هنا وهناك كتاب صغير(64 ) فيه قصائد لباسم فرات ترجمت من العربية إلى الانكليزية، أخذ معظمها من كتابين نشرا له سابقا بالعربية . كما أنه أول كتاب من الشعر العربي المترجم ينشر في نيوزيلندا، مما يعكس ليس فقط طبيعة الشعر والمجتمع الذي تنتمي فيه التعددية الحضارية واللسانية، كما هو الحال في غير مكان، بل وأيضا الدور العالمي الإيجابي للترجمة. يستحق هذا الكتاب المديح، أولا لأنه يمد الأبعاد الدقيقة للشعر على خارطة العالم، ولكونه دليلا على تكامل عمل شاعر في المنفى فيما هو عالم جديد في الشعر وكجزء متتم بالنسبة له.
نشرت دار هيدرو أكس مجموعة واسعة من الشعر النيوزيلندي، ويأتي هذا الكتاب في مكانه الطبيعي في هذا الموقع، دون أن يظهر وكأنه جاء غاصبا له. ولا أظن- وقد أكون مخطئا- أن الكثير من الشعر النيوزيلندي الجديد من قبل قد ظهر بهذه الصورة، ومع ذلك فهو يعبر صادقا بقوله:
"أوتياروا، أوتياروا
منفاي الجميل،
شوارعك النحيفة كخصور النسوة
مزدحمةً بأشجار تجيد الرقص
حدائقك تعيدني الى الجنائن المعلّقة
تستلقي على ذاكرتي
فالمسألة أن هذه الأبيات، من بداية أول بيت في قصيدة الافتتاح: "هنا وهناك" ( العنوان الأصلي للقصيدة بالعربية هو " هنا حماقات هناك ... هناك تبختر هنا " المترجم ) تجد موقعها جيدا وبيسر في سياق اللغة الانكليزية.
و هذا الشعر بحد ذاته ليس راديكاليا، إلا إذا فهمنا معنى الكتابة عن الجذور المشتركة والتجارب الإنسانية: وهذا ما أحسن فيه باسم فرات، وأحسن جيدا.
يقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تعكس أولا الشاعر في المنفى، ثم موضوع الحب، وأخيرا ما يسعى الشاعر نحوه كشكل من طريق الخلاص في الأمام . وتعكس كل هذه الأمور انتقال الشاعر من حضارة إلى أخرى، من وطن إلى ءاخر، و من حالة وعي إلى أخرى، وكلها في الحقيقة أفعال مركبة من الكينونة والتماثل.
غير أن باسم فرات يبدو لي أكثر ما يكون ارتياحا في صوته بالانكليزية في قصائده التي تتحدث عن المنفى والوطن. هنا تتمكن لغته واحساساته الأصلية بحياة الشعر من أن تظهر على السطح بقوة، حتى في عناوين عدد من قصائده: " عناقٌ لا يقطعه سوى القصف؟؟؟" و: "في لسانك يتخمر العسل؟؟؟" و : "عبرت الحدود مصادفة" . أو في أبيات أو عبارات من عربيته العراقية تظهر جميلة بالانكليزية : "البحر بوشاياته " و: "خيط من الفراشات ينتظر عند بابك " و: " أركض خلف موتي، وجثتي تتبعني " و: "الخراب يصهل في كتفيّ " و: " أنا الأخير في قافلة العزلة " و: "ليس غير جغرافية الألم".
إن هذا الشعر يجد له مكاناً حسناً بالانكليزية هنا.
وفي قصيدته: "جنوب مطلق؟؟" استطاع باسم فرات أن يجعل مختلف المشاعر عن العراق "..البعيد جدا" ترقص معا، وبخاصة عن موطنه كربلاء (والتي استحضرت بشكل رائع في قصيدة لاحقة: "خريف المآذن"، ) بكونها المشاعر البعيدة، في الزمن وفي الذاكرة، في التاريخ ,وفي الحرب، وفي البعد الحقيقي بالمسافات. كما هو الشيء نفسه عن نيوزيلندا، بكونها أصبحت الوطن الجديد في المكان البعيد. كما أن الإحساس بأن كليهما في حقيقة الأمر بعيد عن، وكذلك قريب من وطن الإنسان، يبعث هدوءا غامضاً:
"...وأقول : في الأقاصي البعيدة
ثمة مايدعو للتذكر
في المدن التي أنهكها
أردم أحلامي
أو، مرة أخرى ، كما يقول في القصيدة نفسها:
" كلما استلقي... يحاذيني الفرات....الخ..."
وأكثر الجمل مفعمة بالقول ، مثل :
في أقصى الجنوب جنوبٌ
أو قوله :
أنا الجنوبُ المُطلق
قد أوارب مع أي شيء في استعراض مختصر، وربما جاءت الترجمات غير متسقة، وهو عمل أربعة مترجمين مختلفين، الى جانب ذلك رأي الناشر. ومع ذلك فإن هذا الكتاب قد ترجم جيدا ونشر جيدا. وجاء بلا مقدمة، وهو ما يؤسف له، غير انه كان هناك في الظهر منه دعم من سعدي يوسف، وفي ذلك الشيء الكثير.
