انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    علي تاج الدين: الأسلوبية بوصفها أداة مطّاطة للنص

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

     علي تاج الدين: الأسلوبية بوصفها أداة مطّاطة للنص Empty علي تاج الدين: الأسلوبية بوصفها أداة مطّاطة للنص

    مُساهمة  Admin الأربعاء مايو 15, 2013 11:44 pm


    إنّ الأسلوبية تنحت النص بأكثر من أداة ومن أكثر من زاوية وتتكاتف بها المعيارية والوصفية بالنظر إلى درجة الصفر مرة وإلى المتغيرات مرة وإلى الصدمة مرة ثالثة (ولو أن الأخيرة لا نعتمدها هنا) كل هذا وغيره يجعل الأسلوبية تطرق النص لتسّاقطَ منه الدلالات مهما كان هذا النص قصيرًا فانّ الأسلوبية ستكشف الخطاب المضمر فيه نوعًا ما، بفضل تمطية النص بأكثر من اتجاه وعلى أكثر من محور(دلالي،تركيبي،صوتي). " إنّ أهم ما يميز الخطاب الأدبي هو زئبقيّته الدائمة ،من حيث هو مجرة من المدلولات السابحة في فضاء دلالي مكثف بالإيحاءات والإيماءات فهو ليس مجرّد بناء هرميّ أو قوالب لغوية فحسب ، بل هو دلالات وانزياحات عن المعاني الظاهرة والمألوفة لا يمكن حصر ناتجها الدلالي في زاوية معينة." وجورج مولينيه يرى أنّ الخطاب الأدبي هو مادة الأسلوبية وهدفها فالأسلوبية عنده تحليل لخطاب من نوع ما ، لكن لا بد لهذا الخطاب من المنظور الأسلوبي أن يكون محددا في حدود دنيا (البيت الشعري الواحد)أو ضمن حدود قصوى كعمل أو أعمال أديب معيّن أو الأعمال الأدبية الخاصة بفنّ أدبي معيّن ، والمشكلة أن الحدود الدنيا لا تكشف (دائما) الخطاب الأدبي بمجمله إلا ما ندر من الأبيات التي تكون العصارة الفكرية للمؤلف فلو أخذنا ثلاث مرسلات بصورة اعتباطيّة للشاعر باسم فرات - مثلاً- من مجموعته الأخيرة (بلوغ النهر) سنقف على شيء من خطابه في محاولة إجرائية لدعم رأينا : " هي مدنٌ تعبرُنا ونعبرُها لتتركَ وشمَها فينا " نراه يبدأ نصّه بالضمير(هي) الذي أظهره ولم يحذفه لا لغرض الإطناب والحشو الزائد بل لتوكيد أثر هذه المدن في نفس الشاعر وثقافته،ولفظة (مدن) دون غيرها من الألفاظ كـ (بلدات ٍ،أو أرياف ٍ،أو قرى) ليس لحقيقة أنه يتنقل بين مدن عصرية بل لتوكيد أن هذه المدن ما تنقصه نفسيًّا وما تنقص بلده (العراق) بعد عام 2003م حيث انتشرت ظاهرة ترييف المدن العراقية. بعدها انتقل إلى الشعر الحقيقي حين قال: (تعبرنا)، مؤنسنًا تلك المدن حاصرًا لفظة العبور التي تأتي متلازمة مع الشوارع في المدن عاكسا ً عملية العبور بالتعاقب بينه وبين المدن دلالة ديمومة هجرته بين المدن الغريبة مدى عمره. وفي المرسلة الثالثة تتوهّج الحُلّة الشعرية مرّة أخرى بعد اضمحلالها في لفظة (نعبرها) تعود حين تترك المدن العلامة الانفعالية في نفسية الشاعر ووجدانه وهذا دليل حب الشاعر للسفر ودأبه المستمر على الترحال بين المدن الكبيرة والصغيرة، كما نلاحظ أنه استعمل الضمير (نا) بدلاً عن ضمير المتكلم لحاجته إلى الجماعة التي دائمًا ما يفتقدها. ويقدم الشاعر الضمير (هي) على (المدن) كي لا يبالغ بالتوكيد وهذا ما يجعلها أكثر منطقية وأقلّ شعرية. المرسلة الأولى اسمية لا تتعدى الإخبار. لكن الشعرية تتعالى شيئا ًفشيئا ًفي المرسلتين الثانية والثالثة الفعليتين حيث إن الجمل الفعلية تحوي على طاقة وحيوية وتوتر وانفعال وقدرة على الرسم الصوري أكثر من الجمل الاسمية (نسبيًّا). في المرسلة الثانية المتكوّنة من فعلين (تعبرنا ونعبرها) نراه يقدّم الفعل (تعبرنا) على (نعبرها) لإحساسه اللاواعي بروح الشعر. أمّا في المرسلة الثالثة فإنّه تعمّد أنْ يبدأها بالفعل (تترك) لتوكيد ديمومة السفر وتلازمه مع الأثر(الوشم)، هذه الثنائية الجدليّة (الترك/العلامة) التي يضج بها الشاعر تعبّر عن انكساراته المتعاقبة. ويُلاحظ في النصّ تكرار حرف النون أربع مرّات مع وجود التنوين الذي يعتبر صوتًا مضافًا لها، وهذا يدلّ على فقدان (الأنا) عند الشاعر – باعتبار أن (النون) متضمّنة في أغلب ضمائر المتكلم (أنا – نحن – نا) هذه الأنا النفسية والثقافية وضياعها بين الأنوات المجهولة. وبهذا فقد تراءى لنا الخطاب نوعًا ما (من حب للسفر والتمسك بالمدنية والعوز للجماعة ألخ) ولا نستطيع أن نستشف خطابه على العموم إلا من خلال أعماله ككلّ أو أحد أعماله كحدّ أدنى، لكن مع ذلك يبقى الدال يراوغ المتلقّي ويهرب متقدّمًا صوب المرمى مخلّفًا مدلولات يظل المتلقي يلتقطها محاولاً الوصول للخطاب الكلّي.

    * شاعر واكاديمي ـ جامعة بابل
    جريدة النهار العراقية العدد 639 الصفحة السابعة، الأربعاء 15 آيار 2013

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 5:24 pm