انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أثير محمد شهاب، الهوية في أدب الرحلات "الحلم البوليفاري" أنموذجًا

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    أثير محمد شهاب، الهوية في أدب الرحلات "الحلم البوليفاري" أنموذجًا Empty أثير محمد شهاب، الهوية في أدب الرحلات "الحلم البوليفاري" أنموذجًا

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 27, 2021 6:08 am

    الهوية في أدب الرحلات _الحلم بوليفاري انموذجا

    بحث تقدم به
    أ.م.د أثير محمد شهاب
    كلية التربية للبنات /جامعة بغداد

    توطئة :
    بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين ,وعلى آله الطيبين الطاهرين .
    جاء هذا البحث ليجسد تمثلات الهوية في الحلم البوليفاري لباسم فرات ,ومن الجدير بالذكر ان هذا الكتاب قد حصل على الجائزة الاولى لادب الرحلات في مسابقة ناجي جواد الساعاتي لأدب الرحلات عام 2015 م,وحين قرأناه وجدنا ان الكاتب يضمنه رحلاته اليومية في مدن أمريكا الجنوبية ليبين من خلال تلك الرحلات الجغرافية الهوية المكانية لتلك الاماكن والتي غلب عليها الطابع العربي لكثرة الاسبان ,اذ يشير ان ثلاثة ملايين عربي هربوا من أسبانيا الى أمريكا الجنوبية ,وهؤلاء وان نسوا أسلافهم الا ان أثرهم الاسباني ابى الا ان يترك نفسه في العمارة والسلوك والتقاليد ,والمشاعر ,والحب والموسيقى ,والرقص الاندلسي ,ومن تلك المظاهر العمرانية تنجلي الهوية السكانية من خلال الآثار الاسبانية فيتضح الاصل السكاني المتمثل والكاشف عن هويته من خلال تلك التمظهرات العماراتية والسلوكية والتقاليد العربية السائدة ,فضلا عن ذلك فمن خلال تلك الرحلات أراد الكاتب ان يرمي عصفورين بحجر واحد كما يقال ,اذ تجسدت الهوية العراقية في بعض السياقات التشبيهية الخاصة والمتفردة بالهوية العراقية ,ولاشك ان الهوية في الحلم البوليفاري واضحة المعالم اذاستطاع الكاتب ان يبين الهوية والخصوصية التي يمتاز بها سكان امريكا الجنوبية من خلال رحلاته المختلفة في أماكن ومدن متعددة تلك الهوية العرقية او الدينية او المكانية ,واستطاع الكاتب في الحلم البوليفاري ان يظهر تلك التمثلات للهوية من خلال السلوكيات والعادات والتقاليد والازياء بصورة جلية ومختلفة ,فكانت وظيفة السارد في أدب الرحلات هو البحث عن الهوية في عصر التطور التكنالوجي ,وتطور تكنالوجيا الاتصال وهي مهمة صعبة ,اذ مع تطور العصر أصبحنا في بحثنا عن الهوية كمن يبحث عن الشئ في كومة من القش ,لكن أدب الرحلات يمتاز بخصوصية تمظهرات الهوية في أحداثه ,اذ تتمثل البصمات واضحة في المظاهر العمرانية الواضحة المعالم ولاسيما في الحلم البوليفاري وما تمثل فيه من انجلاء للهوية الاسبانية ,ولاشك ان الذي ساعد على هذا التمثل للهوية الاسبانية الاختلاف الكامل بالذوق والعمران والاعراف والعمران مابين الشعب الامريكي والاسباني ,ولابد من الاشارة الى ان الهوية السردية في الحلم البوليفاري كشفت عن هوية السارد فضلا عن هوية السكان الامريكي وتباين بصماتهم الواضحة في تفاصيل الرحلات المختلفة بمظاهرها وجوانبها المختلفة ,
    قسم البحث الى ثلاثة محاور كان الاول منها بعنوان (التعريف بأدب الرحلات ),عرضنا فيه ادب الرحلات عرضا موجزا ومكثفا ,وكان الثاني بعنوان (مفهوم الهوية السردية ) وتحدثنا فيه عن الهوية والسرد حديثا وافيا ,وجاء المحور الثالث بعنوان (تجسدالهوية في رحلات الحلم البوليفاري ) , وقد شكل هذا المحور الميمن الاساس في البحث كونه المحور الاجرائي التطبيقي التحليلي لبصمات الهوية السردية ,ثم خاتمة بالنتائج البحثية وقائمة بالهوامش والمصادر .

