مراثٍ كونية بين هيروشيما ونهر الفرات
يستهل باسم فرات ديوانه الثاني (خريف المآذن) بإهداء لزوجته (جينيت) يتساءل فيه كمن يرتاب وهو في برزخ الحيرة لا يقين لديه ولا جواب: هل نحن تناغم حضارتين؟؟،
التساؤل مربك وعلى المجيب أن يختار (نعم) أو (لا) ولكن ليس بيسير على الآخر اتخاذ القرار، الشعرية لا تتواطأ مع الفكرة بل تدعها سائبة بلا سند منطقي ولا آصرة ماورائية:
(الى جينيت
هل نحن تناغم حضارتين؟؟
والى أمي حتماً..)
ارتياب بما هو حادث ومتحول الى حقيقة معيشة، هل نحن تناغم حضارتين؟؟
تقابل الثقافات في علاقة حب وارتباط وجودي، يخفف الى حد ما ذلك الحاجز الميتافيزيقي الذي نما وتصلب في أعماق الكائن وهو يتلقى بداهات الحياة وعناصر ثقافته الاولى من حضن الأم ــ البيئة..
حيرة الشاعر وهو ينوء تحت وطـأة حضارته الرافدينية ومؤثراتها المتعددة واكتشافاته لها واكتناز ذاكرته برموزها، يجعله في شك من واقعة التناغم، لكنه في قلق توقع الإجابة يلتفت الى ركيزته الأولى ويتدارك الموقف قبل ان تضيع اللحظة في متاهة المجهولات.. وينهي الحيرة في حضن الأم التي تمثل له حتمية الإرتباط المشيمي الذي لا فكاك منه مع موروثه الثقافي، حتى يضمن نجاة وعيه من الإندغام في ثقافات أخرى، إزاء اعتراضات اللاوعي على فكرة (التخلي) ..
افهم ارتباكات باسم وحيرته الطاحنة إزاء تصارع المؤثرات في عمله وحياته، الترحل من وطن ممزق وجريح الى بلاد تعج بفتنة الطبيعة وغرابة الثقافة والتقاليد، فكان عليه ان يتوقف برهة عمر وبرهة تجريب ليتبين ان بإمكان الشاعر وهو يتنقل بجراحه وأوجاع روحه، ان يوائم بين إلتماعات منائر الذهب وطوفان الفرات في وطنه وبين جبل (ترَناكي) الذي يرمي عليه عويله وظلامه، لكنه ليس بالمتلقي الحيادي او ذلك المفتتن بنهارات الغرابة، لأنه يبوح بيتمه الأبدي كعراقي مهجور ومنفي أمام البحر، لا سبيل أمامه لتلافي الانكسار غير الإقرار بجرحه وهو يمر بالتحولات والفصول المتعاقبة..
التناغم الذي ينشده باسم مع الأمكنة الغريبة المباغتة، يجعله عرضة لاختبارات متتالية على مستوى القصيدة ومستوى التواصل مع الكون ومفردات المعيش اليومي، يربك أدواته ويخلخل زوايا خفية في الذاكرة ويطلق تلك الأصداء المأسورة من يتم الطفولة ووحشة الشباب وشجن النضج، لكن لا يستسلم الشعر ولا ينكفئ الشاعر، بل يمضي حثيثا الى: شجرة الشعر الوارفة فهي ملاذ التائهين في ظلال الحضارات الغريبة..
هل نحن تناغم حضارتين؟؟؟
لم لا؟؟ تتناغم الثقافات في الحب حيث تتهاوى الحواجز بين كائن وكائن وتنسحب التقاليد وهي تجرجر أصفادها المحطمة، وتبزغ بين الكائنين أمثولة الخليقة الأولى: الإنسان مجردا من جميع الإضافات والإحالات من ملبس وعادات إجتماعية وافكار مسبقة واستيهامات حرمان ومتعظيات عقائدية ولغات، الحب ينقي طريق التناغم ويزيح الظلال والرماد ويبقي اللحظة في توحد الكائنين بارقة ومستنيرة بذاتها..
لم لا؟؟
هناك تناغم لا يقف حبل السرة عائقا أمامه، ولا توصلات الروح الماضوية ولا الموروث الكثيف وتراكمات التعلم والخبرات في حاضنة بيئة مغايرة، طالما بوسع الشاعر مزج الخلاصتين في كأس القصيدة..
