هذه محاورة مدهشة بين شاعريين عراقيين لهما صوتهما المتميز في الساحة الشعرية العراقية والعربية.
العراق الذي ما زال ينزف بعيداً عنهما، الغربة التي تعتاش من روحيهما، وفقدان أسد آشور الشعري (سركون بولص) .
قد تبدو أن شعلة الحزن لفقدان شاعر عراقي مهم كسركون بولص، قد أشعلت شرارة التدفق في الحوار حتى أننا نغتني من قراءة مثل هذه المحاورة التي نادراً ما تحدث بين مثقفينا الحاليين.
وما بين استذكار لسركون ونقد للواقع الثقافي المعيش، الذي يحتفي بالخلاّقين بعد فوات الأوان، نستشف الكثير الكثير من تدفق الآراء والأفكار في اللغة، التاريخ، الحقائق على الارض والشعر الذي هو محور حياة المبدعين المتحاورين والشاعر الراحل سركون بولص.
إن الشاعر باسم فرات في هذا اللقاء يعلمنا جميعاً دروساً في الثقافة والبحث العلمي الرصين وحب العراق...فهو لا يكتفي بأنه شاعر مجدد وله صوت متميز في المشهد الشعري العراقي والعربي الحالي، لكنه أيضاً قارئ نهمٌ لتاريخ بلده وكل القوميات التي سكنته وتسكنه ولغاتها وحافظٌ لجغرافية العراق الذي يسري حبه في دمه....رغم بعده الذي طال لسنوات.
في واحد من احتجاجاته الكثيرة التي يرتبها على شكل سيرة من الاحتجاجات المتتالية، نقرأ إن باسم فرات يحتج على الجهل فيقرر أن يقرأ تاريخ العراق بالكامل، كان ذلك في عام 1998.
إنه ليس قارئاً عادياً للكتب التي يحصل عليها بشق الأنفس، إنما يفحّص ويمحّص ويستخلص الآراء والحقائق التي تعينه على فهم أفضل للغة التي يكتب ويبدع فيها ولفهم أفضل للجمهور الذي يتوجه اليه بنصوصه وقصائده.
أعترف إن باسم حفز فيّ، من خلال قراءتي لهذا الحوار الممتع له مع الشاعر المبدع وديع شامخ، إعادة قراءة سركون بولص مرة أخرى بعيداً عن الضجة التي أثارها موته.
كما حفز فيَّ ضرورة قراءة تاريخ العراق بجدية وعمق.
إنه يكشف لنا شخصية سركون الإنسانية البسيطة والبعيدة عن المهاترات الثقافية التي تجري الان.
فسركون مبدع كبير لكنه لا يستكين لمجده الإبداعي الذي خلقه بتؤدة وأناة، بل يتواصل مع باسم الذي يصغره بربع قرن ويعجب بشعره ولا يجد حرجاً في الافصاح عن ذلك ويكتب له كلمة الغلاف لديوانه (أنا ثانيةً)، وهذا درس آخر لكل مبدعينا الكبار.
يقترح علينا الشاعر باسم فرات مصطلح (القصيدة الشَرَكَية) وأوافقه الرأي تماماً، فللوهلة الاولى تبدو القصيدة الحديثة مثل كلمات غير مترابطة منسوجة بشكل ساذج لكنه فخ للقارئ وللشاعر الذي يريد خوض هذا الغمار.
باسم فرات يفصح عن إنسانية كبيرة من خلال رفضه التحدث بلسان سركون والإشادة بتجربته الشعرية لكنه ينقل عن سركون إشادته بتجارب الآخرين (الشاعرين عبد العظيم فنجان وزعيم النصار).
أسجل إعجابي الكبير بالشاعر وديع شامخ لمهارة سنارة أسئلته في تحفيز واصطياد ذكريات باسم عن سركون وآراء فرات الخلاّقة والعلمية والغنية بتاريخ العراق.
في هذا الإنسياب الجميل من الأفكار والذكريات نتلمس روح الطفولة لدى الشعراء الحقيقيين والتي لاتنطفئ بتقدم العمر، وأعتقد أن هذه الروح هي التي تضفي الدهشة على الشعر وتغطي ببهاء الألق قصائد باسم وسركون رغم اختلاف الأسلوبين.
نتعلم أيضاً من هذه المحاورة الشيقة بأن الشعر درب شاق من المعرفة والوعي والتأمل وتجارب لا نهائية، إنه سلسلة طويلة من المجاهدات حسب التعبير الصوفي، وهو ليس نزقاً سطحياً يكتبه الشاعر سريعاً ويمضي أو هو رد فعل آني على أحداث ذاتية يدونها الشاعر سريعاً أيضاً.
باسم فرات يعلمنا دورساً كثيرة في التاريخ وتاريخ اللغات المحلية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب، وهو يقول بمعنى آخر إن من يحب وطنه عليه أن يكون ملماً بتاريخه وأحداثه وعارفاً للغة وأصلها وتطورها ومنجزها، ودور أهل بلده في هذا التطوروالمنجز.
ينبهنا باسم فرات أيضاً الى حقيقة غائبة عنا جميعاً، وهي أن للجماعات الأدبية (مثل جماعة كركوك) في تاريخنا الحديث دوراً وطنياً كبيراً قد يفوق دور الاحزاب السياسية وهذه دعوة للسياسيين وللمؤرخين والمعنيين بالاحاطة بهذا الدور الوطني الذي بلورته مثل هذه التجمعات.
تحية لروح الشاعر سركون بولص
تحية للشاعر باسم فرات
وتحية للشاعر وديع شامخ
وكل للتحايا للعراق الكبير بابنائه وتاريخه.
