الشاعر العراقي باسم فرات : مولود في كربلاء ويقيم في هيروشيما
دار نشر نيوزيلندية تصدر له اول كتاب شعر عربي بالانكليزية في نيوزيلندا
في المنافي والبيئات الغريبة يبدو الابداع العراقي - المثقل بتحميلات من الذكريات والاوجاع وتجارب المنفى - ابداعا شديد الخصوصية لمزجه بين مؤثرات ثقافتين مختلفتين , ثقافة الوطن الام وثقافة البلد الغريب الذي صار منفاه وتجربة العيش في بلدين مختلفين تمام الاختلاف..
الشاعر العراقي المغترب باسم فرات المولود في كربلاء (1967) نشرت له دار( هيدرو كس) النيوزيلندية مجموعة شعرية بعنوان ( هنا وهناك) باللغة الانكليزية , وقد صدرت للشاعر من قبل مجموعتان شعريتان بالعربية , الاولى ( أشدُ الهديل ) عن دار الواح في مدريد (1999) والثانية(خريف المآذن) عن دار ازمنة في عمان – الاردن 2002..
وتضم مجموعة ( هنا وهناك) 21 نصا اختيرت من مجموعتيه السابقتين واضاف لها الشاعر ستة نصوص جديدة ..
يقول الناشر والشاعر النيوزيلندي المعروف ( مارك بيري) : باسم فرات صوت شعري جديد ومثير في نيوزيلندا وعالم الشعر , ففي هذه المجموعة يستكشف باسم فرات حياته كلاجيء في
( المكان البعيد ) في نيو زيلندا وازاحته عن وطنه الام العراق, وتحتشد مجموعته هذه بالشغف والذكريات , ذكريات الطفولة في العراق وموت الاب المبكر والخدمة الالزامية في الجيش العراقي, وتتجسد الصراعات المثيرة للمشاعر والتي ابتلي بها الناس ممن يعيشون في المنافي .
يقول باسم فرات في رده على سؤال ما ذا اعطاك المنفى؟؟
- اعطاني المنفى اشياء كثيرة , فالاختلاط بالشعوب والاطلاع على الثقافات المختلفة اغنى مخيلتي ووسع مداركي , بل ان الاختلاط يخصب ا لمخيلة , اضف الى ذلك ان معرفة الوطن تتم بشكل جيد في المنفى , مما دفعني لقراءة تاريخ بلادي واساطيرها وانعكس ذلك في شعري الى جانب التجربة النيوزيلندية,و ظهر ذلك في قصائدي , واعيش الان في هيروشيما وربما تظهر تأثيرات يابانية في قصائدي القادمة ..
- باسم فرات هل انت عراقي يعيش في نيوزيلندا ام نيوزيلندي من اصل عراقي؟؟
- بعد ثمانية اعوام عشتها في نيوزيلندا والتنقل بجواز سفر نيوزيلندي , لم انجح في الشعور بان هذا البلد الفائق الجمال يمكن ان يكون بلدي الى الابد ,فانا اقدم نفسي في المحافل الادبية كشاعر عراقي منفي يعيش في نيو زيلندا بسبب حبي وولائي للعراق فروحي ودمي وجذوري عراقية , وعانيت نوعا من العنصرية والاستغلال طوال خمس سنوات عملت فيها مع شركة
للتصوير في العاصمة ولنغتون , واستغلني رب العمل ابشع استغلال لكوني غريبا وعملت لفترة من الزمن لديه دون اجر لانني لااملك حق الشكوى ..
يقول الشاعر البريطاني ( ستيفن ووتس) في مقالة له نشرت في مجلة بانيبال :
- يستحق كتاب ( هنا وهناك ) المديح لانه يمد الابعاد الدقيقة للشعر في العالم وهو دليل على تكامل تجربة الشاعر وعمله في المنفى , وقد استطاع باسم فرات ان يجعل مختلف المشاعر عن العراق البعيد جدا تتراقص معا ..
باسم فرات الذي غادر نيوزيلندا ليكتشف مأساة هيروشيما عن قرب ويحضر احتفال الذكرى الستين للكارثة يحاول ان يرى بعيني العراقي عمق المأساة الانسانية في هيروشيما ويحيا تجربة قيامة الحياة فيها لعله يرى حلم قيامة العراق فيما ياتي من زمن..