2
باسم فرات له إمتياز الإيجاز في نصوصه، ينقّي اللغة وينخلها من زوائد وتعميمات، ويستبعد التعابير المستهلكة من متنه الشعري المكثف، يعمل كصياد اللؤلؤ في بحر اليابان والأقاصي الآسيوية حيث يقيم الان ــ دؤوباً ومنغمساً في عالم الأعماق بخاصة في ديوانه الأخير (أنا ثانيةً)، مع تكرار بعض ثيمات ديوانه الأول (خريف المآذن) واستئناس بالتأملات وإخصاب للنصوص بإحالات دنيوية وشذرات من ثقافات عبرت أفق تجربته المكانية والروحية، ليس بمعنى الاستفادة من رمز أو علامة، بل باختزال النص الى أقصى حدوده، لكأنه يعتذر للنص عن تلك الفيوضات اللغوية في النصوص الشعرية السائدة، فيكتب القصيدة في منأى عن مؤثرات الخطاب العربي الفضفاض واستغراقه في المرادفات وتراكم الصور المستعادة في النص الواحد..
الذي أغلق الباب وراءه
وعلَّق الشرفات على لهفة الانتظار
متأبطاً البحرَ والمطاراتِ
ثملٌ بالمحبة
الرغبات مفتونةٌ به
والليالي تهدهدهُ
بارٌ بالفجيعة
فضائحهُ معلقّةٌ على أعمدة الحيرة
ترتكبُ النسيان عمداً
أُصغي له،
يوشك البوحُ أن يتهجّد في لسانه
الرقّةُ ذابلةُ فيه
وآيته النقاء
يزهو بأخطائه
لياليه يطرزهّا الأسى
وأقمارهُ ملأى بالبكاء.
هذه القصيدة التي عنوانها (آية النقاء) أجدها خير ما يمثل مرحلته الشعرية الراهنة لأسباب عدة، فهو هنا يحتفي بالمفردة المحايدة المحددة، ويتجنب إستخدام النعوت والمرادفات، كشأن قصائد الهايكو اليابانية أو أقرب الى نثر ياسوناري كاواباتا المقتصد المكثف، وفي هذه القصيدة تتقدم المفردة عارية وصافية لتؤدي ببلاغتها الحرة ما تهفو إليه مقاصد الشاعر..
التناغم الذي يقلق الشاعر يتجسد في هذه القصيدة، وهي تتجه الى بناء صور شعرية
مستقلة كأجزاء ومتواشجة كعمل متكامل، يعززها هذا الإيجاز والإنصراف لتحويل التجربة الشخصية الى تجربة إنسانية ذات افق مفتوح على الكوني..
ما يثير الاهتمام في نصوص باسم فرات شعريتها الهادئة ونبرتها المستقرة وفضاءها التأملي، حتى في أكثر قصائده شجناً وغنائية، قصيدته متأنية رغم الشغف المبثوث في ثنياتها وتضاعيفها..
هو شاعر تتخمر لديه القصيدة وتنضج في ظلمات الأعماق، لا يوقظها قبل الأوان بل يدعها تتشكل وتنمو بلا تعجل وهو يستظل بفيئها وتستمد نضجها من حنوّه وقلقه الدائم..
3
المؤثرات الرافدينية زاد الشاعر وكنزه الذي يؤسس على رسوخه في الذاكرة علاقاته المتجددة مع العوالم والأمكنة المختلفة، المؤثرات الرافدينية ليست بالضرورة الموروث السومري والبابلي بل كل ما انتجته الثقافات الرافدينية عبر الحقب المتلاحقة، من أديان ولغات وآداب وفنون وتقاليد وأساليب حياة في وادي الرافدين، إهتمامه بالتاريخ منحه تبصرا وثقة في عمله الابداعي، وإطلاعه على الثقافات الاخرى أعانه على الحفر العميق في ثقافة بلاده، فمن خلال مرايا الآخرين وتقاليدهم استطاع باسم أن يقبض على الشذرات الثمينة في ثقافته الراهنة والموروثة ويفهم على نحو مواز ثقافة الآخر ويتحاور معها..
