عندما بدأت علامات هجرتي لنيوزلندا التي لم اكن احلم بها او اتمناها ، كونها آخر بلد في العالم ، وانا بحاجة لبلد يكون اكثر قرباً لعالمنا العربي ، أقول ، بدأت بجمع ماتيسر لي من الكتب والمجلات والقصاصات ، حتى اني حملت حقيبة كان قد اشتراها لي قبل ليلة من سفري هدية ً ، الصديق الشاعر ظافر عويد ، هذه الحقيبة التي لم تتحمل طول السفر ، فبدأت التقرحات والجراح تنهشها ، كجندي حارب كثيراً مجبراً في حروب لايعرف سببها .
الطيران الطويل من الاردن الى نيوزلندا ، أرهقني ليس جسدياً فقط وانا الذي يجرب السفر بغير سيارة لأول مرة ، حيث اني لم أجرب الطائرة والقطار والنقل المائي سابقاً ، بل أرهقني فكرياً ، فقد رحت أتساءل : كيف لي ان ازور المنطقة ؟ ، وكم سوف يمضى عليّ في نيوزلندا حتى أرى العراق والاردن ؟، الاردن التي صرت أحنّ لها كما هو حنيني للعراق ، المسافة شاسعة ، ولغتي الانكليزية لم تكن تسعفني حتى بمحادثة لا تستغرق سوى دقيقة ، والكثير من الافكار التي هاجمتني ..، ولكن الاغرب ، هو سلوك العراقيين من غير الناطقين بالعربية معنا في الطائرة ومن ثم في مركز التأهيل ، والذي تجري فيه الفحوصات الطبية مع دورة مكثفة عن القوانين في نيوزلندا وعن حقوقنا وواجباتنا فيها ، وهو عكس موقف الصوماليين والايرانيين وغيرهما ، فطول الرحلة التي استمرت ليومين تقريباً ، كان تحاشي الحديث معنا واضحاً ، باستثناء شخص مسيحي كلداني ، هو والحق يقال يجسد رسالة السيد المسيح في السلام والمحبة .
من هنا بدأت أتساءل : ما الذي يجعل ابناء الوطن الواحد ، يبتعدون عن بعضهم بعضاً ، الى هذه الدرجة من التنافر ، لولا الخطابات الايديولوجية المبنية على الكراهية وتزوير الحقائق ، وهذا مافعلته جميع الأحزاب العراقية المتأدلجة ، مقلدة خطى الحكومة ؟ .
بعد فترة من استقراري في العاصمة النيوزلندية ولنغتن ، بدأت مؤونتي من الكتب تنفد ، وقبل ذلك بقليل ، تعرفت الى شاعر عراقي سبعيني ، كان قد حطّ الرحال به قبلي في هذا البلد بعام تقريباً ، هو الشاعر صباح خطّاب الذي حرمته مبادؤه وقيمُه من التمتع بما تمتع غيره من ابناء جيله ، رغم ما اصاب البعض منهم بعد ذلك من غبن او حرمان وتشتت .
وجدت في بيت صديقي مجموعة من الكتب ، الأدبية عموماً ، منها كتاب انفرادات الشعر العراقي ، الذي أعدّه الشاعر عبد القادر الجنابي ، ومجموعة من المجاميع الشعرية والروايات ، وكذلك مختارات للشعر الفرنسي ترجمة الاديب الكبير أحمد الباقري الزاهد في الشهرة والنشر تقريباً كما صديقي طيب الذكر صباح خطاب .
بدأت بسؤال الناس من العراقيين والعرب عمن في حوزته كتباً ، او من يعرف شخصاً سوف يصل من العالم العربي ، ومن سوف يسافر الى هناك ، لم تكن رحلة البحث عن الكتب ، سهلة تماماً ، بل طالما عرضتني الى إشكالات واحراجات ، لولا شغفي بالكتاب والمتابعة ، لتركتها غير نادم ، ولكن ، هيهات ، وانا المدمن قراءة ، بل لا اجد ذاتي الا بين الكتاب ، اقول بين الكتاب ، وليس الكتاب بين يديّ ، كوني استغرقُ استغراقَ الصوفيّ ، حين اقرأ .
