انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    هاشم شفيق، عن ديوان "مبكرًا في صباح بعيد"

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    هاشم شفيق، عن ديوان "مبكرًا في صباح بعيد" Empty هاشم شفيق، عن ديوان "مبكرًا في صباح بعيد"

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 27, 2021 5:36 am


    للشعر العراقي روافد لا تحصى، تأتيه من منابع عدة، أبرزها تاريخ الشعر العراقي الطويل، الحافل والممتد في عمق التجربة الإنسانية، والأسطورية. شعر متعدد الطرائق والأساليب والرؤى، ومترع بالأسماء الكبرى، منذ بدء عملية التخليق الأوّلى للحضارات البكر، ولذلك نراه يتجدّد على الدوام، ويحفل بالتجارب والعطاءات والمواهب الكبيرة، والأسماء المميزة، واللافتة، والمثيرة. أجيال ترفد أجيالاً متعاقبة وجديدة، وطالعة تخط ما تيسر لها من إشراقات شعرية، ومن نوازع وإرهاصات ودفائن رؤيوية، تقتحم بها عالم الشعر الواسع، والزاخر بالحركات، والتيارات والمدارس الشعرية، لتضيف لهذا النهر الكبير والجاري، أصدافها المتلألئة، لكي يظل لامعاً، ومضيئاً وجارياً، فوق أرض خصبة بالكلمات.
    وعطفاً على ما تقدّم، سأتناول في هذا الحيّز، مجموعتين حديثتين لشاعرين شابين من العراق، ينتميان لجيل واحد نستطيع وفقاً لمراتب التحقيب الزمني، أن نقول إنهما يتحدران من أزمنة التسعينيات من القرن الفائت، ووفق هذا التحقيب يمكن نعتهما بالجيل التسعيني، كما هو حاصل في العراق، فثمة الأجيال، الستيني، والسبعيني والثمانيني، وربما التسعيني، إن صحت تسميتي، لمسألة التجييل، وحقبه الزمنية.
    الشاعران هما هادي الحسيني وباسم فرات، ذلك أنهما يلتقيان في تجربة شعرية وزمنية واحدة، تنضاف إليها تجربة المنفى، غبّ ترك العراق في تلك الفترة، من التسعينيّات، إبّان فترة الحصار، وهي فترة قد تجلت فيها التراجيديات العراقية المرعبة، على نحو مثير ومعتم.
    أصدر الشاعر باسم فرات أكثر من عشر مجموعات شعرية، تخللتها مختارات شعرية منها، وثمة كتب نشط فيها الشاعر، وعُرف بكتابتها عن أدب الرحلة، وهو ما أهّله ليكون بين الأسماء المعروفة الآن في هذا الميدان من الكتابة، حتى نال بعد مثابرة فعالة، وعناء ملحوظ، ونشاط ملموس، جوائز عديدة، ضمن هذا المضمار الجمالي من الكتابة الإبداعية، أبرز هذه الجوائز كان الجائزة الأخيرة التي حصل عليها من عُمان، والمعروفة بجائزة قابوس، لأفضل كتاب في “أدب الرحلة” وهي جائزة قيّمة ماديّاً ومعنوياً.
    تمتاز شخصية الشاعر باسم فرات بحس المغامرة والمجازفة، والخروق لما هو مثير وغريب وملفت في عالم الرحلة، فرحلاته لا تعد، وأفق مغامراته شاسع، ورحب وكبير، اقتحم فيه مناطق تعتبر للرحالة الغربيين خطرة، ومهلكة، وذات جوانب غير مأمونة، ولكن فرات اخترقها، واجتازها، وسجّل في ذلك نقطة لصالح تجربته الجوّابة، في هذا المجال الساحر، والحيوي، والحافل بالمطبات والعوائق والممرات المميتة.
    إنّ ميدان “أدب الرحلة” قد وسّع من أفق تجربته الشعرية، وجعلها ثرّة، وحافلة بالعطاء الشعري، كما أنه قد أغنى مسارها بالتنوع والتطلع والاختلاف.