4
تزخر أعمال باسم فرات بالمراثي التي استمد خميرتها من طقوس شعبية وتراث رافديني وبيئة كربلائية وحروب متفاقمة، حتى خيل الي إن باسم قد تخصص في أناشيد الرثاء الشجية التي تتردد على ايقاعات متباينة في شدتها وتكاليف حزنها..
بين الحزن الكربلائي ومواسم المراثي، وبين تآلفه مع ذاكرة هيروشيما وفاجعتها النووية يجدد باسم صيغ المراثي حتى تصبح إحدى علامات نسيجه الشعري رغم تنوع ثيماته في ديوانيه وتطلعه الى أبعد مما هو محلي في المكابدات الاتسانية، إذ تتغير موجهات الرثاء لديه من نص الى آخر ويبدو أن رثاء النفس في وحشة الكون قد شكل أهم ملامح ديوانه الثاني (أنا ثانية) وترددت أصداؤها ما بين الفرات وهيروشيما في وحدة كونية عابرة للحدود وجغرافيات الألم الإنساني..
باسم فرات يعيش الحياة شعراً ويتراءى بين أقرانه متصوفاً في صومعة متنقلة حاملاً زاده المتقشف وعدته اللغوية وإرثه الثقافي، مهاجرا بهذه الأحمال الثمينة من الشرق الأوسط الى اقاصي جنوب الأرض في نيوزيلندا ثم الى هيروشيما ثم الى بقاع حلمية أخرى أو أراض واقعية على خارطة المنافي، لا يقر له قرار ولا تمتلكه الأماكن بل يتلبث فيها الى حين ويقطف من الترحال غلالاً غير مرئية، خزينا لأعماله القادمة..
باسم فرات شاعر المنفى الصبور الذي يحمل عدة من مرايا تتبدل الرؤية عبرها من فصل الى آخر ومن تجربة الى تجربة ومن بلد الى بلد، سندباد القصيدة المتأمل وشاعر جوّال كأسلافه السومريين، الذين كانوا يرودون البحار والجزر من أجل صيد فكرة أو الغوص على لؤلؤة المعنى...
يستهل باسم فرات ديوانه الثاني (خريف المآذن) بإهداء لزوجته (جينيت) يتساءل فيه كمن يرتاب وهو في برزخ الحيرة لا يقين لديه ولا جواب: هل نحن تناغم حضارتين؟؟،
التساؤل مربك وعلى المجيب أن يختار (نعم) أو (لا) ولكن ليس بيسير على الآخر اتخاذ القرار، الشعرية لا تتواطأ مع الفكرة بل تدعها سائبة بلا سند منطقي ولا آصرة ماورائية:
(الى جينيت
هل نحن تناغم حضارتين؟؟
والى أمي حتماً..)
ارتياب بما هو حادث ومتحول الى حقيقة معيشة، هل نحن تناغم حضارتين؟؟
تقابل الثقافات في علاقة حب وارتباط وجودي، يخفف الى حد ما ذلك الحاجز الميتافيزيقي الذي نما وتصلب في أعماق الكائن وهو يتلقى بداهات الحياة وعناصر ثقافته الاولى من حضن الأم ــ البيئة..
حيرة الشاعر وهو ينوء تحت وطـأة حضارته الرافدينية ومؤثراتها المتعددة واكتشافاته لها واكتناز ذاكرته برموزها، يجعله في شك من واقعة التناغم، لكنه في قلق توقع الإجابة يلتفت الى ركيزته الأولى ويتدارك الموقف قبل ان تضيع اللحظة في متاهة المجهولات.. وينهي الحيرة في حضن الأم التي تمثل له حتمية الإرتباط المشيمي الذي لا فكاك منه مع موروثه الثقافي، حتى يضمن نجاة وعيه من الإندغام في ثقافات أخرى، إزاء اعتراضات اللاوعي على فكرة (التخلي) ..