    المحور الاول : التعريف بأدب الرحلات
    تشغل الرحلة مكانة مهمة في الادب العربي ,والثقافة العربية ,فأهتم العرب بها واكثروا من التأليف فيها فجاءت هذه الرحلات متنوعة بتنوع مقصدياتها الاجتماعية والاقتصادية والادبية وغيرها ,فصاحب الرحلة يهتم بوصف الاقاليم والبلدان والعادات والتقاليد ,فبعض الارحلات كان هدفها الحج ,او لقاء العلماء والاخذ منهم ورحلات لربط اواصر الصداقة ,واخرى للسياحة والتجارة وغير ذلك .(1)
    فأدب الرحلة هو نوع من انواع الادب القديم الذي عرف في الماضي ,وارتبط بالرحلات التي كان يسافر فيها الرحالة العرب لاكتشاف اراض جديدة لم تكن معروفة في السابق ,وادب الرحلة هو المشاهدات التي وصلتنا من العصور الماضية والتي تحتوي على مجموعة من المشاهدات والقصص التي عاصرها الرحالة في الاماكن التي وصلوا اليها ,ويشمل ادب الرحلة على نقل مواصفات الطبيعة الموجودة في مناطق العالم غير المكتشفة ,فضلا عن احتوائها على سرد حول العادات ,والتقاليد السائدة عند الشعوب الذين عاشوا في تلك الاراضي والمناطق(2)
    وادب الرحلات هو الادب الذي يصور فيه الكاتب ما جرى من احداث وما صادفه من امور اثناء رحلة قام بها لاحد البلدان ,وتعد كتب الرحلات من اهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية ,لان الكاتب يستقي المعلومات والحقائق من المشاهدة الحية والتصوير المباشر ,ممايجعل قراءتها غنية وممتعة ومسلية ,وعدد كبير من الروايات والقصص يمكن ان يندرج احيانا تحت مسمى ادب الرحلات(3)
    وكانت بداية الرحلات منذ عصر النبوة ,فقد كان لقريش رحلتان احداهما في الشتاء والاخرى في الصيف ,وعندما تولى الخلفاء الراشدون امور المسلمين قاموا بتجييش الجيوش للفتوح الاسلامية في المشرق والمغرب ,مما ادى الى اتساع الرقعة الاسلامية فقاموا بفتح الطرق بين المدن المختلفة ,فانتشرت الرحلات في هذه البلدان المختلفة وكان هؤلاء الرحالون يقصون مشاهداتهم على الناس عند عودتهم ويدونون ملاحظاتهم .(4)
    ومن بدايات الرحلات رحلة سلام الترجمان في العصر العباسي ,ورحلة سليمان التجر ,ورحلة ابن وهب .اما ارحل المدونة فاقدمها رحلة ابن مصلان التي قام بها سنة 309 هجرية الى بلاد البلغار بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله ليقوم بتفقيه الناس في تلك البلاد بتعاليم الدين الاسلامي ,اما في بلاد المغرب او الاندلس فقد اولعوا بالرحلة منذ القدم كرحلة ابن بطوطة وابن جبيروالعبدري والمقدسي وغيرهم .(5)
    ومن الخصائص المميزة لادب الرحلات انها تحتوي على مجموعة من القصص والاحداث التي تسهم في نقل صور تأريخية للقراء ,وتصف طبيعة ومراحل الرحلة التي شارك بها الرحالة ,وتهتم الرحلة بتسجيل المعلومات الجغرافية حول المناطق الجديدة ,وتنقل الرحلات وصفا عن العادات السائدة عند سكان المناطق التس وصلها الرحالة ,وتنقل الرحلة التاريخ بصورة واقعية اي تقوم الرحلة بسرد قصص حول شخصيات حقيقية .(6)
    وان وجود النزعة القصصية في ادب الرحلات امر طبيعي لما يتخلل الرحلة من حوادث ومواقف تستحث الرحلة على التسجيل وصياغة هذه الحوادث في اسلوب قصصي يعتمد الاثارة والتشويق في كثير من الاحيان ,والرحلة في حد ذاتها قصة ان لم تتوافر فيها خصائص القصة فهي تشاركها في بعض خواصها ,اذ ان الرحالين جنحوا الى سرد القصص التي عاشوها او سمعوا بها وكان سردهم لهذه القصص بعفوية وحيوية قربت الرحلة من عالم القصة فضلا عن الوصف الدقيق الذي قرب الرحلة من القصة من فكرة وبناء وحبكة وبيئة زمانية ومكانية ,وشخصيات .(7)