من الملاحظات التي استرعت انتباهي ، ان الجالية العراقية ، جلبت معها كتباً ، تتماشى مع تطلعاتها واهتماماتها ، مثلا القومي وجدت عنده كتباً قومية تختص بتاريخ قوميته ( لا اقتنع بمفهومنا عن القومية فهو مفهوم الماني عنصري ، بينما القومية حسب المفهوم البريطاني وغيره ، هي حدود سياسية ، أي قومية عراقية ، ومصرية ... الخ ولكن هناك فئات لغوية او كما تسمى أثنية ، كما اني أضيف لها الثقافة ) والديني معه كتباً دينية ، وبما ان الحس العنصري ، او كما نطلق عليه بالقومي ، هو الغالب ، وارتداد الجاليات الى تقوقعها الضيق دينياً او لغوياً او مذهبياً ، فهذا أمدني بكتب كثيرة عن تاريخ العراق المتنوع والمعقد والمتشابك ، فقرأت مثلا تاريخ الكنيسة الشرقية لطيب الذكر العلامة الاب البير أبونا في ثلاثة أجزاء ، وقرأت تاريخ يهود العراق ، وتاريخ اليزيدية والصابئة والاكراد والتركمان ، وتاريخ الناطقين بالسريانية ، مثلما قرأت كتباً رائعة وجدتها عند بعض الاخوة المهتمين بالشأن العراقي ، واحدهم كان يملك خمسة عشر كتاباً ، كلها منتخبات مهمة عن تاريخ العراق الحديث ، ككتاب مشكلة الموصل ، وفصول من تاريخ العراق القريب ، والعراق من الاحتلال الى الاستقلال ، وكرد وترك وعرب ، والاكراد وكردستان ، والاكراد دراسة علمية وهي أبعد ما تكون عن العلمية رغم فيها معلومة جد مهمة ، والمعاهدات العراقية البريطانية ، وتاريخ الآشوريين .
اسفرت الرحلة عن قراءة مالا يقل عن مئة كتاباً عن تاريخ العراق ، مابين استعارات وبين شراء عن طريق القادمين للاستقرار او المسافرين ، كما حدث عدة مرات عن طريق البريد ، والآن تضم مكتبتي المتواضعة اكثر من تسعين كتاباً في التاريخ العراقي ، إضافة للكتب الادبية والفكرية .
مفاجآت وطرائف
مرة كنت أنتظر صديقاً لي ، قاتلا الوقت بقراءة صحيفة الزمان التي كانت تصلني احياناً ، واذا برجل سوداني يقف أمامي ، ثم بادرني بالتحية ، لنصبح أصدقاء منذ ذلك اليوم ومترجماً قصائدي للانكليزية ، ولقد استعار مني الكثير من الكتب مثلما استعرت منه ، كتابين مهمين ، هما الخلافة الاسلامية للعشماوي وفيه بعض الشيئ ، ما يخص العراق ، قبل الاسلام بقرون وطبيعي بعد الاسلام ، اما الكتاب الثاني فكان تكوين العقل العربي ، والذي بقيت آمل ان احصل على بقية اجزاء مشروع الجابري في نقد العقل العربي ، وخصوصاً بنية العقل العربي ، حتى تحققت لي بعد ذلك باربع سنوات ، عندما وصل الى نيوزلندا شخص يحمل كتباً كثيرة لا أشك لحظة جهله بقيمتها ، ومن بينها بنية العقل العربي فقط من مشروع الجابري ، فقرأته ، مثلما قرأت بعده ردّ الكبير جورج طرابيشي عليه ، والذي وجدت فيه أي في نقد نقد العقل العربي لطرابيشي، مادة غنية وسياحة فكرية وتاريخية .
