انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    نصير الشيخ: الإقامة في جسد الحرب

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    نصير الشيخ: الإقامة في جسد الحرب Empty نصير الشيخ: الإقامة في جسد الحرب

    مُساهمة  Admin الجمعة أكتوبر 22, 2010 11:03 pm

    - ترى هل تدفع الأوجاع المثمرة عربة الروح الشاعرة الى مديات أكثر سمواً.، وهل تشكل حداثة الشاعر منظوره الابداعي وهو يجس عوالم الاشياء وسحر الموجودات وصدمات الواقع اليومي..؟!
    - فهل يكون عليه اذاً.، أن يخلق الثقة بالعالم وفقاً لـ (جان بولان)..
    أم عليه أن يجد انسجاماته في تحولاته.، وفي بهجة اللغة التي تجعل منه مركزاً للتوتر بين (الشكل المثالي والواقع اللامتجانس)..؟
    هذه أسئلة ومداخلات تقودنا إليها نصوص الشاعر (باسم فرات) وعبر قراءتنا لمجموعته الشعرية "خريف المآذن"*.
    واحدة من سمات النص الحديث في الشعرية العراقية هي كمية الأسى المتراكمة عليه.، والمترسبة فيه كنورة عيانية تبقى مؤثرة رغم جنوح النص إلى آفاق جديدة وتراكيب مبتكرة تأخذ مساحة من الحرية عبر (اللعب باللغة) واستخدام طاقتها الإنفجارية المتكونة كتحصيل حاصل من معرفية الشاعر + إحساساته الخفية الظاهرة على سطح الشكل مثل رماد بركان يغطي سفح جبل.، وباسم فرات شاعر يطالعنا من فوق مآذنه وهي تشهد خريفها..هذا الخريف الزاحف على وطن كتبت عنه كتب التاريخ على أنه موطن الأنبياء والحضارات.، وبلد النهرين، ولكن يبدو أن هناك نهراً ثالثاً يخترق جسده .. نهر من الدماء، الحزن الكربلائي الذي لايموت.
    تنطلق الذات الشاعرة.، وهي بمواجهة العالم.، الذي ينفتح أمامها فضاءً لاحدود له.، فهل كان الشعر بالنسبة لها "أكثر المشاغل براءة" على حد قول هيلدرلن.، يبقى الشاعر وجوداً مدخراً بالرعود ينتظر أبديته عبر "خلاص" يقدمه للآخرين كأساً تشربه البرايا.، فهل؟
    أم أن القصيدة هي المقامرة الوجودية التي يركب متنها في مسعى ازلي لتأويل موجودات الحياة واسرارها..؟
    • تابوت..يصرخ خلفي لاهثاً/ لغة ضيعتها حروفها/ حتى تعرت بلا مأوى/ شعوب تهرأت من البوح/ في قفص الامنيات (نص/ الى لغة الضوء اقود القناديل/ ص9).
    في مساحة تتغلغل في الاعماق النصية للمجموعة الشعرية (خريف المآذن) والمكونة من اثني عشرة نصاً.. تشكل الحرب مهيمناً بؤرياً في نسيج هذه النصوص..وتنفذ من خلل الجمل التي تشكل معمارية هذه النصوص.. وبذلك لاتتخلى لغة باسم فرات كعنصر السني عن وظيفتها- التوصيلية- في اظهار شدة التطابق مابين الوقائع المعلنة/ الحرب، الحصار، الموت، الغربة، النفي وما بين حساسية اللغة في اعداد متواليات مغرقة بهذا الاسى المزحوم بشهوة الانعتاق الى افق اكثر رحابة وصفاء.
    ففي نصه الموسوم (ارسم بغداد).، والذي عنوانه يشي بالكثير من الدلالات تكتفي جمل النص بابانة مايريده الشاعر.، ومن ثم يمثل العنوان (عتبة) للدخول الى عوالم الشاعر:
    • ماشئت شئت/ اسكب الفجر في تلمس ليلٍ غارقٍ بعماه/ اكتب تاريخ جنوبيين فوق عباءة امي/ وعبث امسح اكفان الايام المنسدلة من شعرها/ مقبرة السنوات تتمدد فوق اسفلت ذاكرة مليئة بندوب الحروب/ حداد يغلف حيواتنا/ لا اتنفس سوى الخراب/ احاول دون جدوى- ان افتح كوة فيه/ لا اجدني الا انكساراً يشع.
