انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    صباح خطاب، الجغرافيا أو كيف نحبو إلى الشيخوخة، باسم فرات في آوتاروّا

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    صباح خطاب، الجغرافيا أو كيف نحبو إلى الشيخوخة، باسم فرات في آوتاروّا Empty صباح خطاب، الجغرافيا أو كيف نحبو إلى الشيخوخة، باسم فرات في آوتاروّا

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 27, 2021 7:03 am

    الجـغـرافـيا أو كيـف نـحـبـو إلـى الشـيـخـوخـة
    باسـم فـرات في آوتاروّا

    صباح خطاب


    الجغرافيا دليل لا يقبل التأويل على نمو الإنسان وبلوغه ، هذه واحدة من الافكار التي كانت تأتيني في اول مراهقتي من حيث لا أدري دائمًا ، لكنها الفكرة الوحيدة التي لعبت في رأسي كثيرًا وانزرعت في قلبي .. كنت قبالة النهر أتأمل مجاميع طيور مهاجرة إلى أو عائدة من بقاع لا أعرفها ، في انتظار أصدقاء لم يعد أحدهم حيـًّا الآن ، واعتقدت أني سأنسى الفكرة بعد سباحتنا في النهر ولهونا وعودتنا إلى أهالينا قبل غروب الشمس ، لكنها عاشت معي ، وكل عام يضيف برهانًا جديدًا على صحتها ! فجغرافية المولود الجديد حضن أمه وكلما نما قليلا توسعت جغرافيته لينحدر من سريره إلى أرض الغرفة ثم المطبخ فالبيت كله ، ومن باحة المنزل الى الشارع فالمحلة ومن هناك الى محلات اخرى ، فالمدينة والبلد كله ومن هناك الى بلدان لم يسمع بها من قبل ، واكثرنا نضجا ، لا بد ان يسبح في الفضاء مع رواده البواسل ..ولن أتحدث عن مثال نجيب محفوظ الذي لم يغادر القاهرة وأبدع ما أبدع ، لأن هناك من تنحدر الجغرافيا مع جيناته ، وهذا استثناء نادر على أية حال ..هكذا إذن نحبو إلى شيخوختنا ..
    ومن محاسن الصدف أن ألتقي ( باسم فرات ) على حافة العالم الجنوبية ، نيوزيلندا ، ولم تكن مفارقة أن نضيف بعض يوم على أعمارنا مقارنة بما ستكون عليه في العراق مثلا ، وان نستقبل شروق الشمس والاحتفال بالأعوام الجديدة قبل الآخرين ، وكان علينا ، نحن العراقيين خصوصا ، أن نقتنع بأن تموز وآب من أبرد شهور السنة ، كما كان علينا أن نقتنع بأن الجنوب بارد جدا والثلوج تغطي مساحته طوال السنة ، والشمال حار .. وكنا كلما تحدثنا إلى أصدقائنا في بقاع العالم تلفونيا ، اختلطت علينا الافكار وتشابكت الاحاسيس وغدا من الصعوبة فهم أحدنا الآخر ، فعندما تتدفق كلماتنا المزهوة بالربيع ، ستحبطها سلبية أصدقائنا على الطرف الآخر بكلمات خريفية تتساقط من شجرة الأيام !
    ومنذ اللقاء الأول في ( ويلنغتون ) العاصمة غدونا صديقين نلتقي مرات في الاسبوع ونهاتف أحدنا الآخر مرات اخرى وكنت بأمس الحاجة لصديق مثل باسم بحيويته وحبه للبحث والاستكشاف ، كان يقيم علاقات سريعة مع عراقيين وعرب وأجانب ، وعندما أتينا على ذخيرتنا من الكتب ، شمر باسم عن ساعده وابتدأ رحلة البحث عن الكتب التي في جعبة الغرباء ، وكلما سافر احد معارفه الى بلد عربي طلب منه أن يحمل في حقيبته ما يقدر ، وكنا نقرأ ونتبادل الآراء حول ما نقرأ ، وسرعان ما دخل الى حياة المدينة الثقافية ونشاطاتها وعرف شاعرا هناك منذ السنة الأولى .. ولا ننسى الاشادة بمساهمته في اغناء مجلة ( جسور ) التي كانت تصدر في سدني ، استراليا باللغتين العربية والانكليزية .. وجاء ارتباطه النهائي بالبلد الجديد بعد زواجه من ( جنيت ) والتي أهدى كتابه هذا إليها ..
    كتب ( باسم ) الكثير من قصائده بوحي من المكان الذي وجد نفسه فيه ، وقد دخلت الكثير من أساطير الموريين فيها مع أسماء مدن وطيور وآلهة ، كما دخلت أساطير الأقوام الاخرى التي أقام بينها في آسيا وامريكا الجنوبية .. لن يضيع شئ من يد باسم : الاساطير الى القصيدة ، والمدن والطبيعة الى كتاب الرحلات والذكريات ..وكانت الايام والتواريخ تنطبع في ذاكرته بدقة كبيرة ، فاذا ما سألته عن حدث ما ، سيقول لك مثلا : قبل ثلاث سنين واربعة أشهر ويومين ، وعن بقائه في بلد ما سيفاجئك : خمسة أعوام وتسعة أشهر وخمسة وعشرون يوما … الخ ، تنتفي الحاجة الى تقويم مع باسم !
    كتب باسم عن اقامته ورحلاته القصيرة والطويلة في آسيا ، كما كتب عن اقامته ورحلاته في امريكا الجنوبية ، وسيكتب في يوم قادم عن أفريقيا ..وطال انتظاري لكتاب له عن البلد الجميل ( نيوزيلندا ) أو ( اتاروا ) بلغة الموريين ، وكنت على يقين من ان باسما سيكتبه في يوم ما ، ولم يخب ظني ، فالكتاب عاش في ذاكرته طوال الأعوام السابقة يعدّل وينقح فيه شفويا ، الى ان حان وقت كتابته ، والتي لم تستغرق منه الا زمنا قصيرا حسب ما جاء في مقدمته للكتاب .
    الكتاب كما هو واضح للقارئ ليس كتاب رحلات فقط ولا كتاب ذكريات فقط ولا كتابا ادبيا ، بل هو يجمع كل
    هذا ، اضافة الى آراء ومواقف له في الحياة والثقافة .. ويحدثنا فيه عن اول دخوله للبلد قادما من عمان ، وعن العراقيين الذين رافقوه في رحلته ، ويحدثنا عن ايامه الاولى في ( ويلنغتون ) العاصمة ، عن اللغة الانكليزية وتعلمها والبحث في المدينة عن فرص أفضل للعيش ، عن العمل وعن المجتمع العراقي اللاجئ هناك ، وقد نتفق معه في رأيه او لا نتفق ..وكان عليه ان يمضي بضع سنوات في ( ويلنغتون ) قبل ان تبدأ رحلاته في الجزيرتين الساحرتين ، الشمالية والجنوبية ، وقد يكون بالفعل ، كما كتب ، أول عراقي يصل الى تلك الأصقاع الواقعة في جنوب الجنوب ..والفقرات التي كتبها عن رحلاته وتوغله في طبيعة نيوزلندا ومدنها الجنوبية ، من الفقرات الجميلة والتي تشد القارئ وتلتصق بذاكرته لزمن طويل ..