افهم ارتباكات باسم وحيرته الطاحنة إزاء تصارع المؤثرات في عمله وحياته، الترحل من وطن ممزق وجريح الى بلاد تعج بفتنة الطبيعة وغرابة الثقافة والتقاليد، فكان عليه ان يتوقف برهة عمر وبرهة تجريب ليتبين ان بإمكان الشاعر وهو يتنقل بجراحه وأوجاع روحه، ان يوائم بين إلتماعات منائر الذهب وطوفان الفرات في وطنه وبين جبل (ترَناكي) الذي يرمي عليه عويله وظلامه، لكنه ليس بالمتلقي الحيادي او ذلك المفتتن بنهارات الغرابة، لأنه يبوح بيتمه الأبدي كعراقي مهجور ومنفي أمام البحر، لا سبيل أمامه لتلافي الانكسار غير الإقرار بجرحه وهو يمر بالتحولات والفصول المتعاقبة..
التناغم الذي ينشده باسم مع الأمكنة الغريبة المباغتة، يجعله عرضة لاختبارات متتالية على مستوى القصيدة ومستوى التواصل مع الكون ومفردات المعيش اليومي، يربك أدواته ويخلخل زوايا خفية في الذاكرة ويطلق تلك الأصداء المأسورة من يتم الطفولة ووحشة الشباب وشجن النضج، لكن لا يستسلم الشعر ولا ينكفئ الشاعر، بل يمضي حثيثا الى: شجرة الشعر الوارفة فهي ملاذ التائهين في ظلال الحضارات الغريبة..
هل نحن تناغم حضارتين؟؟؟
لم لا؟؟ تتناغم الثقافات في الحب حيث تتهاوى الحواجز بين كائن وكائن وتنسحب التقاليد وهي تجرجر أصفادها المحطمة، وتبزغ بين الكائنين أمثولة الخليقة الأولى: الإنسان مجردا من جميع الإضافات والإحالات من ملبس وعادات إجتماعية وافكار مسبقة واستيهامات حرمان ومتعظيات عقائدية ولغات، الحب ينقي طريق التناغم ويزيح الظلال والرماد ويبقي اللحظة في توحد الكائنين بارقة ومستنيرة بذاتها..
لم لا؟؟
هناك تناغم لا يقف حبل السرة عائقا أمامه، ولا توصلات الروح الماضوية ولا الموروث الكثيف وتراكمات التعلم والخبرات في حاضنة بيئة مغايرة، طالما بوسع الشاعر مزج الخلاصتين في كأس القصيدة..
2
باسم فرات له إمتياز الإيجاز في نصوصه، ينقّي اللغة وينخلها من زوائد وتعميمات، ويستبعد التعابير المستهلكة من متنه الشعري المكثف، يعمل كصياد اللؤلؤ في بحر اليابان والأقاصي الآسيوية حيث يقيم الان ــ دؤوباً ومنغمساً في عالم الأعماق بخاصة في ديوانه الأخير (أنا ثانيةً)، مع تكرار بعض ثيمات ديوانه الأول (خريف المآذن) واستئناس بالتأملات وإخصاب للنصوص بإحالات دنيوية وشذرات من ثقافات عبرت أفق تجربته المكانية والروحية، ليس بمعنى الاستفادة من رمز أو علامة، بل باختزال النص الى أقصى حدوده، لكأنه يعتذر للنص عن تلك الفيوضات اللغوية في النصوص الشعرية السائدة، فيكتب القصيدة في منأى عن مؤثرات الخطاب العربي الفضفاض واستغراقه في المرادفات وتراكم الصور المستعادة في النص الواحد..
الذي أغلق الباب وراءه
وعلَّق الشرفات على لهفة الانتظار
متأبطاً البحرَ والمطاراتِ
ثملٌ بالمحبة
الرغبات مفتونةٌ به
والليالي تهدهدهُ
بارٌ بالفجيعة
فضائحهُ معلقّةٌ على أعمدة الحيرة
ترتكبُ النسيان عمداً
أُصغي له،
يوشك البوحُ أن يتهجّد في لسانه
الرقّةُ ذابلةُ فيه
وآيته النقاء
يزهو بأخطائه
لياليه يطرزهّا الأسى
وأقمارهُ ملأى بالبكاء.