مرة صديق لي أراد السفر للعراق لكي يتزوج ، فسألته امكانية ان يأخذ نسخاً معه للعراق ، من ديواني خريف المآذن فوافق ، وقبل سفره بأيام قلائل ، كتبت عني صحيفة " أخبار هات " واتصلت به لأرى ان كانت الجريدة وصلتهم كوني اعمل في منطقة بعيدة ولا تصل فيها الجريدة ، وحين فتحها وقرأ ما كتب عني ، خشي أخذ نسخ من الديوان ، وقال لي يارجل انا ذاهب للزواج واخشى من كل شيئ ، قلت ، حسناً اجلب معك الكتب ، فسألت اهلي امكانية تحضير مجموعة من الكتب التاريخية والادبية واخراجها من الرقابة العامة وختمها ثم توصيلها الى بيت أهل صديقي الرائع هذا ، ولم يخطر ببالي ان عدة كتب من هذه كانت مجلدات ضخمة منها مقدمة في تارخ الحضارات لطه باقر ، واليزيدية لصديق الدملوجي ... ألخ ، وقد عانى صاحبي معاناة بحملها حتى اوصلها مشكوراً ، وحين ذهبت الى مكتبه لحملها ، اضطررت ان اغيرها من يد الى اخرى عدة مرات في المسافة التي تفصل مكتبه عن محطة القطار ، فكان موقفاً محرجاً لي ، أشعرني بالذنب وتأنيب الضمير ، حتى اني لم اتمكن من التمتع كاملاً بفرحة الحصول على خمس وعشرين كتاباً ، بسبب ما سببته لصديقي الدمث الاخلاق حقا .
صديق آخر اخبرني انه سوف يسافر الى سوريا للقاء والدته وشقيقه ، وسألني امكانية تصويره وعائلته باعتباري مصورا فوتوغرافياً منذ سنوات طويلة ، لكي يبقي نسخة عنده والبقية لاهله وهم يوزعونها على بقية الاهل ، قمت بتصويره وطبع عدة نسخ مع تكابير باحجام مختلفة ، كل هذا مجاناً لكي يجلب لي معه عدة كتب .
علم أحد العراقيين بلهفتي للحصول على الكتاب ، فاخبرني ان له صديقا في إيران وبامكان صاحبه ان يرسل لنا ما نشاء وهو ثقة ، وما علينا سوى ان نكتب قائمة باسماء الكتب ونحول مبلغاً من المال ، فعلتها ، وحصلت على الكتب وان حدثت بعض الاخطاء ، ولكن الطريف في الامر ان هذا الشخص استغلني من خلال انه طلب مكافأة أولا ، وثانيا جاءني عدة مرات لكي اساعده مادياً والتقط له صوراً او أطبع له افلاماً ، وفي الاخير غدر بي ، كل هذ بسبب الكتب ولهفة الحصول على الكتاب .
قرأتُ تاريخ العراق ، قراءة شاعر يتأمل تاريخه ، وكم استوقفتني أشياء وأشياء ، وكم راعتني حوادث وحقائق ، وكلما أقرأ مقالاً يتناول العراق ، أستشاط غضباً ، حيث أرى الجهل الفاضح ، أو التزوير الذي لايراعي أبسط مقومات الكتابة المقنعة ، ألا النزر اليسير جداً ، من الكتّاب الذين حقاً يكتبون مقالاتٍ تحمل نفساً علمياً واخلاقياً في ذات الوقت ، حيث لاتكتب غريزة ولا تعصب أعمى يريد تجفيف الغيوم بصراخه .