وباسم فرات الذي عمل منذ فتوته المبكرة مصورا فوتو غرافيا يعمل الان على تصوير مواقع
هيروشيما ومتحفها التذكاري ويحاور بعض الناجين من الكارثة النووية ممن شهدوا الكارثة
وكابدوا رعبها ويعملون الان من اجل السلام والبناء وصنع المستقبل , لعله يحاول ان ينقل
التجربة الى بلاده -من خلال الشعر والصورة واستعادة ذكريات الماضي من اجل تجنب الكارثة,
وهذه المهمة تبدو موغلة في الشعرية والرومانسية ولربما تخطت دور الشاعر المكتفي بتجربته الشعرية الى دور الشاعر المحرض على الحياة والسلام..
* يتحدث الناقد النيوزيلندي (تري لوك) عن مجموعة ( هنا وهناك) فيقول :
- ان نشر كتاب شعري لباسم فرات في نيوزيلندا -يعتبر وضمن حسابات عديدة- حدثا رئيسيا في
مشهد الشعر النيوزيلندي , فهو اول كتاب في الشعر العربي يترجم وينشر في نيوزيلندا في الوقت الذي يدخل العالم العربي عقول الغربيين من منافذ شتى ورؤى متضاربة ومتباينة ومنها ماهو معاد ٍ..
ويضيف الناقد تري لوك : ان الكتاب لوحة فريدة من نوعها غنية بالمنمنمات التي يراد بها
ان تكون شعرية المحتوى اكثر منها سردية الخطاب , ويمكن مقارنتها بلوحة جدارية او سجادة غنية بالتفاصيل والاشكال , او هي فسيفساء ثرية التراكيب وهذا المقطع من قصيدته
خريف المأذن عن مدينته كربلاء :
أخرج من باب السلالمة
ألقي السلام كابن بار
اتوغل في المطلق
عن يميني سدرة المنتهى
(......)
أمامي قباب توسدها التبر
منائر تغفو على راحة السماء
تداعب اجفانها النجوم والايام
أبواب معتقة بالابريز والفضة
وأكف الحناء المدماة بنشيج الامهات ..
يضم الكتاب ثلاثة اقسام , ففي القسم المعنون (هنا ) يتحدث الشاعر عن مدن المنفى
مدنك ملآى بالنساء والبوهوتاكوا
ريح تجرح صمتها
وعلى جنباتها تنتفض الشواطيء
فترتبك النوارس مذعورة الي
انا المثقل بالتباريح
بلادي تطرق الباب كل ليلة
أأفتح.......................!!
انا الهارب الى نزقي من نرجسية الحروب
هذا مشهد لنيوزيلندا عبر عدسة عراقي في المنفى يواشج بين الأمكنة والمشاعر المتولدة عن الذكرى والتجربة الراهنة في المنفى ، وهناك قصائد تروي عبورا للحدود وقصائد تستحضر العنف الذي فارقه الشاعر المنفي , لكنه لم يدعه وراءه ..
يكتب طوني بَيَر االشاعر النيوزيلندي عن تجربة باسم فرات :
-يعتمد شعر باسم فرات على التقاليد الأدبية في الشرق الاوسط وبخاصة الوصف الثابت المستقر لموضوع أو مزاج معين، والذي يتوسع فيه ويغنيه باستعمال المجاز أكثر مما يتابعه عن طريق تطوير الخطاب، كما أنه يعرض مقارنة مكتومة من السخرية بين عراق ذكرياته وبلد منفاه، غير أن الأسماء ذات الرنة المأساوية للانهار والامكنة لاتزال تشغل وعيه فلديه وعي حاد للوجود ضمن الحاضر .
والقاريء لشعر باسم فرات يجد في نصوصه ذلك الشغف الخفي بتاريخ بلاده واساطيرها وتأثره بثقافة بلد المنفى اذ يقوم بتعشيق الاساطير الالعراقية مع الاساطير الماورية ( السكان الاصليون في نيوزيلندا) , مثلما يظهر تأثير خبراته في التصوير الفوتوغرافي على النص الغني بالصور المختزلة المحددة دونما اسهاب او افراط في اللغة ..
وشارك باسم فرات في نحو مائة وخمسين حدثا شعريا خلال السنوات الثماني التي امضاها في نيوزيلندا , حيث تحفل العاصمة النيوزيلندية ويلنغتون وضواحيها بالاماسي الشعرية التي لاتقل عن ثماني امسيات شهريا ..
صدر كتاب هنا وهناك سنة 2004 في العاصمة النيوزيلندية ويلنغتون واهتم به النقاد والشعراء
لانه يمثل لهم تجربة غريبة من بلاد ربما لم يعرفوا الكثير عنها الامن خلال حروبها ومآسيها واتى
الشعر ليقول لهم اشياء جديدة عن الحياة والامكنة والحب والحروب ايضا في تلك البلاد البعيدة
التي اسمه العراق..