هذه القصيدة التي عنوانها (آية النقاء) أجدها خير ما يمثل مرحلته الشعرية الراهنة لأسباب عدة، فهو هنا يحتفي بالمفردة المحايدة المحددة، ويتجنب إستخدام النعوت والمرادفات، كشأن قصائد الهايكو اليابانية أو أقرب الى نثر ياسوناري كاواباتا المقتصد المكثف، وفي هذه القصيدة تتقدم المفردة عارية وصافية لتؤدي ببلاغتها الحرة ما تهفو إليه مقاصد الشاعر..
التناغم الذي يقلق الشاعر يتجسد في هذه القصيدة، وهي تتجه الى بناء صور شعرية
مستقلة كأجزاء ومتواشجة كعمل متكامل، يعززها هذا الإيجاز والإنصراف لتحويل التجربة الشخصية الى تجربة إنسانية ذات افق مفتوح على الكوني..
ما يثير الاهتمام في نصوص باسم فرات شعريتها الهادئة ونبرتها المستقرة وفضاءها التأملي، حتى في أكثر قصائده شجناً وغنائية، قصيدته متأنية رغم الشغف المبثوث في ثنياتها وتضاعيفها..
هو شاعر تتخمر لديه القصيدة وتنضج في ظلمات الأعماق، لا يوقظها قبل الأوان بل يدعها تتشكل وتنمو بلا تعجل وهو يستظل بفيئها وتستمد نضجها من حنوّه وقلقه الدائم..
3
المؤثرات الرافدينية زاد الشاعر وكنزه الذي يؤسس على رسوخه في الذاكرة علاقاته المتجددة مع العوالم والأمكنة المختلفة، المؤثرات الرافدينية ليست بالضرورة الموروث السومري والبابلي بل كل ما انتجته الثقافات الرافدينية عبر الحقب المتلاحقة، من أديان ولغات وآداب وفنون وتقاليد وأساليب حياة في وادي الرافدين، إهتمامه بالتاريخ منحه تبصرا وثقة في عمله الابداعي، وإطلاعه على الثقافات الاخرى أعانه على الحفر العميق في ثقافة بلاده، فمن خلال مرايا الآخرين وتقاليدهم استطاع باسم أن يقبض على الشذرات الثمينة في ثقافته الراهنة والموروثة ويفهم على نحو مواز ثقافة الآخر ويتحاور معها..
4
تزخر أعمال باسم فرات بالمراثي التي استمد خميرتها من طقوس شعبية وتراث رافديني وبيئة كربلائية وحروب متفاقمة، حتى خيل الي إن باسم قد تخصص في أناشيد الرثاء الشجية التي تتردد على ايقاعات متباينة في شدتها وتكاليف حزنها..
بين الحزن الكربلائي ومواسم المراثي، وبين تآلفه مع ذاكرة هيروشيما وفاجعتها النووية يجدد باسم صيغ المراثي حتى تصبح إحدى علامات نسيجه الشعري رغم تنوع ثيماته في ديوانيه وتطلعه الى أبعد مما هو محلي في المكابدات الاتسانية، إذ تتغير موجهات الرثاء لديه من نص الى آخر ويبدو أن رثاء النفس في وحشة الكون قد شكل أهم ملامح ديوانه الثاني (أنا ثانية) وترددت أصداؤها ما بين الفرات وهيروشيما في وحدة كونية عابرة للحدود وجغرافيات الألم الإنساني..
باسم فرات يعيش الحياة شعراً ويتراءى بين أقرانه متصوفاً في صومعة متنقلة حاملاً زاده المتقشف وعدته اللغوية وإرثه الثقافي، مهاجرا بهذه الأحمال الثمينة من الشرق الأوسط الى اقاصي جنوب الأرض في نيوزيلندا ثم الى هيروشيما ثم الى بقاع حلمية أخرى أو أراض واقعية على خارطة المنافي، لا يقر له قرار ولا تمتلكه الأماكن بل يتلبث فيها الى حين ويقطف من الترحال غلالاً غير مرئية، خزينا لأعماله القادمة..
باسم فرات شاعر المنفى الصبور الذي يحمل عدة من مرايا تتبدل الرؤية عبرها من فصل الى آخر ومن تجربة الى تجربة ومن بلد الى بلد، سندباد القصيدة المتأمل وشاعر جوّال كأسلافه السومريين، الذين كانوا يرودون البحار والجزر من أجل صيد فكرة أو الغوص على لؤلؤة المعنى...