الشعرية هي قوانين الخطاب الأدبي ، غير أن الشعريات الحديثة لم تنحصر في مجال نظريات الأدب ، بل اتسعت لتشمل فنوناً أكثر إبداعاً كما اتسع المدى أكثر فأكثر ليصل الى البحث في شعرية الأشياء الواقعية وبواطن اللا وعي كما عالجها غاستون باشلار في جماليات المكان وشعرية التصورات الذهنية ، وهذا يعني أن "شعرية الأشياء الواقعية وشعرية التصورات الذهنية" إنما هما شعريتان خارجيتان لا تستنبطان قوانين المادة الأصلية التي يتمظهر عندها وعبرها الفن الإبداعي ، بل تكون هذه المادة ( اللغة في الشعر مثلاً ) بمثابة الجسر الموصل الى قوانين التصورات وانتظامها .
باسم فرات شاعر عراقي صدرت له مجموعة شعرية جديدة بعنوان "بلوغ النهر" عام 2012 عن دار الحضارة للنشر في القاهرة وقبل ذلك أصدر مجاميع شعرية عدة لم احصل منها سوى على "أنا ثانية" والتي صدرت عام 2006، والمجموعة الأخيرة التي أنا بصددها الآن "بلوغ النهر" والتي تتكون من أكثر من ثلاثين قصيدة منها القصيدة الطويلة والقصيدة القصيرة ، كل القصائد الفراتية تستند الى فن جمالي شخصي لتوظيف الأسطورة والتوسع الخيالي في بناء شعرية باسم فرات التي فجرتها الغربة والإعجاب الكبير بالمدن التي أقام فيها زاخرة بالمعابد والأساطير المستوحاة من الماضي البعيد وأمجاد القادة ، إذاً هناك احتمالات تبرز هنا منها أن الطاقة الإبداعية للشاعر فرات بوصفه أيضا ( صانع أسطورة ) تساوي أي مادة تقليدية قد يتمثلها ويستخدمها وسوف يضع أسطورة أخرى متماسكة فيها وطن وإحساس بالهوية الوطنية في الأعماق ، فهو يقول في قصيدة "بينما يبتسم بوذا" ص37
على ابتسامة بوذا هبطت ،
من بين شفتيه سلكت حكمته الهائمة
واريت خجلي بخشوعي
وأغلقت الأبواب على صرختي ،
كلما عانق مطر رائحة الفراشات ،
تسلق الزعفران جدراناً تتطاول .
ويقول أيضاً في قصيدة شروق أطول من التاريخ ص25
الصفحة بيضاء
القصيدة تتشكل
وأنت هنا محاط بألف بوذا
ينهمرن برهبانهم وترتيلهم
وبخورهم
تستنشق الأمم المستعادة
تتدفق المياه حولك.
كانت المجموعة السابقة للشاعر باسم فرات " أنا ثانية " بمثابة انعكاس لكم معرفي ومعلومة تاريخية غير محدودة لا سيما ما يخص العراق. العباس كان مثار أعجاب وقد وظف تفاصيل بغداد بني العباس وغيرها على وجه فاتن لسفينة شعر لم تألف المرسى بعد و "بغداد ثانية" خير شاهد على ذلك ، وباسم فرات جرة تنهل الشعر من النهر الاسمى العراقي ما دام قريباً من السور عندما رست سفينته وكان قد بلغ النهر .
للمدينة أثر بالغ الأهمية في نفس الشاعر فهي من تبهره وتزرع في وجدانه بذرة الإعجاب والمتابعة والتقصي والكشف عن أبجديات الأسطورة والفولكلور ومن ساهم في رسم المعلم العمراني لها ، فقد أفرط في مجموعته بلوغ النهر في تناول هذه التفاصيل حتى تكاد لا تخلو قصيدة تقريبا من ذلك ولكن على أوجها وفي منتهى الذروة قصيدة "هيروشيما ومدن أخرى " ص53 فقد القصيدة ، فهو يقول :
مدنُ
التيه والدهشة
يوشي باعتها وحواتُها
بجمال المطر.
ويضيف الشاعر بجمال أبهى
مدنٌ
تغسل فضائحها الخجولة
بالمحبة
وتنشرها فوق خدود جبالها .