    يأخذ المكان حصة وافرة من مساحة مجموعته الشعرية “مبكّرا في صباح بعيد”، وكذلك الشخوص الذين يؤثثون المكان، كونهم هم من يعطونه هُويته، وهيبته، وسماته، من حيث أن الرحلة في مسيرتها لاستقصاء الأماكن، واستجوابها، وطرح أسئلة الرؤيا، تسعى إلى تخطي الثابت، والراسخ، والساكن، باتجاه المتحرك والانتقالي، وباتجاه جوّاب الآفاق، فباسم فرات حقاً جوّاب آفاق، شاعر ورحالة من طراز خاص، يذكر بالأوروبيين الأوائل من فرنسيين وبريطانيين وألمان، فهو لا يذهب إلى المكان لغرض النزهة والسياحة، والاستجمام، بل يذهب للاستكشاف، والبحث، والتنقيب الجمالي في قلب المكان، لاستخراج نوادره وتحفه المرئية والمخفية، لغرض شاعري بحت، وغواية تنضاف لثقافته، كيما تنوّعها، وتقوّي من زخمها، وترفدها بالجديد والغرائبي.
    ولذلك نجدنا نبحر معه في رحلة شعرية، نحو أمكنة كثيرة في مجموعته هذه، مثل دمياط المصرية والإسكندرية، والقاهرة، والخرطوم التي يقيم فيها منذ سنوات، وأيضاً يرد اسم مدينته كربلاء، وبغداد، والنجف، ومن جهة الشخوص وحضورهم في القصائد، يظهر الجد والأب والأم والخال وبعض الأصدقاء، هذا ناهيك عن النيل والفرات اللذين يجوبان المجموعة الشعرية، صعوداً ونزولا، تنضاف إلى ذلك كله، الذكريات البعيدة والقريبة، والمآسي التي مرّ بها، كالحرب والحصار، وحتى مقتل أبيه في حادث اجتماعي، وهو طفل، يتذكر جدّه النجار، وخاله، وجدّته التي اعتنت بتربيته وهو صغير.
    حين نتوغل في المجموعة أكثر، ونستبطنها ونغوص في تضاعيفها، سنرى أنها تحفل بالرموز والمجاز والكنايات والإشارات الدلائلية، فضلاً عن الصور الشعرية، تلك التي تشغل مساحات واسعة من القصائد، وإلى جانبها يبرز مرات السرد الشعري، والحكايات العراقية البعيدة، تلك التي كانت جزءاً من الماضي واللاوعي، تقفز إلى الوعي من جديد لتكون الموضوع الرمزي الذي يشكل الحالة الجديدة، المصوغة بحلة مختلفة من الكلمات، ففي قصيدة “رحالة وشاعر” تحاول القصيدة أن ترسم لنا هُويات الشاعر، المسافر، والمستكشف، والمتقصّي مذاق الأبعاد:
    “المدنُ الألفُ لكزتْ أحلامَكَ على أبوابها
    وفي أزقّتها،
    للقادمِ من أيامِكَ ارتكبتَ ذكرياتٍ عريضة
    في أعالي البحار،
    أغرتك حورياته،
    فنهلت بيديكَ منافيَ جديدة….
    أفعى تتمدّد في نهر الأيام
    تلدغ ظلال كلّ شيء،
    عارياً نشرتِ المنافي أعوامَكَ سنيناً عدداً”.
    وإذا ما هممنا بالخروج من عالم المدن، وأحوالها، ومسالكها، ومنعطفاتها التي كانت هدفاً لعين باسم الراصدة، ستواجهنا رزمة من البراهين الموحية، تلك التي تجلت في كتابته قصائد عن ناسه القريبين، وعن محيطه الحافل بالموروث العرفاني، والديني، والميثيولوجيات الصغيرة التي تخص الكائن الإنساني، ففي قصيدة “جدّي” يقول:
    “على شرفات المدينة
    شمسٌ تستيقظ على وقع أقدامِ جَدّي،
    عائداً من صلاته،
    حينها تكتظ أعمدة الكهرباء بالزقزقات”.

    https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A8-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%B0%D8%AC%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%B1%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B9/

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:13 am