أقسى ما هالني هو حقيقة ان العراقيين يقرأون تواريخ الامم كلها الا تاريخهم ، وهم بلا أدنى شكّ ، أكثر الشعوب جهلاً بتاريخهم ، مما جعل هذا التاريخ عرضة ً لكل أفّاق ٍ وطامح وحالم وحاقدٍ ان يدلو بدلوه ، وان يدعي ما يشاء ، حتى وصلت قناعة عند الغالبية العظمى انهم ليسوا سوى طارئين محتلين للبلد ، جاءوا مع جيوش الفتح الاسلامي او بعده ، وكأن فترة 1400 سنة ليست كافية لكي يتحولوا الى سكان البلد ، بينما من المصدافات الغريبة والمحيرة ان يتحول من جلبه المستعمر البريطاني خلال الحرب العالمية الاولى وما بعدها الى رب الدار وابن الارض الأصلي ، لمجرد كونه لا يعرف اللغة العربية ، وأصبح من لا آثار له في العراق ، يملأ الآفاق ، متحدثاً عن الغزو العربي للعراق ، ومن كان لوقت قريبٍ شفاهياً ، ولم يعرف المدنية والحضارة لعدة اجيال خلت ، لاتزيد عن أصابع اليد الواحدة ، يزبد ويعربد ، عن تخلف العرب البدو الذين ملئوا البلاد ظلماً وظلامية ، وراح الناطق بالعربية يصدق هذه الترهات ، بأنه لايملك من حضارة سوى الجمل والصحراء ، وانه جذور الجميع قبله في العراق وبقية العالم العربي ، كل هذا بسبب الجهل ، حيث ان أي متصفح للتاريخ سوف يكتشف ان الشعوب التي سبقت او لحقت العرب في العراق لم تصعد للسماء في لحظة واحدة ولم تنشق الأرض لتبتلعهم عن بكرة أبيهم ، بل هو تزاوج واختلاط وتجانس وتصاهر ومن ثم ذوبان ، فجيش الاسكندر الاكبر بقي في العراق وتزوج عراقيات ، وجيوش الفرس والتتار والمغول وغيرها استقرت غالبيتها في العراق ، كما ان السومريين والاكديين والعموريين والبابليين والآشوريين والآراميين وغيرهم تزاوجوا فيما بينهم ومع النازحين الجدد ، وان هناك حقيقة يجهلها معظم اهل العراق من ضمن ما جهلوا ويجهلوا ، الا وهي ان حدود شبه الجزيرة العربية هو نهر الفرات ، وان مع الكلدانيين الذين انتصروا على الآشوريين كان العرب الذين انتشروا في العراق في بابل والانبار خصوصاً بشكل كبير ومتزايد حتى شكلوا خطراً عالجه الملك العراقي نبوخذ نصر بوضع رؤسائهم تحت الاقامة الجبرية في حصن ، وهذا الحصن مازال ماثلاً في الذاكرة الثقافية ، الا وهو الحيرة والتي تحولت بعد ذلك الى مملكة شهيرة ، فكلمة الحير تعني الحصن ، ولهذا قصة ترويها كتب التاريخ كالطبري والحموي ودائرة المعارف الاسلامية الفرنسية وغيرها ، أما مملكة الحضر 200 ق.م – 100 م واشهر ملكوها سنطرق الذي لقّب نفسه او لُقّب ، بملك العرب ، وهذه المملكة هي صورة مثلى للتعايش والتزاوج والاختلاط حيث ان قبيلتي جشعم وقضاعة العربيتين ، غادرتا السماوة ( والسماوة جزء من العراق وليست في اليمن ) الى تخوم الموصل الجنوبية ، وأسستا مع الآراميين سكان المنطقة ، مملكة لازالت آثارها شاخصة .
الحيرة التي بناها نبوخذنصر للحدّ من النفوذ العربي ، هي مثال على تنامي الوجود العربي الى جانب الاقوام السامية الاخرى في العراق ، حتى تحولت الى مملكة وحاضرة عربية ، يكفي انها اشتهرت بالخط الحيريّ وبمدارسها ، وقد استعارت قريش الخط الحيري منها لتكتب مواثيقها وعهودها وعقودها وغير ذلك مما تحتاجه مدينة صاعدة مثل مكة ، وكل هذا قبل الاسلام بعدة اجيال ، بل ان وجود فرقة عسكرية فارسية ، بقيت حتى الى عهد يزيد بن معاوية ، وقاتلت الى جانب جيش الخليفة ، ضد الامام الحسين بن علي سبط النبي ، لدليل على ان مدن العراق مثلها مثل جميع المدن الحقيقية في العالم ، تجد فيها تنوعاً سكانياً يمنحها رونقها وثراءها الحضاري، فالتواجد السامي الكثيف والفعال والمميز لم يمنع التواجد الآري الى جنبه .