العراق الذي ما زال ينزف بعيداً عنهما، الغربة التي تعتاش من روحيهما، وفقدان أسد آشور الشعري (سركون بولص) .
قد تبدو أن شعلة الحزن لفقدان شاعر عراقي مهم كسركون بولص، قد أشعلت شرارة التدفق في الحوار حتى أننا نغتني من قراءة مثل هذه المحاورة التي نادراً ما تحدث بين مثقفينا الحاليين.
وما بين استذكار لسركون ونقد للواقع الثقافي المعيش، الذي يحتفي بالخلاّقين بعد فوات الأوان، نستشف الكثير الكثير من تدفق الآراء والأفكار في اللغة، التاريخ، الحقائق على الارض والشعر الذي هو محور حياة المبدعين المتحاورين والشاعر الراحل سركون بولص.
إن الشاعر باسم فرات في هذا اللقاء يعلمنا جميعاً دروساً في الثقافة والبحث العلمي الرصين وحب العراق...فهو لا يكتفي بأنه شاعر مجدد وله صوت متميز في المشهد الشعري العراقي والعربي الحالي، لكنه أيضاً قارئ نهمٌ لتاريخ بلده وكل القوميات التي سكنته وتسكنه ولغاتها وحافظٌ لجغرافية العراق الذي يسري حبه في دمه....رغم بعده الذي طال لسنوات.
في واحد من احتجاجاته الكثيرة التي يرتبها على شكل سيرة من الاحتجاجات المتتالية، نقرأ إن باسم فرات يحتج على الجهل فيقرر أن يقرأ تاريخ العراق بالكامل، كان ذلك في عام 1998.
إنه ليس قارئاً عادياً للكتب التي يحصل عليها بشق الأنفس، إنما يفحّص ويمحّص ويستخلص الآراء والحقائق التي تعينه على فهم أفضل للغة التي يكتب ويبدع فيها ولفهم أفضل للجمهور الذي يتوجه اليه بنصوصه وقصائده.
أعترف إن باسم حفز فيّ، من خلال قراءتي لهذا الحوار الممتع له مع الشاعر المبدع وديع شامخ، إعادة قراءة سركون بولص مرة أخرى بعيداً عن الضجة التي أثارها موته.
كما حفز فيَّ ضرورة قراءة تاريخ العراق بجدية وعمق.
إنه يكشف لنا شخصية سركون الإنسانية البسيطة والبعيدة عن المهاترات الثقافية التي تجري الان.
فسركون مبدع كبير لكنه لا يستكين لمجده الإبداعي الذي خلقه بتؤدة وأناة، بل يتواصل مع باسم الذي يصغره بربع قرن ويعجب بشعره ولا يجد حرجاً في الافصاح عن ذلك ويكتب له كلمة الغلاف لديوانه (أنا ثانيةً)، وهذا درس آخر لكل مبدعينا الكبار.
يقترح علينا الشاعر باسم فرات مصطلح (القصيدة الشَرَكَية) وأوافقه الرأي تماماً، فللوهلة الاولى تبدو القصيدة الحديثة مثل كلمات غير مترابطة منسوجة بشكل ساذج لكنه فخ للقارئ وللشاعر الذي يريد خوض هذا الغمار.
باسم فرات يفصح عن إنسانية كبيرة من خلال رفضه التحدث بلسان سركون والإشادة بتجربته الشعرية لكنه ينقل عن سركون إشادته بتجارب الآخرين (الشاعرين عبد العظيم فنجان وزعيم النصار).
أسجل إعجابي الكبير بالشاعر وديع شامخ لمهارة سنارة أسئلته في تحفيز واصطياد ذكريات باسم عن سركون وآراء فرات الخلاّقة والعلمية والغنية بتاريخ العراق.
في هذا الإنسياب الجميل من الأفكار والذكريات نتلمس روح الطفولة لدى الشعراء الحقيقيين والتي لاتنطفئ بتقدم العمر، وأعتقد أن هذه الروح هي التي تضفي الدهشة على الشعر وتغطي ببهاء الألق قصائد باسم وسركون رغم اختلاف الأسلوبين.
نتعلم أيضاً من هذه المحاورة الشيقة بأن الشعر درب شاق من المعرفة والوعي والتأمل وتجارب لا نهائية، إنه سلسلة طويلة من المجاهدات حسب التعبير الصوفي، وهو ليس نزقاً سطحياً يكتبه الشاعر سريعاً ويمضي أو هو رد فعل آني على أحداث ذاتية يدونها الشاعر سريعاً أيضاً.
باسم فرات يعلمنا دورساً كثيرة في التاريخ وتاريخ اللغات المحلية في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب، وهو يقول بمعنى آخر إن من يحب وطنه عليه أن يكون ملماً بتاريخه وأحداثه وعارفاً للغة وأصلها وتطورها ومنجزها، ودور أهل بلده في هذا التطوروالمنجز.
ينبهنا باسم فرات أيضاً الى حقيقة غائبة عنا جميعاً، وهي أن للجماعات الأدبية (مثل جماعة كركوك) في تاريخنا الحديث دوراً وطنياً كبيراً قد يفوق دور الاحزاب السياسية وهذه دعوة للسياسيين وللمؤرخين والمعنيين بالاحاطة بهذا الدور الوطني الذي بلورته مثل هذه التجمعات.
تحية لروح الشاعر سركون بولص
تحية للشاعر باسم فرات
وتحية للشاعر وديع شامخ
وكل للتحايا للعراق الكبير بابنائه وتاريخه.