    وكعادته في كل كتاباته النثرية ، لم يخل ُ هذا الكتاب من الاشارة الى تأريخ العراق الحديث والأقدم وآرائه في هذا التأريخ والأقوام التي سكنت العراق وكيف تكوّن العراق وجغرافيته التي تمتد الى آلاف السنين .. وكانت العمله العراقية من عشرينات القرن الماضي والتي رآها في متحف صغير في جنوب نيوزيلندا وعليها صورة الملك فيصل الأول ، ولم يرها من قبل لا في العراق ولا في غيره ، بمثابة دعوة رمزية للالتفات الى ذلك التاريخ واستكشاف كنوزه من بين طبقات الظلام المتكدسة حولها ، حتى لم تعد الأجيال الأحدث ترى من تأريخنا غير هذا الظلام ..
    باسم فرات الشاعر والفوتغرافي المحترف ، يكتب لل ( قارئ ) بمعناه الكبير ، لا للشاعر ولا للفلاح ، لا للصحفي ولا للطالب … هو يكتب لكل هؤلاء بأسلوب تأخذك سلاسته وستلتصق الكثير من صفحاته في الذاكرة زمنًا طويلاً بالتأكيد ..

    شاعر عراقي مقيم أستراليا
    صحيفة العرب
    25 أيار "مايو" 2017
    https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%88-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%86%D8%AD%D8%A8%D9%88-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE%D9%88%D8%AE%D8%A9




      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:13 am