انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الشعراء الجدد .. تجديد ومغامرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    الشعراء الجدد .. تجديد ومغامرة Empty الشعراء الجدد .. تجديد ومغامرة

    مُساهمة  Admin الإثنين أكتوبر 10, 2016 6:16 am


    نشرت جريدة العرب الغراء مقالاً للأستاذ حسونة المصباحي، تحت عنوان "الشعراء الجدد" وكان هجومًا كاسحًا على الجيل الشعري الجديد، بتهم شتى، قاسية إلى درجة الإلغاء والإقصاء لهؤلاء، والذين لا نعلم هل المقصود في مقاله شعراء تونس، وفيهم مواهب طيبة وثرية، أم شعراء اللغة العربية الجدد قاطبة، والذين يملك بعضهم مواهب خلاقة وثقافة تراثية جيدة ويجيد لغة أجنبية ليزيد ثقافته الشعرية.
    حسنًا فعل المحرر الثقافي في العرب أن أبدى حيادية مشوبة بتعاطف مع "الشعراء الجدد" وجعل باب الردّ مفتوحًا، ولأني أستطيع الزعم بأنني من المتابعين للحركة الشعرية بشكل جيد، فقد لمست مواهب تستحق الدفاع عنها، فكان ردّي في هذه السطور.
    الكتابة في المجالات كافة متاحة للجميع، وهو حقّ من حقوق الإنسان، ما دام الذي يمارس هواية الكتابة، لا يلغي الآخرين، ولا يواصل الغرور والعنجهية والأوهام، واضعًا مرآة (نرسيس) التي تمنعه أن يرى سواه، وتُزَيّن له أوهامه بأنها حقيقة، وحماقاته بأنها تصدر عن موهبة فذّة يحاربها المجتمع، ويتذمر من أعداء النجاح الموهومين إلاّ في مُخيلته المريضة.
    الكتابة حقّ مكفول في أي نوع من أنواعها، لا سيما الإبداع، على شرط أن لا يتسبب بخلق أوهام وأكاذيب وإساءات لحقائق التاريخ وعقائد الناس وكرامة الإنسان وإلغاء الآخر عبر تمجيد الذات والطائفة والقومية والإثنية والمناطقية، متخذًا من الإبداع شعرًا أو سردًا أو فنونًا أخرى، مجالاً حيويًّا له وتحت يافطتين، الأولى حرية التعبير والإبداع والثانية الدفاع عن حقوق مهضومة للفئة التي ينتمي لها الكاتب.
    إيماننا بحرية الرأي والتعبير يتكسر ويتراجع، بل يتحول إلى مجرّد شعارات فارغة، حين نتحول إلى أوصياء على الناس، فنطرد هذا من جنة الكتابة، ونتهم ذاك بأنه طفيلي على هذه الجنة وأهلها؛ الكتابات الهزيلة الردّ عليها يتجلى بتجاهلها لا أكثر، ووضع الكتابات الجيدة الرصينة في ميزان النقد لبيان قيمتها والإشارة إلى نقاط ضعفها، ما يلفت الأنظار إليها، ومنح فرصة لمبدعيها أن يتجاوزوا نقاط ضعفهم.
    يُنظر إلى اللغة العربية بوصفها لغة شعر وإبداع، مثلما يُوصف الناطقون بها بأنهم من "أمّة شاعرة" هذه اللغة كثيرًا ما اقترنت بها جملة تتردّد على ألسنة النُّخَب "يكاد يكون كل عربي قال أو كتب شعرًا في مرحلة من مراحل حياته، مرة على الأقل" لكن وجود هذا العدد الهائل ممن حاول كتابة الشعر، لفظ الزمن ما حاولوه وأبقى لنا التجارب الجديدة بالبقاء.
    كان العرب قبل الإسلام وربما حتى العصر الأموي، يقولون الشعر سليقة، لكن التاريخ لم يذكر لنا سوى مئة وعشرين شاعرًا برزوا قبل الإسلام ولا أظن أن الذين برزوا على امتداد المئة الأولى من عمر الإسلام بأكثر من هذا العدد إن لم يكن أقلّ، لكن الذي علق في الذاكرة الجمعية أقلّ بكثير، حتى أن قرّاء التراث ممن ليسوا ذوي تخصص يجدون صعوبة في الحديث عن خمسين شاعرًا.
    كان العصر العباسي طويلاً ومعقدًا مما أسفر عن آلاف الشعراء، وأتذكر حين قلت لصديق متخصص بالتراث عن مجموعة سكانية مجاورة ومحايثة للعرب، (بأن عدد الشعراء والأدباء عندهم ممن ماتوا قبل الاحتلال الأمريكي للعراق (2003م.) دون المئتين كثيرًا)، عَلّقَ بقوله"إن هذا العدد تجد في العصر العباسي كل عقد أو عدة عقود من السنين"، ذكرت ذلك للدلالة على ما خلّفه لنا العصر العباسي، لكننا لو تحدثنا فلن يبرز في حديثنا سوى قّلة، ممن ولدوا ما بين نهاية المئة الهجرية الأولى وبداية المئة الهجرية السابعة.
    إذا كان الروّاد أجادوا لغة أخرى وترجموا منها أو قرأوا بها، فهذا كلام تعميميّ، لأن بعض الرواد لم يجيدوا لغة أخرى تمكنهم من القراءة فيها والترجمة عنها، وثمة أجيال جاءت بعد الرواد أبدعوا لنا طرائق جديدة بالشعر وكانوا ممن لا يجيد لغة أخرى بل ولم يحرز تعليمًا جيدًا، ومثال هؤلاء عقيل علي (توفي 2005) وكمال سبتي (2006م.) وإذا كان كمال سبتي متبحرًا بالتراث، متمكنًا من اللغة ونحوها حدّ أن قيل عنه بأنه "حنبلي في النحو".
    فإن الشاعر عقيل علي وهو الخباز، كثيرًا ما أشيع عن جهله بضبط مخارج الحروف، ولحنه المتكرر في أثناء القراءة (إن صحّت الإشاعة). لكنه يبقى في مجموعتيه "طائر آخر يتوارى" و "جنائن آدم" من المجاميع الشعرية المميزة في مسيرة قصيدة النثر العربية.
    لا جناح على أن نقترف كتابة الشعر والرواية والإبداع بعامة، فالزمن كفيل بالغربلة، والمثقف الحقيقي قدرته على التمييز واضحة ولا شكّ فيها، لكن الخطورة تكمن في تحويل الكتابة إلى أدلجة يراد بها نشر الكراهية والعنف وتمجيد الهوية الضيقة.

    صحيفة العرب اللندنية
    [نُشر في 2016/10/09، العدد: 10419، ص(12)]
    http://www.alarab.co.uk/article/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/91798/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%AF-%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D9%85%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9


      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 01, 2024 7:46 pm