    ( ارسم بغداد- ص16-)
    معمارية النص هنا تكثف جملة من المتضادات وكأن بالذات الشاعرة مرجلاً تعتمل فيه هذه المتضادات، لذا يتضح لنا ان السياق حامل لهذه التضادات
    الفجر- ليل غارق
    او نعثر على ترادفات واشتقاقات من نفس القاموس الشعري الذي تكتنز فيه رؤيا الشاعر
    تاريخ- عباءة
    اكفان- شعرها
    مقبرة- ذاكرة
    حداد – حيواتنا
    اتنفس- خراب
    اجدني- انكسار
    في اشارة للملامح الشعرية لقصيدة النثر العراقية (الثمانينية والتسعينية).، تقرر الناقدة بشرى موسى صالح (بأن المشروع الكياني لقصيدة النثر العراقية قد تحرك في اشكال وملامح شعرية حديثة تتناغم مع ظاهرة قصيدة النثر العالمية تخضع للمرونة الاسلوبية العالية و (الستراتيج/ التفعيل الدلالي) في التعويض عن انفراط العقد النغمي التي تتمتع به الكتابة الشعرية الحديثة).
    • هكذا/ لكي اجتاز الوصول/ لم التفت لجراحي/ ثيابي اطعمتها للنهر/ وعيناي تتهجى رائحة غيابي. ( عانقت برجاً خلته مئذنه/ ص22)
    تتصاعد وتيرة القدرة الدلالية لدى الشاعر بنسبة طردية مع حجم المؤثر/ البيئي/ ان صح التعبير.، أي التغير المكاني في الانتقال من التربة/ الطفولة/ الوطن الى الهناك/ الغربة/ المنفى.
    فيكتسي النص لدى باسم فرات بفضة مرآوية تتبدى عليها ملامح ووجوه وامكنة في مجيئ ورواح.، فكأن باللغة الشعرية حاضنة لتفاعلات التشكيل الصوري الذي يزداد في فاعليته التعبيرية مقترباً من التجسيد الذي تتسع مساحته.، لتشمل النص بأكمله..
    • أعلق عمري على رصاصة/ تدلت من سماء بعيدة/ أصابعي بقايا مدن غابرة/ وختم الموت خطواتي/ انتظريني أيتها الشمس/ (عبرت الحدود مصادفة/ ص32)
    تتشكل في النص الشعري مجموعة من العلائق التي بدورها تميل الى مستويات دلالية تعمق اثر الرؤية الشعرية وترتفع باللغة الى ثرائها الناصع.، ذلك ان هذه العلائق لديها قدرة توليدية على كشف المعنى داخل اطار شعرية النص.،
    • كيف لي أن اطرد الأشجار/ من رأسي/ ولاتتبعني الزقزقة/ كيف لي أن أعري أبي من الخلافة/ ولايفيض الفرات في يدي/ كيف لي أن أقول أنثى/ ولا أعني كربلاء/ (اقول انثى/ص41).
    شيئان يتطلبهما الشعر.، مقدار من التنسيق والتأليف ومقدار من الروح الايحائي أو الغموض يشبه مجرى خفياً لفكرة غير ظاهرة أو محددة.، هكذا قال بودلير.، والنص الحديث هو تأسيس لتلك الرؤيا الثاقبة.. والتي تختار عوالمها وترسم اتجاهها وصولاً إلى (الجوهر) الكامن في الاشياء ومن ثم استنطاق مفرداته.،
    لذا كانت (خريف المآذن) نشيداً ومدونة لوقائع مرئية.، انهرست في ذات الشاعر بصور اكثر بهاء وبلاغة.. ذلك لأن الشعر ليس ظاهرة فيزياوية تطفو على سطح الموجودات.، وهو ليس محاكاة ازلية لما قيل من قبل، بل هو توجه اثيري دائم التجدد والبحث، وتدفق عال في مساحة الوجدان الانساني.، ذلك لأن الرؤيا الجمالية ترتفع بلغة الشاعر من مستوى الوصف الى منطقة الايحاء التي تبقي على سرية الشعر ودهشته، وتجرده من ظرفه التاريخي والوقتي وتبقيه افقاً مفتوحاً لمعابر الابداع.
    * باسم فرات/ خريف المآذن/ شعر/ دار ازمنة- ط1 2002م

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت سبتمبر 28, 2024 10:27 pm