    ولابد من الاشارة الى ان كثيرا من اصحاب ادب الرحلات اهتموا بالحديث عن عادات الامم والشعوب وقصوا ماعندهم من اساطير .وادب الرحلة نوع من السيرة الذاتية لما يورد فيها الرحالة من معلومات مختلفة عن حياته ,فالرحلة تتاثر بشخصية كاتبها الذي لم يكن همه فقط ايراد الحقائق بل التأثير في قارئها ايضا فظهرت شخصيات الرحالة وطبيعة امزجتهم ونفسياتهم من خلال ما دونوه ,فالانسان قد طبع على حب المعرفة والاستطلاع والتعرف على مظاهر الحياة المختلفة ,وفي السفر والرحلة فوائد جمة لاتعد ولاتحصى ,وبذلك فادب الرحلة فن خدم الانواع المختلفة من الادب على مر الزمان وحفظ المعلومات القيمة من ان تضيع .(Cool


    المحور الثاني :مفهوم الهوية السردية
    نتحدث في هذا المحور عن الهوية السردية وقبل ان ندخل في المصطلح المركب واهمية الهوية في السرد علينا ان نقول ان السرد لغة هو:"الحديث ونحوه يسرده سردا اذا تابعه ,وفلان يسرد الحديث سردا ,اذا كان جيد السياق له "(9)
    والسرد اصطلاحا : هو اسلوب من الاساليب المتبعة في القصص والروايات ,وكتابة المسرحيات ,وهو النشاط السردي الذي يظطلع به الراوي وهو يروي حكاية وهو وجه من وجوه التواصل او العمل التواصلي بين الراوي والمروي له (10)
    ويعتمد السرد على مقومات عدة تشكله وتميزه عن غيره وتلك المقومات هي زمانية ومكانية وحدثية وحوارية وشخوصية ,ومما لاشك فيه ان التتابع في الاحداث والحوارية بين الشخوص ودلالة الامكنة والاستباق والاسترجاع الزمني كل تلك الآليات السردية تضفي عامل التشويق والابداع على النص الشعري مما يعزز انتباه المتلقي وتشوقه للتتابع النصي للاحداث .(11)
    اما الهوية التي نرغب الحديث عنها هي بضم الهاء وكسر الواو التي معناها الاشارة الى الشخص .والبحث في الهوية يجعل العلاقة قريبة من مفهوم الانتماء ,لانهما متلازمان في الوظيفة فالانتماء يؤثر في اسهام الفرد في الحياة السياسية ,والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد التي يسكنها .(12)
    والهوية التي نقصدها هي الامتياز الخاص الذي يجعل الانسان انسانا له سماته وخصوصيته التي متى مافقدها يبدأ الصراع الداخلي ,وتبدأعلامات عدم الثيات تهيمن على سلوكه فما يعد في مجتمع ما اثما يعد في مجتمع آخر فضيلة ,وهذا يدل على ان الهوية بما تحمله من طقوس وعادات ةتقاليد وقيم امتياز سيميائي يدل على نمط اجتماعي وسلوكي ونفسي .(13)


    المحور الثالث:تجسيد الهوية في الحلم البوليفاري
    يعد هذا المحور المرتكز الاساس لانه يمثل الجانب التطبيقي الاجرائي التحليلي الذي يعكس تمثلات الهوية للسارد والمسرود في الحلم البوليفاري في رحلاته اليومية المتعددة في أماكنها ,فكل رحلة هي بمثابة هوية مكانية للمسرود المكاني بجغرافيته وشخوصه ,فضلا عن هوية السارد وما يمتلكه من مرجعيات تكوينية بصمت في دواخله واعطته الهوية السردية من عادات وافكار وغيرها من البصمات التكوينية التي كونت هويته الشخصية الظاهرة في اللاوعي السردي .
