انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مؤيد عليوي: من شعرية الرفض العراقية ديوان باسم فرات "مبكرًا في صباحٍ بعيد" أنموذجًا

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    مؤيد عليوي: من شعرية الرفض العراقية ديوان باسم فرات "مبكرًا في صباحٍ بعيد" أنموذجًا Empty مؤيد عليوي: من شعرية الرفض العراقية ديوان باسم فرات "مبكرًا في صباحٍ بعيد" أنموذجًا

    مُساهمة  Admin الأحد يناير 31, 2021 5:00 am

    من شعرية الرفض العراقية ديوان باسم فرات "مبكرًا في صباحٍ بعيد" أنموذجًا
    مؤيد عليوي

    تنبلج شعرية رفض الواقع العراقي بوضوح جليٍّ في ديوان « مبكراً في صباحٍ بعيدٍ» للشاعر العراقي والرحالة باسم فرات حيث يفصح نصه «المخيم» عن سبب الرفض الواقعي واليومي، من خلال توظيفه أحد أفعال الظن (حَسِبَ : أحسبُ) فيما يأتي منه : ( كنتُ أحسَــبُ أنَّـني سَـأَجْـنِي جَـنَـائِـنَ / شَـكَّلَها الْـهَـوَاءُ في غَـيْـبَـتي / والحماماتُ / تخيطُ طيرانَـهَا ظِـلالًا للفَـرح / انتظارًا لسَقْيِ لَـهْـفَـتي نَـهْـرَ المدينةِ/ كنتُ أحسَبُ /وأحسَبُ / وأحسَب/ ) فالشاعر كان يظن أنه سيجد خيرا في منطقة «محلة المخيم» من مدينة كربلاء ، وهي منطقة قريبة جدا من مكان ولادته (باب السلالمة) مشيًا على الأقدام أقل من عشر دقائق وفيها عمل الشاعر وهو أبن الثامنة أو التاسعة من عمره.
    أما التكرار الفني للفعل( أحسب) ثلاث مرات متتالية فما هو إلا لكثرة الأشياء المُراد تحقيقها أو كان يريد تحقيقها قبل مغادرته العراق سنة 1993، ليعود سنة 2011 فلم يجد حلماً واحداً قد تحقق كما يبوح النص بهذا، فيُعبر بكثرة وافرة عن تلك الأحلام التي لم تتحقق في المكان « محلة المخيم» برمزية واضحة عن الوطن، تتأتى هذه الكثرة من الفعل (أحسبُ) الذي يأخذ مفعولين فالمفعولين المحذوفين في كل فعل المتكرر لثلاث مرات، يعطيان معنى الكثرة لما لم يتحقق مما كان يحلم به الشاعرُ، كما يمنح بياض الصفحة الخالية من الكتابة بعد آخر فعل (أحسب)، فضاءً لتأمل القارئ أو المتلقي بكثرة الأحلام التي لم تتحقق بعدُ.. فالنص «المخيم» الذي هو بيت القصيد من الديوان في فكرة رفض الشاعر للواقع العراقي بما يريد الإنسان لوطنه أن يكون أجمل، إذ الشاعر صوت المجتمع وروحه الإبداعية المُعبرة عنه، حين يكون بهذا الصدق الفني في التعبير عن المشاعر والرؤية، فالشاعر أكثر أترابه بدائية – بدائية الإحساس والمشاعر مثل الإحساس الأول للإنسان بالماء والنار في المكان الاول-، وأعمقهم رؤية – ت. س إليوت-..، لينتهي نص «المخيم» بـ (لم تعُـدِ السَّـلالِـمُ تتنفَّسُ / تلك التي فَرَشْتُ عليها أياميَ الأولى/ والوصولُ إلى «التَّلِّ»* محضُ أمنيةٍ / لُـحًى /سَـرْبَـلَتِ اليقينَ بأساطيرَ/ وأَوكلَتْ عليهِ الوَحْـشَ/ حاولتُ أنْ أتْـرُكَ بَـصِـيرَتي تتسَـرَّبُ / إلى القَـبْـوِ الذِي يكمُـنُ فيهِ اللُّـغْــزُ / كانتْ كِلابٌ يُلطِّخُ نُـبَـاحُها الأزقَّـةَ والبُـيُـوتَ / تَنهَـشُ مَنْ يُـخْشَى أن يكونَ ابنًا ضائعًا للمدينة) في أنسنة السلالم التي لم تعد كما تركها أول أيامه تتنفس مرحه مرح الصبية واللعب في جانب نفسي إلى الحرية قبل هجرته في رفضه للدكتاتورية، والفوضى بعدها..
