ولا باحثا عن الثروة، وقد أشعل شعراء وأدباء فيه جذوة الترحال، بعد أن أغوته تجاربهم، وهدفه اكتشاف تلك البلاد التي يجهلها كي يتعلم في حياته المقبلة، وهمه الأساس أن يكتب مشاهدات عاشق للمكان والتنوع اللغوي والديني والبيئي، فالسفر والترحال عند الشاعر باسم فرات حاجة لا غنى عنها، وإدمان علمه الكثير؛ ولهذا ظل طيلة الرحلة يراقب الناس، ويهجس مشاعرهم وأحلامهم حتى صار واحدا منهم.
    يتضح أن الرحالة باسم فرات كان قد أعلن عن هويته، التي اتصف بها قبل أن يعلن عن مقاصده، وهذا يظهر من خلال رؤيته للمكان، فهو شاعر يرى المكان بمخيلة شاعر، وهذا يعني اختلاط الرؤية عنده بين الحلم الشعري، والرؤية الحقيقية، فضلا عن أنه وصل المكان لاجئا إنسانيا، ثم تحول بفعل مزاياه الخاصة إلى رحال، وقد أوجز القصد من رحلته في اكتشاف البلاد الإكوادورية كي يتعلم في حياته المقبلة، وهو في الأساس مهووس بالتنوع اللغوي، والديني والبيئي، فالسفر والترحال عند الشاعر باسم فرات حاجة لا غنى عنها، وإدمان علمه الكثير.
    لقد وضع الرحالة في تصوراته السابقة الأطر العامة لمقاصد الرحلة، وقد اختصرها في (اكتشاف البلاد)، والاكتشاف يعني الحصول على خبرة، ووضعها في ما بعد في خدمة المتلقي، أي أن المقصدية في «مسافر مقيم عامان في أعماق الإكوادور» تجاوزت ما هو إخباري إلى ما هو تواصلي يخدم الجميع.
    2- في رحلة «الحلم البوليفاري رحلة كولومبيا الكبرى» أي الرحلة الثانية للشاعر، رأى أن أدب الرحلات لا يمكنه أن يتخلص من المرجعيات الثقافية للمؤلف، فقراءاته لها سلطة على النص المكتوب، وهي خلفيات تحرك اللاوعي عنده، وهذا ما وجده أثناء تدوين الرحلة، وهذا يعني أن قراءاته كانت تشاركه تأليف الجمل والفقرات، مع أنه لم يدون سوى ما اختلج في عقله وحنجرته، رغبة منه في نقل الجيد من تجارب الأمة الكولومبية، مع حرص على أن تكون الكتابة متدفقة في آنيتها وصدقها، وقد أدهشته الحياة هناك بكل تفاصيلها، وهو الحريص على العناية بالهامش والمهمل، وعيناه تلتقطان كل شاردة وواردة، وهو يحاول القبض على ما هو جميل في الحياة، وهدفه في الرحلة، الانخراط مع ثقافة الآخر، والتعرف عليه، والخروج بخبرة كبيرة ومتعة أكبر، والنشوة تتلبس حياته، وهو يكتب، فكأنه يكتب حياته والمتعة ذخيرته وكنزه وبهجته.
    والأمر الواضح لمن قرأ الرحلة أن باسم ربط رحلته الثانية بأنماط من المقاصد التي تتمثل في، نقل الجيد من تجارب الأمم، أي من تجارب الأمة الكولومبية، و العناية بالهامش والمهمل، والانخراط مع ثقافة الآخر، والتعرف عليه، والخروج بخبرة كبيرة ومتعة أكبر، والشعور بالانتشاء، وعندي أن هذه المقاصد مجتمعة تحيل إلى هدف أكبر، تمثل في التواصل مع الأمم الأخرى، والإفادة من ثقافتها، فالتواصل في النتيجة ارتباط وتفاهم بين الشعوب، أي بين مرسل، ومستقبل يكون التوافق بينهما سببا من أسباب اللقاء، الذي يدعم فكرة الإفادة المشتركة.
    3- في رحلة «لا عشبة عند ماهوتا من منائر بابل إلى جنوب الجنوب»، وجد الرحالة الشاعر باسم فرات نفسه معترفا بأنه شاعر لا يستطيع أن يتخلص من شغفه بالشعر، وهذا ما جعل قسما من عباراته شعرية التشكيل، ولكن همه الأول من جراء الارتحال اكتشاف أكبر عدد ممكن من الأماكن ومجسات نبضها، بعد أن استنشق عبير جمالها، وعبق دهشتها جاعلا من رصيد ذاكرته أكثر ثراء وتنوعا، وغرابة وتفردا.