    تتمثلب الهوية السردية في الرحلة الاولى والتي بعنوان متاهة الامازون اذ تتجسد في هذه الرحلة المكانية في غابات الامازون الهوية المكانية هوية المسرود والسارد في الوقت نفسه ويتمثل ذلك في قول الراوي "واصلنا المسير وسط عشرات الآلآف من الاشجار والشجيرات والنباتات والحشرات والطيور والمكان لايخلو من الحيوانات المفترسة والزواحف السامة ,وكان الدليل بسكينه الطويل الذي يشبه تلك الآلة الحادة التي ندعوها في العراق (القامة) حيث تستخدم للتطبير في العاشر من المحرم .كان يقطع الاغصان وبكثرة فأنزعجت من فعلته .شعرت به -أو أوحلى لي عمله هذا – انه عدو للطبيعة ,فلم اتمالك نفسي وسألت من كان معي بكل لطف :"لماذا فعل دليلنا هذا بالاغصان ؟" فجاءت الاجابة انه يقوم بوضع اشارات للمكان لكي لانتيه في هذه الغابات بأشجارها العملاقة ,اذن اسات الظن به ,فهو يحذر المتاهة التي يجب الحذر منها بكل بصيرة واصلنا توغلنا ,تذكرت كتاب فاضل العزاوي "بعيدا داخل الغابة ",هذا الكتاب الذي جلبه لي مع مجموعة من الكتب زميل في العمل حين كنت اعمل في الاهلية ابيلا في عمان سنة 1996 م ,فحين عرف شغفي بالقراءة وأني حسب قوله شاعر وهي كلمة ارتجف حين أقولها أخبرني ان شقيقه يعمل في الرقابة الاردنية ولديهم في البيت الكثير من الكتب ,كانت كمية مغرية حين عدت بها ليلا والتقيت بصديق (تقطعت بنا السبل الان ),قبل وصولي للبيت استعارها مني ولم ارها ,وكان كتاب فاضل العزاوي( بعيدا داخل الغابة ) اكثر كتاب حزنت عليه ...............,رأينا انواعا لاحصر لها من الجشرات وثلاثة واربعين نوعا من النمل ,مختلفة الالوان والاحجام ,بعضها قرصته كأنها لدغة عقرب بقوة وجعها ولن يخف الوجع الابعد ثم اني ساعات "(14)
    فاننا حين نتأمل ذلك المقطع السردي الوصفي لغابات الامازون تتمثال امامنا الامتزاج السردي بين هوية السارد والمسرود بشكل متناسق في نسجه المضمر ,فالسارد وهو يتحدث عن الامازون يعطيه الهوية المكانية من تشابك الاشجار والحيوانات المفترسة والحشرات والطيور فبعد ان اكسبها الهوية الجغرافية الطبيعية ,يطالعنا السارد بهويته العراقية من خلال الصورة التشبيهية الماثلة في النص اذ يشبه السكين التي تقطع الاشجار بالقامة التي يوظفها العراقيون في التطبير في الشعائر الحسينية في محرم ولاشك ان تلك الطقوس الدينية العراقية كشفت النقاب عن البصمان الفكرية او المرجعيات الداخلية الكامنة في التكوين الشخصي للسارد والتي برزت هويته العراقية من خلال التخييل او التشبيه الموازن بين السكين والقامة من خلال الاسترجاع والذاكرة التكوينية التي برزت من خلال هوية المسرود (غابات الامازون ),وفضلا عن هويته العراقية كشف السارد عن هويته الشعرية من خلال استذكار كتاب فاضل الربيعي الذي كان ينعته بالشاعر الملهم بقراءة الكتب وبذلك تتجلى لنا هوية السارد الشاعر والقارئ معا ,وتتوالى الاوصاف في الكشف عن الهوية المكانية الجغرافية لغابات الامازون والتي انعكست قساوة طبيعتها على شخزصها بالتأكيد من خلال السكين الحادة القاطعة للاشجار, فضلا عن وجود الحشرات الغريبة فالنمل قرصته كأنه عقرب ولن يخف وجعه الابعد ثماني ساعات ,وبالتالي فأن السارد استطاع من خلال تلك الاوصاف للمسرود ان يكون الهوية الوحشية المفترسة لتلك البقعة المكانية .
