انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    جَنـوبٌ مُطـلَق

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    جَنـوبٌ مُطـلَق Empty جَنـوبٌ مُطـلَق

    مُساهمة  Admin الإثنين أكتوبر 25, 2010 5:12 pm

    ... وَأَقولُ : في الأقاصي البَعيدَةِ
    ثَمّةَ ما يَدعو لِلتَّذَكُّرِ
    في الْمُدُنِ التي أَنْهَكَها البَحْرُ
    أَردِمُ أَحْلامي
    لِي مِنَ الْحُروبِ تذْكارٌ
    وَمِنَ البلادِ أقصى الجِراحِ
    لي مِن الأسى دُموعُ المَشاحيفِ وَارْتِباكُ القَصَبِ
    تَأَوّهاتُ النخْلِ
    بَوْحُ البُرْتُقالِ
    دَمُ الآسِ
    هَناكَ ...
    تَرَكْتُ عَلى خارِطَةِ الطفولَةِ
    بَراءَةً ثَقّبَتْها عُفونُة ُالعَسْكَرِ
    وَمِنَ البَيْتِ سَرَقَتْني الثكناتُ
    وَرَمَتْني إلى الْمَنفَى
    أنا والله ُوَحيدانِ
    ثَمّةَ أَبَدِيّةٌ تَسْتَظِلّ بي
    ثَمّةَ نِسْيانٌ يُغادِرُني
    تارِكاً رائِحَةَ القَصْفِ في مَمَرّاتِ عُمْري
    وَأقولُ : في الأقاصي البعيدةِ
    تَسْتَغْفِلُني الحَرْبُ ، فَتَكْنسُ أفراحي
    أَمْسِكُ بالسرابِ ..
    بلا جَوازِ سَفَرٍ يُشْعِلُ الفراتُ أَمْواجَهُ لي
    بينما جَميعُ الأشياءِ تُشيرُ إليكِ
    لا شَيءَ يُذكّرُني بكِ
    تَنحَني السماءُ لِتَعْبُري
    خَيْطٌ مِن الفَراشاتِ يَنْتَظِرُ عندَ بابِكِ
    كذلك زقزقةٌ شاسِعَة ٌ
    وَهَديلٌ شَفيفٌ يُلامِسُ الوَرَقَة َ
    وفي البياضِ بَوْحٌ طويلٌ

    وأقولُ : في أقصى الجنوبِ جَنوب .

    المرأةُ بِأَعوامِها الأربعينَ تَجْهَلُ تَمامًا
    أن أبي أكثرُ القتلى بَشاشَةً
    بُطولاتُهُ أوْرَثَتْنا الجوعَ واحتِفاءَ الآخرينَ
    ومنذُ ثلاثينَ سَنَةً قَمَريةً تَحْتَطِبُ أمي انتظارَها
    حتى غَدَتْ انتظارًا

    طفولتي التي سَخّمَها الفقرُ واليُتمُ
    ها هيَ تَمُدُّ لِسانَها ساخرةً مني
    بعدما سَخّمَتْ حياتي الْحُروبُ والمنافي
    كلَّما استلقَيْتُ حَاذَاني الفُرات ُ
    مادًّا لي أحلامَهُ
    فتزاحِمُها القذائفُ وصَفاراتُ الحصارِ
    أخرجُ من نومي إلى الطرقاتِ
    مُثخَنـًا بالذكرياتِ
    أُبادلُ الشظايا بالورودِ والقصائدِ
    ورُعونَةَ القصفِ بعودِ مُلاّ عثمان الموصليِّ
    ومقاماتِ القبانجي

    للبحرِ الذي بَلّلَتْه أناشيدُ البحّارةِ
    دُموعٌ تَستَرخي على الشواطئِ
    فيلهو بها العُشاقُ والأطفالُ
    مَحارٌ يغفو على جَفنِِِ المَوجِ
    صُخورٌ تَتّكِئُ على خاصِرتِهِ
    تَعُدُّ تَساقُط َالأمنِياتِ
    من المارّة