* ستيفن ووتس : شاعر بريطاني
عن مجلة بانيبال العدد 25
ترجمة الدكتور عبد المنعم الناصر
نشرت دار هيدرو أكس مجموعة واسعة من الشعر النيوزيلندي، ويأتي هذا الكتاب في مكانه الطبيعي في هذا الموقع، دون أن يظهر وكأنه جاء غاصبا له. ولا أظن- وقد أكون مخطئا- أن الكثير من الشعر النيوزيلندي الجديد من قبل قد ظهر بهذه الصورة، ومع ذلك فهو يعبر صادقا بقوله:
"أوتياروا، أوتياروا
منفاي الجميل،
شوارعك النحيفة كخصور النسوة
مزدحمةً بأشجار تجيد الرقص
حدائقك تعيدني الى الجنائن المعلّقة
تستلقي على ذاكرتي
فالمسألة أن هذه الأبيات، من بداية أول بيت في قصيدة الافتتاح: "هنا وهناك" ( العنوان الأصلي للقصيدة بالعربية هو " هنا حماقات هناك ... هناك تبختر هنا " المترجم ) تجد موقعها جيدا وبيسر في سياق اللغة الانكليزية.
و هذا الشعر بحد ذاته ليس راديكاليا، إلا إذا فهمنا معنى الكتابة عن الجذور المشتركة والتجارب الإنسانية: وهذا ما أحسن فيه باسم فرات، وأحسن جيدا.
يقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام تعكس أولا الشاعر في المنفى، ثم موضوع الحب، وأخيرا ما يسعى الشاعر نحوه كشكل من طريق الخلاص في الأمام . وتعكس كل هذه الأمور انتقال الشاعر من حضارة إلى أخرى، من وطن إلى ءاخر، و من حالة وعي إلى أخرى، وكلها في الحقيقة أفعال مركبة من الكينونة والتماثل.
غير أن باسم فرات يبدو لي أكثر ما يكون ارتياحا في صوته بالانكليزية في قصائده التي تتحدث عن المنفى والوطن. هنا تتمكن لغته واحساساته الأصلية بحياة الشعر من أن تظهر على السطح بقوة، حتى في عناوين عدد من قصائده: " عناقٌ لا يقطعه سوى القصف؟؟؟" و: "في لسانك يتخمر العسل؟؟؟" و : "عبرت الحدود مصادفة" . أو في أبيات أو عبارات من عربيته العراقية تظهر جميلة بالانكليزية : "البحر بوشاياته " و: "خيط من الفراشات ينتظر عند بابك " و: " أركض خلف موتي، وجثتي تتبعني " و: "الخراب يصهل في كتفيّ " و: " أنا الأخير في قافلة العزلة " و: "ليس غير جغرافية الألم".
إن هذا الشعر يجد له مكاناً حسناً بالانكليزية هنا.
وفي قصيدته: "جنوب مطلق؟؟" استطاع باسم فرات أن يجعل مختلف المشاعر عن العراق "..البعيد جدا" ترقص معا، وبخاصة عن موطنه كربلاء (والتي استحضرت بشكل رائع في قصيدة لاحقة: "خريف المآذن"، ) بكونها المشاعر البعيدة، في الزمن وفي الذاكرة، في التاريخ ,وفي الحرب، وفي البعد الحقيقي بالمسافات. كما هو الشيء نفسه عن نيوزيلندا، بكونها أصبحت الوطن الجديد في المكان البعيد. كما أن الإحساس بأن كليهما في حقيقة الأمر بعيد عن، وكذلك قريب من وطن الإنسان، يبعث هدوءا غامضاً:
"...وأقول : في الأقاصي البعيدة
ثمة مايدعو للتذكر
في المدن التي أنهكها
أردم أحلامي
أو، مرة أخرى ، كما يقول في القصيدة نفسها:
" كلما استلقي... يحاذيني الفرات....الخ..."
وأكثر الجمل مفعمة بالقول ، مثل :
في أقصى الجنوب جنوبٌ
أو قوله :
أنا الجنوبُ المُطلق
قد أوارب مع أي شيء في استعراض مختصر، وربما جاءت الترجمات غير متسقة، وهو عمل أربعة مترجمين مختلفين، الى جانب ذلك رأي الناشر. ومع ذلك فإن هذا الكتاب قد ترجم جيدا ونشر جيدا. وجاء بلا مقدمة، وهو ما يؤسف له، غير انه كان هناك في الظهر منه دعم من سعدي يوسف، وفي ذلك الشيء الكثير.
* ستيفن ووتس : شاعر بريطاني
عن مجلة بانيبال العدد 25
ترجمة الدكتور عبد المنعم الناصر