التكيف الشعري والانزياح البالغ رافق القصيدة فقد انصهر الشاعر مع تفاصيلها
أيمَّا انصهار فيقول أيضاً :
مدن تلقفتني كالمحطات
علي أن أترجل
من كل محطة
أغرق البحر انحناء لبهاء أمكنة
يستوقفني أمام مرآب السيارات
فاهمهم : انها فطنة الإنسان مع الحاجة
تمضي المدن الآسيوية تشرب باسم فرات شعراً وإعجابا حتى يصل فنون بنه عاصمة لون نول والاسم القديم فمارة كمبوديا الأولى فيستذكر المدارس المستباحة في ستينيات القرن الماضي بوفاء شاعر بالغ الحنين بلاده العالم وكل مدائن الأرض فهو يقول في ص71 :
بقع الدماء جفت منذ سنين
ومازال صراخ الضحايا يملأ الحجرات
وعلى جوانبها القيود الصدئة ,
أخضرت الحرية
التلاميذ اقتيدوا وبعيداً عن الدرس
والمعلمون إلى مقبرة جماعية .
يقتنص الشاعر باسم فرات لحظة زمنية ليذوِّب هواجسه الشعرية في عذوبة فتاة , فاللغة الشعرية التي استهل بها القصيدة تكشف عن علاقة حميمية بفاعلية المكان ووظيفة الأسطورة المؤثرة في وعي الشاعر, والمكان وجهان لوجود مادي ومعنوي فيقول في قصيدة "مطرٌ في قبضتك" ص93 .
وضعت بابتسامتك في فم الرائي الحكيم
فصارت قنديلاً يضيء غياب الفراشات
أنفاسك التي طالما قادتني إلى القصيدة
رأيتها مرهقة وهي تنزع عنها الموسيقى
وتوزع زهوراً على المصلين .
لقد ذابت في أتون القصيدة عناصر اللغة والمعنى والصورة التعبيرية في إيحاءات منبثقة عن صدق مترجم على مساحة الوجدان الفراتي فهو عذب الهوى فيقول أيضاً :
كنتِ معي
تتجولين على مساحة قلب وقصيدة
أبحت لنفسك ما لم تبحه اللغة للشاعر
رأيتك تقطرين الفرات في مخيلة ميكون
وتحت ظلالك يمتد الليطاني
ينحت الشاعر باسم فرات تجربته الشعرية بدراية وإصرار ووعي يزدان بمواكبتهِ للتجارب الشعرية لأصدقائه في بلدهِ العراق وبتواصله الشعري الدائم ضمن المشهد الشعري الحديث .
جريدة طريق الشعب العراقية .. الصفحة السادسة
الثلاثاء 4 كانون الأول 2012
http://media.iraqicp.com/2010-12-17-07-29-32/525----79--4---2012.html
باسم فرات شاعر عراقي صدرت له مجموعة شعرية جديدة بعنوان "بلوغ النهر" عام 2012 عن دار الحضارة للنشر في القاهرة وقبل ذلك أصدر مجاميع شعرية عدة لم احصل منها سوى على "أنا ثانية" والتي صدرت عام 2006، والمجموعة الأخيرة التي أنا بصددها الآن "بلوغ النهر" والتي تتكون من أكثر من ثلاثين قصيدة منها القصيدة الطويلة والقصيدة القصيرة ، كل القصائد الفراتية تستند الى فن جمالي شخصي لتوظيف الأسطورة والتوسع الخيالي في بناء شعرية باسم فرات التي فجرتها الغربة والإعجاب الكبير بالمدن التي أقام فيها زاخرة بالمعابد والأساطير المستوحاة من الماضي البعيد وأمجاد القادة ، إذاً هناك احتمالات تبرز هنا منها أن الطاقة الإبداعية للشاعر فرات بوصفه أيضا ( صانع أسطورة ) تساوي أي مادة تقليدية قد يتمثلها ويستخدمها وسوف يضع أسطورة أخرى متماسكة فيها وطن وإحساس بالهوية الوطنية في الأعماق ، فهو يقول في قصيدة "بينما يبتسم بوذا" ص37
على ابتسامة بوذا هبطت ،
من بين شفتيه سلكت حكمته الهائمة
واريت خجلي بخشوعي
وأغلقت الأبواب على صرختي ،
كلما عانق مطر رائحة الفراشات ،
تسلق الزعفران جدراناً تتطاول .
ويقول أيضاً في قصيدة شروق أطول من التاريخ ص25
الصفحة بيضاء
القصيدة تتشكل
وأنت هنا محاط بألف بوذا
ينهمرن برهبانهم وترتيلهم
وبخورهم
تستنشق الأمم المستعادة
تتدفق المياه حولك.