    فتتجلى شعرية رفض الواقع اليومي في ذهاب الشاعر إلى ذكرياته الخاصة المتصلة بالواقع وتبدأ من طفولته وما يتعاشق بها من علاقات أسرية بالأشخاص، والأمكنة والشخصيات التي مرت به في الماضي التي لها وقع في نفس الشاعر فتحرك خياله لإظهار الجمال الإنساني الغائب عن الواقع، ولتكون قصائد الديوان معادلًا موضوعيًّا عن رفض الحاضر وواقعه، فيصرّح الشاعرُ بهذا عن سبب استمراره بترحاله بعد عودته للعراق، في نص «صراخ» إذ العنوان يشير إلى رفض علني للواقع حيث المدلول الشعري له جليٌّ بما يتصل به من أول النص Sadيا إلـٰـهَ الغُـرَبَـاءِ / أنَـا غَـرِيبٌ / عُدَّتي مَـنْـفى/ وأحْـلامي وَطَـنٌ مطعونٌ في الخريطةِ / … / دُلَّـني/ على أرضٍ لا تجْـرَحُ مِـثْـلَ بغدادَ/ أَرْضٍ تُنبِتُ الشعرَ فقط/ …/ دُلَّـني / دُلَّـني على طُـرُقٍ لا تُـحَـاصِـرُها الفتاوى/ عن مُـدُنٍ لا يسْـكُـنُـها الماضي/ والأمواتُ مُـجَـرَّدُ قُـبُـورٍ خارجَ المدينة / عن عقيدةِ الْـمَـحَـبَّـةِ / تخلُو من العَـوِيـلِ والدَّمِ / حيث لا ظِـلَّ لِلسَّـمَاءِ في البلاد/ ..) وهذا الرفض للواقع العراقي نجده ينزاح من المدن العراقية إلى مدن أخرى حين زارها الشاعر في مثل نص « دمياط» حيث نقرأ ذات المدلول عن الأساطير مما سبق في نص «المخيم»، فمن نص «دمياط» : ( …/ انْـفَـصَـلَ إلى فَـرْعَـيْنِ / كان الأولُ؛ وهُـوَ دِمياطُ؛ ضَـحِـيَّـةَ شَـبَـقِ الأساطيرِ / ../ في دِمْـيَـاطَ الـتي غَـزَاهَـا الصَّـلـيـبـيُّـونَ مِـرَارًا / قَـطَـفْـتُ ذكرياتٍ يانِـعَـةً/ وزَرَعْـتُ حِكاياتٍ سَـيَـغْـمُـرُهَا البَـحْـرُ/ ويـسْـقِـيـهَا النِّـيـل.) ثم نلحظ فكرة الغزو والاحتلال هذه تتجلى ببعد عراقي في نص « وصية كتبها جندي بعد مقتله» فالهاجس عراقي واضح وكذلك النزعة وطنية إنسانية فيها بائنة وأنْ كُتبت بغطاء فني جمالي عن الاحتلال البريطاني لمصر والسودان في الماضي وتشبثها بسيطرتها على مصر أبان الحرب العالمية الثانية في معركة العلمين الشهيرة ، فالمدلول الشعري في النص يشير الى السبب في طريقة تعامل الاحتلال الامريكي وتشبثه في صراع مع بعض دول الجوار التي تحاول فرض سيطرتها في منافسة احتلال الامريكان للعراق لما بعد 2003، ذاك السبب الذي أدى بالعراقيين إلى حالة رفض الواقع ..