أسماء مناطق العراق جميعها متنوعة ، مما يعني تنوع البلد ، وان كانت الاسماء السامية هي الغالبة بشكل كبير ، رغم عمليات تغيير أسمائها التي مارسها ويمارسها الجميع ، فالموصل اسم عربي وأربيل أكدي ونوهدرا وبعقوبا وكركوك ومئات الاسماء الاخرى .
كتب التاريخ علمتني ان لا وجود لعراقي واحد نقيّ العرق والدم ، فنحن في الحقيقة نتاج تزاوج جميع الأقوام التي سكنت العراق ، وكم كانت دهشتي عظيمة وانا في آخر بلد في العالم ، في أقصى جنوب الجنوب ، عندما أكتشفت ان عوائل من مدينتي طالما كانوا يتغنون بعبد الناصر والوحدة العربية ، جذورهم ليست عربية ، بل هم ينتمون الى الاقوام التي نزحت من الشرق وما أكثرها ، ان من شبه القارة الهندية او من اواسط آسيا او من ايران وماجاورها ، وقد سكنوا وأحبوا العراق ، واستعربوا مثل الملايين التي استعربت على امتداد قرون طويلة .
مشاركاتي الكثيرة في النشاطات الأدبية النيوزلندية ، ونشري المتواصل في المجلات الأدبية فيها ، وإصدار مجموعتين لي باللغة الانكليزية بعد صدور مثلتيهما بالعربية ، لم يلغ تلهفي للحصول على كتاب عربي ، بل اني فطنت الى ان احدى أكبر مساوئ الغربة ، هو حرماني من التمتع بنعمة لا يشعر بها ويقدرّها حق قدرها ، الاّ مَن أدركته لوعة الكتاب وادمان القراءة ، ألا وهي نعمة التجول في الاسواق ورؤية آخر الاصدارات ، تزيّن وجه المدينة ، وشراء ما يروق لنا او استعارته من المكتبة ، او اذا عجز الحال ، فسرقته ، وهي لعمري أنبل الجرائم .
في هيروشيما الوضع لايختلف كثيراً ، نعم هنا تصل مجلة عربية واحدة فقط وهي مجلة المجلة ، والناس هنا يعرفون عن العالم العربي اكثر بكثير مما يعرف اهل نيوزلندا الذين يرددون دائماً انهم في بلد معزول ، ولكنها عزلة أيضاً ، ولولا الحاسوب ، وشبكة المعلوماتية ومافيها من كتب كثيرة ومواقع لاتحصى ، لضاقت الدنيا عليّ حتماً ، ومع ذلك أحاول ان احتال للحصول على كتب عربية ، منها من يسألني اي نوع من الهدايا أحبذ في مناسبة ما ، لن أتوانى بالقول ، ان الكتاب هو الاجمل ، وفعلا حصلت على عدة كتب وإن كانت قليلة جداً .
إن كنت في العاصمة النيوزلندية أجد اللسان العربيّ في أماكن كثيرة ، لكي أتحدث باللغة التي أكتب بها ، نتيجة كثرة العراقيين والعرب فيها ، ففي هيروشيما ، اللسان العربي شبه معدوم ، تمر علي احياناً عدة أشهر وأنا لا أتكلم العربية ، حتى الطلبة العرب ، جامعتهم بعيدة عني ، فأنا أعيش في وسط قلب المدينة ، ولا أحتاج الى وسيلة نقل للوصول إلى الاسواق وغيرها سوى قدميّ او دراجتي الهوائية .
اللغة هي الكائن الذي يطرد الأشباح ، والهواجس وكل ما يمنح اللعنة ، فرصة للتواجد في حيواتنا ، وإن لم نسمعها من الآخر، فعلينا أن نعقد صداقة معها من نوع مختلف ، صداقة أن نتحدث إليها على اعتبارها الكائن الأقرب إلينا ، وهذا مايطرد اللعنة ، لعنة العزلة ، ولعنة تآكل الذكريات ، التي تمنح الحنين أوسمة ً لانكساراتنا .
أيها الكتاب هل أنت وطني الذي هجرني إليه ، ونفاني الى مَلَكوته ؟.
هيروشيما – اليابان