كانت المجموعة السابقة للشاعر باسم فرات " أنا ثانية " بمثابة انعكاس لكم معرفي ومعلومة تاريخية غير محدودة لا سيما ما يخص العراق. العباس كان مثار أعجاب وقد وظف تفاصيل بغداد بني العباس وغيرها على وجه فاتن لسفينة شعر لم تألف المرسى بعد و "بغداد ثانية" خير شاهد على ذلك ، وباسم فرات جرة تنهل الشعر من النهر الاسمى العراقي ما دام قريباً من السور عندما رست سفينته وكان قد بلغ النهر .
للمدينة أثر بالغ الأهمية في نفس الشاعر فهي من تبهره وتزرع في وجدانه بذرة الإعجاب والمتابعة والتقصي والكشف عن أبجديات الأسطورة والفولكلور ومن ساهم في رسم المعلم العمراني لها ، فقد أفرط في مجموعته بلوغ النهر في تناول هذه التفاصيل حتى تكاد لا تخلو قصيدة تقريبا من ذلك ولكن على أوجها وفي منتهى الذروة قصيدة "هيروشيما ومدن أخرى " ص53 فقد القصيدة ، فهو يقول :
مدنُ
التيه والدهشة
يوشي باعتها وحواتُها
بجمال المطر.
ويضيف الشاعر بجمال أبهى
مدنٌ
تغسل فضائحها الخجولة
بالمحبة
وتنشرها فوق خدود جبالها .
التكيف الشعري والانزياح البالغ رافق القصيدة فقد انصهر الشاعر مع تفاصيلها
أيمَّا انصهار فيقول أيضاً :
مدن تلقفتني كالمحطات
علي أن أترجل
من كل محطة
أغرق البحر انحناء لبهاء أمكنة
يستوقفني أمام مرآب السيارات
فاهمهم : انها فطنة الإنسان مع الحاجة
تمضي المدن الآسيوية تشرب باسم فرات شعراً وإعجابا حتى يصل فنون بنه عاصمة لون نول والاسم القديم فمارة كمبوديا الأولى فيستذكر المدارس المستباحة في ستينيات القرن الماضي بوفاء شاعر بالغ الحنين بلاده العالم وكل مدائن الأرض فهو يقول في ص71 :
بقع الدماء جفت منذ سنين
ومازال صراخ الضحايا يملأ الحجرات
وعلى جوانبها القيود الصدئة ,
أخضرت الحرية
التلاميذ اقتيدوا وبعيداً عن الدرس
والمعلمون إلى مقبرة جماعية .
يقتنص الشاعر باسم فرات لحظة زمنية ليذوِّب هواجسه الشعرية في عذوبة فتاة , فاللغة الشعرية التي استهل بها القصيدة تكشف عن علاقة حميمية بفاعلية المكان ووظيفة الأسطورة المؤثرة في وعي الشاعر, والمكان وجهان لوجود مادي ومعنوي فيقول في قصيدة "مطرٌ في قبضتك" ص93 .
وضعت بابتسامتك في فم الرائي الحكيم
فصارت قنديلاً يضيء غياب الفراشات
أنفاسك التي طالما قادتني إلى القصيدة
رأيتها مرهقة وهي تنزع عنها الموسيقى
وتوزع زهوراً على المصلين .
لقد ذابت في أتون القصيدة عناصر اللغة والمعنى والصورة التعبيرية في إيحاءات منبثقة عن صدق مترجم على مساحة الوجدان الفراتي فهو عذب الهوى فيقول أيضاً :
كنتِ معي
تتجولين على مساحة قلب وقصيدة
أبحت لنفسك ما لم تبحه اللغة للشاعر
رأيتك تقطرين الفرات في مخيلة ميكون
وتحت ظلالك يمتد الليطاني
ينحت الشاعر باسم فرات تجربته الشعرية بدراية وإصرار ووعي يزدان بمواكبتهِ للتجارب الشعرية لأصدقائه في بلدهِ العراق وبتواصله الشعري الدائم ضمن المشهد الشعري الحديث .
جريدة طريق الشعب العراقية .. الصفحة السادسة
الثلاثاء 4 كانون الأول 2012
http://media.iraqicp.com/2010-12-17-07-29-32/525----79--4---2012.html