    وَللحَربِ أيضًا أناشيدُها
    تلكَ التي بَلّلَتْ أحضانَ الأمّهاتِ
    بالعَويلِ والتَّرَقُّبِ
    نَوافذُ أُشْرِعَتْ للانتظارِ
    ولا تُشيرُ الى أَحَدٍ
    أَبوابٌ أَكَلَتْها الْحَسْرَةُ
    فَتَهَشَّمَتْ عَتَباتُها
    أَحلامٌ تُسحَلُ في الشَوارِعِ
    ( أيّتُها الشوارِعُ مَتى أُشيّعُ حُزني على أَرْصِفَتِك )
    مَصابيحُ شاحِبَةٌ أنْهَكَها البَرْدُ

    وَلِلحَربِ . . .
    قَذائِفُ تَتَوَسَّدُنا ، وَتَستَريحُ بأجسادِنا
    قَتلى في جِيوبِهم
    عَصافيرُ تُشاكِسُ الصباحَ
    وَتَلهو بِنَجمَةٍ يَتيمَةٍ نَسِـيَها الليلُ
    رَسائلُ دافِقَةٌ بالفَجْرِ
    . . . وأقولُ :
    يا لُهاثَ الْجَنوبِ
    يا ابنَ الشمسِ
    والأنهارِ التي تطْلقُ الكَوارِثَ من شَدَقاتِها
    مَثلَما تطلقُ الكُتُبَ المُقَدَّسَةَ والأنبياءَ
    ها أنتَ أخطَأتْكَ الْمَعَارِكُ غَيرَ مَرّةٍ
    فَوَجَدْتَ نَفْسَكَ خارِجَ الْحُدودِ
    وَحينَ تَطَلّعْتَ إلى الوَطَنِ
    ابتَلَعَكَ الْمَنفَى
    تَنْفُخُ سَنَواتِكَ فلا تَرى سِوى الرمادِ
    وَتَخْشى على بَهائِكَ من الاندِثار
    كلَّ لَيلَةٍ تُقيمُ حَفْلاً لِدِجْلَةَ في أقصى جَنوبِ الْجَنوبِ
    لا جَنوبَ وَرائي لأَصيحَ : هُنا بِلادي
    ولا جَنوبَ أمامي لأتَلَمّسَ لي مَنفذًا إليهِ
    أنا الجَنوبُ الْمُطلقُ
    عُدّتي تاريخٌ طَويلٌ من الحُروبِ والانكِساراتِ
    الأمجادُ المُلَوّثَةُ بِسِياطِ الوالي
    وَأوسِمَةِ الجنِرالِ
    عَرّتني وَحيدًا في الأرضِ الْحَرامِ
    ليلي مُشَبَّعٌ بِتَفاصيلِ الثكناتِ
    سِرِّ اللّيلِ
    ضابطِ الْخَفَرِ
    وَفِرَقِ الإعْدامِ
    كلّ النِّساءِ اللَّواتي عَرَفتُ
    واللَّواتي سَوفَ أسِم شَهَواتِهنَّ بحَماقاتي
    شَممْنَ صَهيلَ السَّواتِرِ في زَفيري
    وَاسْتَفَزَّ أُنوثَتَهُنَّ هَذَياني في ثاكِلَةِ الليلِ
    وأقولُ :
    يا لُهاثَ الفُراتَيْن
    كي أستطيعَ مُصافَحَةَ غُرْبَتي
    هَل عَليَّ أَنْ أَحْرِقَ جُذوري ؟
    وأرمي ثَلاثينَ عامًا الى البَحْرِ
    لِتَكونَ وَليمَةً شَهِيَّةً لِلأَسْماك
    هَلْ عَلَيَّ أنْ أَخْلَعَ قَميصِيَ المَلِيءَ قسْرًا
    بالقَذائفِ والوِشاياتِ والحِصارِ
    لِتُعانِقَني سَماءٌ لَيْسَتْ لي
    وأقولُ :
    يا لُهاثَ الفُراتَيْنِ
    في الْمُدُنِ القَصيّةِ
    ثَمَّةَ ما يَدعو لِلتذَكُّرِ
    في الأقاصي التي أنْهَكَها البَحْرُ
    أَرْدِمُ أَحلامي
    لي مِنَ الْحُروبِ تذْكارٌ
    وَمِنَ البِلادِ أَقصى الجِراحْ .

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 7:54 pm