    ومما لاشك فيه ان السارد كثيرا مايكشف عن هويته الشعرية وولعه بالشعر في مقاطع كثيرة من رحلاته المتعددة وفي سياقات تشبيهية مختلفة فنراه يكشف عن هويته الشعرية من خلال وصفه للاميرة كويلاغو التي تفتح له اهرامات كوتشاسقي اذ يقول "حين زرت كوتشاسقي ,استقبلتني الاميرة كويلاغو ,خلفها سرب من الصبايا يحملن شعرها ,كان طويلا أطول من معلقة أمرئ القيس ,ورغم نعومته الواضحة وحلكة سواده ثمة نور وجموح يتوزعانه كما لوكنت أقرأ طرفة بن العبد في جموحه والذي أسرني جموحه كما حياته "(15)
    فالسارد او الراوي الذي هو البطل نفسه بالطبع في تلك الرحلات المختلفة يكشف عن هويته الشعرية من خلال وصف الشخصية الرئيسة في المسرود وهي شخصية الاميرة ووصف شعرها فمن خلال بيان هويتها الجمالية وجمال شعرها وطوله كشف النقاب عن هويته الشعرية من خلال السياق التشبيهي بين شعرها ومعلقة امرئ القيس في الطول والاستهلال الليلي في المعلقة الذي يعطي الهوية السوداء الجميلة لذلك الشعر الطويل الناعم ,ومن ثم يؤكد هويته الشعرية بالتشبيه الثاني اذ يشبه جموح الشعر بشعر طرفة بن العبد وشخصيته الجامحة فكرا وشعر,فضلا عن ذلك فهو بذلك الوصف يعطي الشخصية الرئيسة (الاميرة ) هوية الهيبة والجموح والوقار اذ يعطيها الهوية الجمالية المعنوية والشكلية .فضلا عن الهوية العربية المتأصلة بالتوغل الاسباني المتمظهر بالصفات الجمالية للعرب من شعر اسود وجموح أبي وتلك الهوية العربية المضمرة للشخصية الرئيسة (الاميرة ),اوحت للسارد ان يسوق التشبيه العربي الاصيل المتمثل بأمرئ القيس وطرفة ذلك السياق الملهم الذي كشف النقاب عن هوية السارد الشعرية .
    وفي الرحلة نفسها نجد ان السارد يصف تلك الاهرامات ومافيها من متاحف ثمينة تمثل الهوية الاندلسية والذوق الاسباني المتوغل في البناء والطراز العربي الاصيل اذ يقول :"رأيت فخاريات بعضها ملونة وذات صنع متقن ,حتى كأنها صنعت في يومنا هذا وثمة مسامير صخرية وهي ذاتها المعروضة في ارضية التقويمين الشمسي والقمري ,هكذا اخبرتني الاميرة كويلاغو ,ولعبة تقليدية موجودة في منطقتنا العربية ,هي لعبة الدوامة وتسمى في العراق (المرصع )و(المرصعة ) اثارت دهشتي ووقوف يامامها مسترجعا طفولة ولعبة نادرا ما لعبتها ولم أحسن مزاولتها ......كيف وصلت هذه اللعبة الى هنا ,هكذا سألت نفسي لاراجعها مؤنبا على التفكير العنصري والاقصائي....اذ ان الفطرة الانسانية جعلت الكثير من الامور تتشابه اخلاقيات وطرق معيشة ولهو وبراءة الطفولة وبعض الصناعات .....و متحف آخر مبني من الطرازالاكواردي والانديزي القديم كانت الاميرة كويلاغو وهي تصحينس لتختتم جولتنا تحدثني عن ان هذه العمارة هي ما كانت عليه قبل اكثر من الف سنة هو بيت دائري الشكل ,مبني من الطين المخلوط بنباتات كما هو الحال في العراق وعالمنا العربي,ورغم انني ممديني أبا عن جد ,رأيت اكواخ الفقراء الذين نزحوا من اهوار العراق واعماق ربفه ,وثمة تشابه لاينكر بينها وبين اكواخ الانديزيين والامازونيين ,سوى ان الاخيرين اكواخهم مرتفعة عن الارض اكثر من متر ,كما هي بيوت الجنوب آسيويين ,والسبب كثرة الامطار التي تجعل مناطق شاسعة من الامازون وجنوب شرق آسيا مليئة بالمياه كما هي منطقة مستنقعات واهوار العراق "(16)
    في البدء جسد السارد الهوية العربية المتخفية في المناطق الامريكية من خلال العمارة والبنقوش العربية فضلا عن لعبة المرصع او المرصعة التي كشفت النقاب عن الهوية السكانية لهؤلاء السكان في هذه المدينة وهي الهوية العربية للاجناس العربية النازحة والمتعددة ,ومن خلال هوية المسرود المكاني والسكاني تتمفصل الهوية السردية للسارد بجذوره العراقية في الابداع الاستذكاري السردي حيث تذكر لعبة المرصع وطفولته معها ,فضلا عن البنايات التي تشبه الاكواخ الطينية النباتية في جنوب العراق وهذا السياق التشبيهي ايضا كان مؤشرا آخر في بيان هوية السارد والمسرود واصول نشأتهما .