    أما في موضوعة الطفولة معادلًا موضوعيًّا متواشجًا بالمكان، فنجده في نص «خيبة طفولة» فيمرّ النص بشريط ذكريات عن الأرض الزراعية والجادة الترابية وعلاقة الشاعر بما حوله من الناس والنبات والنهر ..، فيقول عن هذا : (في طُـفُـولتي/ كنتُ أمُـرُّ عَـبْـرَ طريقٍ تُـرَابيٍّ/ تُـحِـيـطُـهُ بساتينُ نخيلٍ تحنُو على أشجارِ الفواكِهِ/تُـرَعٌ صغيرةٌ تسْـرِي الرعشةُ في جسدِها/ طيورٌ يُـنْـصِتُ لها الْـمَـكانُ/غِـنَـاءُ فلاحين تنتشي بهِ سَعَفاتُ النخل/ عَـرَباتٌ تَـجُـرُّهَا حَـمِـيرٌ / أُلْـقِي تحـيَّـتي على أصحابِـهَا/ فألْـمِـسُ النَّـدَى في ترحِـيـبِـهِمْ/ عصافيرُ تملأُ المكانَ / .. / والعاقُـولُ يَـهْـمِسُ بأنَّ هذهِ الأرضَ لَـهُ فيها تاريخٌ ..) فهذه الصور الفنية جميعها تشير إلى الحياة ونبضها وهو مفقود في الواقع المرفوض لأن صار بدلاً عنها الموت في تعبير عن الإسمنت الخرساني (الآنَ غريبٌ أنَا فيها/ أسألُ شقيقتي ومَنْ تَـبَـقَّى مِنْ أصدقاءِ تلكَ الأيامِ القدِيـمَـةِ: / أينَ ذلكَ الطريـقُ الترابيُّ / الطريقُ الذي تتبخْـتَـرُ على جانِـبَـيْـهِ بساتينُ/ مليئةٌ بِالثِّـمَـارِ والتغريداتِ والغِـنَـاءِ/ ويُـضِـيـئُـهُ جَـدْوَلٌ رَقْـرَاقٌ/ كلُّ هذا ذهَبَ مَعَكَ،/ هذا البناءُ الخرسانيُّ ألا تَـرَاهُ؟! / قالوا./ فنادِقُ سحَقَتْ كلَّ شيء.) لا يخلو من إشارة إلى قضية وطنية زراعية في التجاوز على الأراضي الزراعية.. كما نجد روحيّة الطفولة تبش وتهش في أغلب نصوص الديوان، ومثل الطفولة نجد نصوص : ( جدي، أمي، أمي حكاية أبي، وعبد عزيز الهر – جدّ أمّ الشاعر-) فجميع هذه الشخصيات القريبة من طفولة الشاعر وحياته كانت من الماضي ، كما نجدها في نصوص أخرى فالمشاعر والاحساس والرؤية في ديوان «مبكراً في صباح بعيد»، كانت معادلاً موضوعيًّا لرفض الواقع والانزياح إلى الماضي البعيد المتصل بالطفولة والنقاء، ومثلها نصوص عن الشخصيات التي مرّ بها الشاعر في كربلاء منها: نص(إبراهيم الزعفراني ) الذي يشي بنقاء الطفولة ثم يحكي النصُ قصة رحيل أبي الشاعر دفاعاً عن امرأة، فالشاعر يذكر نقاء أبيه وشجاعته ونقاء الشخصية الواقعية إبراهيم الزعفراني الثائر الكربلائي ضد جور العثمانيين وضرائبهم على الناس، التي وظفها خيال الشاعر حيث نقرأ : (بَلَّـلَتْ خُـصْـلةً من شَـعري دُموعُه / وبِـبَـرَاءةٍ وحيرةِ طفلٍ يتيمٍ سألتُهُ: / يا عَـمُّ ما اسْـمُك؟ / تبسَّـمَ، وقبلَ أن يضعَ قُبلتَهُ على رأسي / قال: / «إبراهيم الزعفراني».) ، وفي نصوص أخرى تتصل بالمعادل الموضوعي في نفس الشاعر الرافض للواقع تظهر شخصيات أخرى في الديوان على شكل نصوص منها ( رفات شاعر) والنص هدية إلى الشاعر محسن فاضل كريم أول من أخذ بيد الشاعر باسم فرات في طريق الشعر كما أنه ابن عمته ، فـيبدأ النص بالطفولة أيضًا (في العاشِـرَةِ مِـنْ عُمري حَـمَـلْتُ طُـفُـولَـتي/ إلى بُـسْـتَـانِ عَـمَّـتي / أَمَـامَـهُ؛ وببراءةِ طفلٍ وجُـنُـونِ عاشِـقٍ ورهبةِ زاهدٍ؛/ خَـرَجَ بَـوْحي وَاثِـقًا بِـخُـشُـوعٍ: / أُرِيـدُ أنْ أُصْـبِـحَ شَـاعِـرًا / ..)
    أما نصوص الأماكن فستكون أكثر وضوحًا في رفض الواقع بما يتصل بها من الذكريات من مثل نص (باب السلالمة) الذي يتناول بخيال وفن وجمال ما كانت عليه منطقة (باب السلالمة) التي فيها غرفة الشاعر والشارع والمؤذن و المئذنة والمقهى ونقاء الناس بصدق في كل شيء في حياتها ..، وفي نصوص أخرى للمكان من نوع ثانٍ فيها إشارة إلى السبب الأول من هذه السطور في نص «المخيم» ، منها نص « السليل وأسلافه» الذي يبدأ بـالمكان (مدينةُ الكَـهَـنَـةِ/ الـمُبْـتَـلَّةُ بِـنَـهْـرِ الفُـراتِ عَـنْـوَةً/ على ضِـفَّـتِـهَا بَـيْـدَاءُ / تُطِـلُّ بِـكَامِـلِ غِـزْلانِـهَا وكَـمَـئِـهَا / أَوْقَدَتْ تُـرَعًا وجَداولَ على سَـوَاحِـلِ أسْـوَاقِـهَا/ أَيْـنَـعَتْ بسـاتِـينُ ينمُو فيها الـنَّـخْـلُ والـزَّقْـزَقَاتُ/ وبَـيْنَ العُـذُوقِ يَـهْـطِـلُ صوتٌ حَـزينٌ/ تَـلْـبَـسُـهُ المدينةُ معظمَ الوقت..) فيكون الديوان معادلاً موضوعيّاً لهذا الرفض من وجهة ثانية.. وبين هذا وذاك في نصوص المكان نجد شعرية رفض الواقع تنثال من صفحات ديوان « مبكراً في صباحٍ بعيدٍ» من خلال الصور الفنية بجمالية توظيف سمات المكان التاريخية أو الحاضرة مع تفاعل شخصيات المجتمع فيه، فالشاعر يرفض الموت والحروب وممارسة خداع الناس باسم الدين واستغلال كل هذا وذاك في تجهيل المجتمع وتغييـبه عن حقه في الحياة مثلما تعيش شعوب الأرض، وهو الرحالة المطلع على حيوات كثيرة ومتنوعة للشعوب وكيف هي معيشتها في سلم أهلي وفي تنوع وصدق في كل شيء …


    جريدة الزوراء  العراقية
    31 كانون الثاني 2021 الأحد
    http://alzawraapaper.com/%D9%85%D9%86-%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D9%81%D8%B1/

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 9:07 am