انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حميد حداد: مآذن باسم فرات وخريفها

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    حميد حداد: مآذن باسم فرات وخريفها Empty حميد حداد: مآذن باسم فرات وخريفها

    مُساهمة  Admin الجمعة أكتوبر 22, 2010 4:14 am

    (خريف المآذن) مجموعة شعرية ثانية للشاعر باسم فرات صدرت عن دار أزمنة يكرس الشاعر من خلالها مشروعه الشعري الذي بدأه في مجموعته الأولى أشد الهديل حيث يمتاز باسم فرات بلغة رقيقة، وقدرة على استدعاء الأشياء ونظمها بطريقة متفردة، اذ ان الشعر لديه حالة سلوكية لا تقبل التجزئة، ولهذا فأن قصيدته تنسجم مع سلوكه اليومي وعلاقته بالأشياء.
    ومن مطالعة المجموعتين نستشف شجاعة في استخدام قاموس لا يجرؤ الكثير من الشعراء على الأقتراب منه، لأنه يحيل الى رومانسية هجرتمنذ زمن طويل، غير ان باسم فرات يجيد التعامل مع هذا القاموس، رغم خطورته ويحمله عبء البوح نيابة عنه دون ان يقع في شرك التكرار، فالآس والمئذنة والنهر مثلا هي وسائط باسم فرات في تمرير احزانه الى الآخر دون ان يضطر الى التصريح بها. وبالأمكان رصد الكثير من الحنين الطاغي اكربلائه واستدعاء الطفولة الملح في مواجهة كهولة أنضجتها الحروب والمنافي مبكرا، ومنذ البداية يكاشفنا باسم فرات برغبة جامحة في الأحتفاظ بعالمه الطفولي، وخلال مكاشفته هذه يواجهنا بحالة بساطتها مموهة لأنها تحمل في طياتها تجربة قاتمة لا يحتملها الشاعر نفسه فيضطر الى الباسها ثوبا مرصعا بكلمات رقيقة تشير الى معنى آخر غير ما يطلبه الشاعر، وهو بذلك ينجح في اشراكنا في قتامة هاجسه والتفكير معه دون تذمر. وكما ان هناك العالم المتقد(الطفولة)، ثمة عالم آخر يتداخل مع الأول هو عالم الحرب التي شوهت عالمه الأثير الأول وأنتهكت براءته.
    " النهر الذي دخل المدينة ذات يوم متنكرا
    بهيئة صبي فاغتصبه الجنود".
    فالحرب حاضرة بكل تمثلاتها ورموزها في المجموعة، اضافة الى انها تكشف عن موروث الشاعر الشخصي المتمثل في طقوس ورموز المدينة التي تمتاز بها عن غيرها والتي قد تشربها الشاعر ممارسة وهو طفل ثم قراءة وبحثا لاحقا وهو واع لأهميةذلك لدرجة تجعله بحق شاعر بيئته، خصوصا وان الشعر العراقي في العقود الأخيرة قد هجر محليته متشبثا بعالم خاو مستعار من اللغة والعابها حينا، واستعارة طرق تعبير وصياغات من ثقافات وآداب اخرى حينا آخر.
    وهناك المنفى الذي يزيد الامر تعقيدا ويفرض عزلة من نوع جديد اكثر ايلاما ووحشية نرى اشارات كثيرة مبثوثة على خارطة المجموعة لتذكر بموضوعة الحرب باعتباره نتيجة لها، مما يضطر الساعر الى الاحتفاظ بذاكرة طازجة على الدوام فالعوالم الثلاثة تتداخل وتمتزج لتكون الشاعر الذي يبث الينا كهولته وهو يحدثنا عن (طفولة الشمس)ةالتي ذهب (الى جنوب الجنوب) باحثا عنها. وفي قصيدة جنوب مطلق، استطاع باسم فرات ان يمزج ثلاث مراحل من حياته هي بالحيقة كل حياته، الطفولة، الحرب، المنفى، حيث يقول في مطلع القصيدة:
    واقول: في الأقاصي البعيدة
    ثمة ما يدعو للتذكر
    في المدن التي النهكها البحر
    أردم أحلامي
    لي من الحروب تذكار
    ومن البلاد أقصى الجراح
    بأمكاننا ان نعثر على الكثير من الهواجس متسربة في هذه القصيدة، حنينه الى المدينة الأم الذاكرة المثقلة بأرث الشاعر، ألم العزلة الذي يدفع الشاعر بعنف الى التعبير بشكل مباشر أحيانا.
    وفيما يتعلق بالمدينة (كربلاء) وموروثها، ثمة اشارات كثيرة تدل على تفردها وهو ما يعيه الشاعر جيدا واستثماره في محاولة لكتابة قصيدة منتمية لبيئتها. ففي قصيدة عواء ابن آوى:
    وحين يمر نهر الحسينية مصلوبا فوق ريح الشماليين...
    وكل ليلة تمسح عن جبين الفراتي الدم والتراب...
    وسجن السندي حيث يرقد أبي...
    والكثير من الصور التي تشير الى تجربة المدينة الخاصة جدا وحياتها السرية التي تميز اهلها فرموز مثل الطف، والمفوف، وتل الزينبية واخرى كثيرة غيرها هي وجه وهوية كربلاء التي يجاهد باسم فرات ان يكون جديرا بها. وما خريف المآذن الا احتفاء بهذه المدينة وشعور بالعرفان لها، فتحية لصديقي باسم فرات وتحية لكربلاء التي احتضنت طفولتينا وجزء من شبابينا.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت سبتمبر 28, 2024 10:26 pm