    في هذه الرحلة كان القصد يتمثل في اكتشاف الآخر اكتشافا تاما يأخذ بالرحالة إلى الإفادة من كل ما رأى، بعد أن خزن المرئيات في الذاكرة أولا، ثم أفرغها كتابة ثانيا، فليس اكتشاف الآخر من الأمور اليسيرة في الحياة؛ لأنه يستدعي الوقوف عند لغة الآخر وثقافته، وصورته، وهذا ما فعلة باسم فرات، وهو يتماس مع المقصدية التواصلية التي أسهمت في إنتاج رحلة حقيقية على ورق السرد الرحلي.
    4- في رحلته «طواف بوذا رحلاتي إلى جنوب شرق آسيا» حرص الرحالة باسم فرات على الدخول في عمق مجتمع جنوب شرق آسيا، حين حضر أعراسا، ومناسبات، وفعاليات، وأنشطة ثقافية واجتماعية، وكان يرتاد الأسواق والمعابد، والشوارع الخلفية، وقد أقام علاقة مع الكسبة والباعة وبسطاء الناس، وهو يؤمن بأن الكادحين إخوته، وأنهم ملهمو قصائده وكتاباته، فهم بحسب رأيه نبض المجتمعات، وحقيقتها الناصعة بلا رتوش، وتلقائيتهم تساعد في فهم الأنساق الثقافية، والحوامل الاجتماعية؛ ولهذا كله لم يسمح لعينيه أن تغفلا عن أي مشهد، وهدفه في النهاية نقل تجارب الآخرين، بعد أن يتعرف على ميولهم وأوطانهم وقومياتهم وثقافتهم .
    في الرحلة السابقة تبرز المقاصد التواصلية واضحة، من خلال اعتراف الرحالة بأن هدفه ينصب في التواصل مع الآخر، فنقل تجارب الآخر البعيد الثقافية يعني الإفادة منها، فالثقافة، والعلم سلعتان في حالة حركة دائمة بين الشعوب؛ لأن الحياة المعاصرة تسهم في وتائر تسريعها، فهما مهما طال الزمن في تغيير، وأن هذا التغيير لا يكون إلا في حركة تواصل دينامي تعززه الخبرات المتبادلة والهجرات والرحلات أيضا.
    5- أما في رحلته الأخيرة «لؤلؤة واحدة وألف تل رحلات بلاد أعلى النيل»، فقد أوجز قصد الرحلات في أنها منحته معرفة أكبر وأعمق بافريقيا، وقد تعلم كثيرا وهو يرصد حركة المجتمع هناك، وقد دوّن ذلك كي يشارك المتلقين المعرفة، والدهشة، وليكن ذلك رصيدا له في خزين ذكرياته مستقبلا، وأدب الرحلات بحسب فهمه جزء من سيرة مكان، والمتلقي فيه يقرأ مكانا حقيقيا يخلو من الصرامة الأكاديمية لكنه – والكلام له – لا يخلو من الخيال، وأدب الرحلات عنده يمتلك رسالة إنسانية تؤدي إلى نشر المحبة بين الشعوب، وتقريب الثقافات من خلال الكتابة التي تعرّف بالبلدان، فضلا عن أن الرحلة عنده مشاركة الناس جماليا ومعرفيا، ففي هذه الرحلة نهضت المقاصد التواصلية من خلال معرفة أكبر وأعمق بافريقيا، وقد تعلم الرحالة كثيرا وهو يجوب البقاع البعيدة، وقد دون ذلك عن عمد كي يشارك المتلقين المعرفة والدهشة، ونشر المحبة بين الشعوب، وتقريب الثقافات من خلال الكتابة (الرحلية) التي تعرف بالبلدان، فضلا عن أنها عند باسم فرات مشاركة الآخرين جماليا ومعرفيا.
    أخلص من كل ما مضى إلى أن مقاصد الرحلة مؤشر كبير على حركتها، وتصوراتها، ولا سيما حين تكون تواصلية في سعيها الذي يستثير الذاكرة، ويعمل على إيقاظ حواس الرحالة، ومجساته التي تعمل في أقصى حالات التحسس، والتواصل الحضاري مع الآخر، بوصف (التواصل) ثقافة لا علاقة لها بوسائل التواصل السابقة المبنية على فكرة الحرب والتجارة، وغيرهما، إنما علاقتها بوسائل المشاركة والاندماج، والانفتاح الاقتصادي والمجتمعي.

    صحيفة القدس العربي
    الثلاثاء 17 كانون الأول "ديسمبر" 2019م.
    https://www.alquds.co.uk/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b5%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d8%a8%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d9%81%d8%b1%d8%a7%d8%aa/

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 17, 2024 12:42 am