    وغالبا مايتعمد السارد الى بيان هويته السردية من خلال هوية المسرود المكاني ,
    لذلك فقد انتقينا تلك الشواهد التي تمتزج فيها الهوية السردية للسارد والمسرود في سياق فني تشكيلي ومن ذلك وصفه لمدينة ليما عاصمة بيرو اذ يقول "ليما عاصمة البيرو لاتعرف المطر ,ولاتعنيها الثلوج والاعاصير والبرق والرعد بشيء ,صحراء على شفة محيط ,ومحيط يتأهب لعناقها ,ثمة انهار تحاول ان تقترب منها ,هو غزل يشبه غزلي وانا طفل بفتاة كربلائية ,كانت فتنتها تذهلني بل حركت في مالايجوز لطفل ان يعرفه ويتحرك فيه ,فتاة ضاعت في زحام السنين والمنافي ,وبقي لون شعرها العسلي الطويل حتى أعلى الركبتين قليلا في يدي ,اتحسسها كلما هزني الحنين لوطن أخشى ان يتلاشى مرة قلت لها "كنت حلما فأصبحت ذكرى" غضبت مني ولم تعد .ليما تشبه بغداد ,لكن بلا تفجيرات ومفخخات زسيطرات لاحصر لها ,فحين دخلت المدينة كانت بيوتها تقول لي انظر كم اشبه بغدادك التي لاتغادر انفاسك ,بيوتها بحدائقها ,لكن الحدائق العامة اكثر ,والمتاحف ايضا ,والحريات الشخصية اوسع ,وليما فيها شبه من دمشق ايضا ,فهي بلا تلال وجبال كعمان ولكن جبالها ليست بعيدة عنها اي انها محصورة بين جبال ومحيط ,حين نظرت لجبالها البعيدة تذكرت قاسيون ,لكن قاسيون نأى كثيرا عن البحر اوربما العكس ,قلة من النساء من لايرتدين السروال القصير ....والقميص بلا اكمام ويبرز الكتفين مع منطقتي الصدر والظهر ,في ليما التي آثار العمارة العربية واضحة في معالمها تم الحفاظ على المدينة القديمة ويطلق عليها المدينة التاريخية ....لكن هذه المدينة جد صغيرة قياسا بالمدينة القديمة لكيتو عاصمة الاكوادور التي اسكنها منذ عام 2011" .
    الخاتمة :
    خلص البحث الى ان تمثلات الهوية في رحلات الحلم البوليفاري كانت في اغلبها ترمي الى بيان هوية السارد والمسرود في سياق وصفي وسردي متجانس من خلال جغرافية الاماكن وطبيعتها فضلا عن العادات والتقاليد والعمران وكانت تلك الشخصية او الهوية تبرز في سياقات تشبيهية موازنة في رؤى متعددة تبين العادات والتقاليد العربية الماثلة في المجتمع الامريكي الذي بات خليطا من العرب على اختلاف هوياتهم ,فضلا عن ذلك فقد كان السارد (البطل) حريصا على إبراز هويته العراقية فضلا عن هويته الشعرية كونه شاعرًا ومحبًّا للشعر والأدب ,وقد اتكأ السارد في بيان تلك الهويات على الأسلوب التشبيهي والمرجعيات التراثية الكامنة في شخصه من خلال الاستدعاء الاستذكاري .
    هوامش البحث ومصادره :






      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 7:35 pm