وُلد باسم فرات في العراق. عاش لعدة سنوات في نيوزلندا، كما عاش في اليابان، ويقيم حالياً في لاوس. ينقسم عمله إلى أربعة أقسام: العراق، نيوزلندا، اليابان ولاوس. يكتب باللغة العربية وقد تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية للقرّاء النيوزلنديين.
يمتلك فرات نبرته النغمية الخاصة وحلاوة غموض العمل الملتبس بحيوية. ومن المحتمل أن تضعه أصالة عمله خارج الاتجاه السائد، ولكن هذا العمل سوف يكون موضع تقدير القرّاء الذين يحبون التفكير والذين يحتفون بصدق عاطفي وإذن منهمكة تنفتح على احتمالات شعر غنائي غير مطروق حتى الآن. أو في الأقل لم يتم تناوله أو تقديمه بنفس الطريقة بالضبط، وبنفس النبرة الموسيقية الأسطورية المدينية الحساسة. أنه شاعر رثائي أيضاً كما نرى في قصيدة (آية الطهارة) في المقطع الأول عن العراق.
الذي أغلقَ البابَ وراءَهُ
وعلَّقَ الشرفاتِ على لهفةِ الانتظارِ
متأبطاً البحرَ والمطاراتِ
ثملٌ بالمحبة
الرغباتُ مفتونةٌ بهِ
والليالي تُهدهِدُهُ
في قصيدة فرات (الجنوبي) نواجه المنفى والملّاح والسيد الجوّال، لمحة من هذه الشخصية سوف تكون كافية مثل كولاج منوّع لاختراعات الشاعر الملحمية. هنا بعضُ كلمات فرات الموجهة إلى الملّاح:
(يا صديقَ المنافي
كيفَ انزلقتْ من بينِ جفنيكَ
البلادُ عاريةً
وانسلتِ الطرقاتُ خلسةً
من بينِ خطواتِكَ).
يذوِّب فرات الماضي بالحاضر واعداً عدم براعة مثل هذا التذويب ببعض الصدى وكثير من العمق كما في هذه الأبيات المقتبسة من المقطع الشعري الأول لقصيدة ( أيام ناحلة).
وأنت معي (
انزلقتْ من يد الله تفاحة الخلق
واغتسلتْ بأنوثتك الوارفة
لأجلك تخلعُ قمصانها الشمس
إذ تستحمّ
ببوحي إليك
وبوحي احتراق المسافات
في العري
صرخة غيم تلاحق رعشة ظلك
شهوة أيامنا الناحلة
صهيل الطفولة
في غابة الروح).
(أنا) هي قصيدة أطول في هذه المجموعة، لكنها قصيدة معرفية، تهكمية، عروضية.
(أبي
دماؤكَ
التي سالتْ على الجدرانِ
على السطوحِ
المنائرِ
النواقيسِ
في الغاباتِ
في البحارِ
سالت على السماواتِ السبعِ
على الأرضينَ
دماؤكَ
التي منذ ثلاثينَ ألَمًا ونيفًا
تنـزفُ .
.
.
.
.
.
. أنا).
لا يمكن أن تقارن القصائد التي تتعلق بالقسم النيوزلندي في هذه المجموعة الشعرية في عمقها وعاطفتها بقصائد القسم الأول، ولكن ليست هناك قصيدة مملة أو بليدة. لا غنائية يمكن أن تفشل، ولا فكرة غامضة يمكن أن تبدّد حتى في أخفّ الأشعار ظلاً. تحقق بعض الأمثلة الشعرية تسامياً كما في القصيدة الرائعة (جبل تَرَناكي) والتي هي قصيدة مبهجة تقريباً:
(أمطاري خارجةٌ على القانونِ
وشلالاتي نزيفٌ يهدرُ
على كفيّ تستريحُ الغابات
وفي أسفلِ السرةِ
ما يُغري الوعولَ بأشياءَ لا يمكنُ
البوحُ بها).
يفتتح الشاعر القسمين الياباني واللاوسي بقصيدة (هيروشيما ومُدن أخرى):
(هي مُدنٌ
تَعبرُنا ونعبرُها
لتتركَ وشْمَها فينا
وشما تباركه آلهة الشنتو
مدنٌ
نطوفُ بها كالمجاذيبِ
نُعَلّقُ ذكرياتِنا فيها).
وبينما يمضي إلى مهمته مُتأملاً معابدَ وقصورًا وقلاعًا تأتي سيدة مُسنّة تسخر من سنواتها الثمانين وهي تأفل هامسة:
(إنها جميعًا كانت حَطَبًا لحربِ سادرين بحمقِهم
ما تراه، تقول لي الثمانينيةُ، نفخنا فيه من روحِنا
ما تراه
مُدُنـًا
تغسلُ زغبَها أنهارٌ
من قيعانِها ينحدرُ سيلُ أنينٍ
في قصيدة (قلعة هيروشيما):
(في قلعةِ هيروشيما
محتفيًا بالْهَنَمي
أتأمّلُ
مقصورةَ الساموراي الأعظم
ماسحًا عن طريقِي غُبارَ قرونٍ خلتْ
السامورائيّون يَمْلَئُونَ ردهاتِ القلعةِ وقاعاتِها)
في هذا المبنى التاريخي يتذكر فرات الماضي:
(وعلى المقاعدِ الوثيرةِ..
بقيّةٌ من قُبَلٍ ووداعٍ
أجراسُ الذكرياتِ..
وهي تفترشُ حقولَ الأرز
فتتساقط من يديك الريح
نسيمُ أشجارِ السَّاكورا
يمتدّ مع الأبدِ
لتتملّى هيبةَ الساموراي الأعظم).
يخبرنا فرات في حاشية قصيدة (تلاميذ هندوري) بأن هندوري كان شارع التسوّق الرئيسي في هيروشيما قبل أن تُقصَف المدينة بالقنبلة الذرية عام 1945:
(هُندوري*: سوقٌ يفرشُ أحلامَه وَسطَ هيروشيما
قوسُ قُزحٍ يحجبُهُ عن السماء
عادةً.. وفي غفلةٍ من المارةِ
ينفثُ إلهُ النورِ أوسمتَه على الْمُستطرقين)
في القصيدة الأخيرة (لا قارب يجعل الغرق يتلاشى) التي تحمل عنوان المجموعة الشعرية يسمع القارئ برحلة الشاعر:
(في رحلةِ اللاعودةِ من حُبِكِ
استوقَفَني بوذا وَسَلّمَني كتابًا، تَتَقَدمَهُ قَناديلُ عظيمةٌ،
فَتحْتُهُ، فَوَجَدتُني أفتحُ أبوابًا تلجُ إلى أبوابٍ)
رحلة مماثلة في الدهشة تُقدَّم إلى قارئ مجموعة فرات الشعرية التي تستدعي الذكريات العاطفية. وعلى الرغم من أن المجموعة الشعرية مكتوبة باللغة العربية إلا أن الترجمات الإنكليزية تُشغِل القارئ بعالم مذهل، مخيف، محيِّر ومُقلِق.