لم أكن أعرفه بعد، حين كتبت عن ((أشد الهديل)) و((خريف المآذن))، وكانت عبارة عن قراءة نقدية واحدة تحت عنوان (شعرية المحنة والنزوع إلى صدمة المكاشفة)، كنت أنفّذ ذلك بعيدا عنه _ جغرافيا _ بما يربو على نهرين ومحيطين وحشد من القارات غير المستكشفة في قاموس (نفينا) الداخلي العنيد. لكن المغامرين أمثالنا لا يأبهون لفداحة الجغرافيا وهي تزرع حقولها الشائكة أمام الشعر.. الشعراء مغامرون بالضرورة.. منفيون بالضرورة !
كلما اتسعت الهوّة بين إقامتنا الداخلية ومجاهل المكان، نصبنا جسور المعرفة ومددنا الطرق لمباهج خاصة مستدلّين بفنارات للرؤى والتخيل والعشق والإيمان والتأمل، كي نستكشف ما هو قادم، مثلما نعيد استكشاف ما هو فائت أيضا.
ليس هذا ما أردت قوله تماما عن الشاعر باسم فرات، بل ربما أشياء أخرى، ومن بينها، أن الغرابة الملفتة في الفن تكمن في ((جاذبية اللامكتمل)) أي ((أن اللامكتمل يؤثر غالبا أكثر من المكتمل، هنا نحتاج بالتحديد إلى سحر اللامكتمل بصفته عنصرا غير عقلاني يعكس لخيال المتلقي بحرا، ويحجب كالضباب المنعطف المواجه)) _ على حد تعبير نيتشة _ لذلك وكما يرى ((الاكتمال يولّد الضعف)) .. ربما هذا أحد الممرات السرية التي تقودنا للكتابة عن الآخر مستدلّين بهدي نافذة تطلّ على العالم من خلال زجاج عاكس، والنصف الآخر مستور بشكوكه وإحتمالياته ومفاجآته كذلك.
إذن.. المنجز الفني أولا، كان وسيلة الاتصال بيننا.. قلت في سرّي وأنا أتلمس إقامة الشاعر في منفاه، وكأنها حالة متطرفة من المجاز: الشعر طفل خرافي أو الإله أطلس، أو جلجامش الباحث عن الخلود في زمن اللاخلود، لا سيما أن ذاكرة الشاعر قد التهمت كل شيء في مائدة محنتها الملتصقة بالمكان _ الأم _ وأزمانها المختزلة على البياض المسود، كطبخة ميثولوجية للألم، ذلك الذي لم يتآلف بعد مع المنفى ولن يكون وهو ما يجعله ينزع إلى صدمة مكاشفاته الوجدانية واللغوية عبر منجزه الشعري، كي يبحث عن نمط من التآلف البديل.
باسم فرات.. حين تعرفت عليه فيما بعد عبر رسائل الماسنجر والبريد الالكتروني، كان لا يختلف كثيرا عما يكتبه شعرية ، وهذا شيء نادر لا تجده إلا عند الأشخاص الذين يبحثون عن السمو في حياتهم الشخصية، وقد يحسبه البعض نرجسياً مفرطاً في نرجسيته، غير أنها، إن وجدت، نرجسية البراءة بلا شك وتلك التي تجعل من الأطفال محببين ومدهشين ونادرين، كونهم يعتقدون بأن العالم خلق لأجلهم، وإن المخلوقات مرآة وجدت كي يروا من خلالها أرواحهم وهي تحلّق في المجاهيل !
شاعر وكاتب عراقي/ ميسان
آيار 2008
كلما اتسعت الهوّة بين إقامتنا الداخلية ومجاهل المكان، نصبنا جسور المعرفة ومددنا الطرق لمباهج خاصة مستدلّين بفنارات للرؤى والتخيل والعشق والإيمان والتأمل، كي نستكشف ما هو قادم، مثلما نعيد استكشاف ما هو فائت أيضا.
ليس هذا ما أردت قوله تماما عن الشاعر باسم فرات، بل ربما أشياء أخرى، ومن بينها، أن الغرابة الملفتة في الفن تكمن في ((جاذبية اللامكتمل)) أي ((أن اللامكتمل يؤثر غالبا أكثر من المكتمل، هنا نحتاج بالتحديد إلى سحر اللامكتمل بصفته عنصرا غير عقلاني يعكس لخيال المتلقي بحرا، ويحجب كالضباب المنعطف المواجه)) _ على حد تعبير نيتشة _ لذلك وكما يرى ((الاكتمال يولّد الضعف)) .. ربما هذا أحد الممرات السرية التي تقودنا للكتابة عن الآخر مستدلّين بهدي نافذة تطلّ على العالم من خلال زجاج عاكس، والنصف الآخر مستور بشكوكه وإحتمالياته ومفاجآته كذلك.
إذن.. المنجز الفني أولا، كان وسيلة الاتصال بيننا.. قلت في سرّي وأنا أتلمس إقامة الشاعر في منفاه، وكأنها حالة متطرفة من المجاز: الشعر طفل خرافي أو الإله أطلس، أو جلجامش الباحث عن الخلود في زمن اللاخلود، لا سيما أن ذاكرة الشاعر قد التهمت كل شيء في مائدة محنتها الملتصقة بالمكان _ الأم _ وأزمانها المختزلة على البياض المسود، كطبخة ميثولوجية للألم، ذلك الذي لم يتآلف بعد مع المنفى ولن يكون وهو ما يجعله ينزع إلى صدمة مكاشفاته الوجدانية واللغوية عبر منجزه الشعري، كي يبحث عن نمط من التآلف البديل.
باسم فرات.. حين تعرفت عليه فيما بعد عبر رسائل الماسنجر والبريد الالكتروني، كان لا يختلف كثيرا عما يكتبه شعرية ، وهذا شيء نادر لا تجده إلا عند الأشخاص الذين يبحثون عن السمو في حياتهم الشخصية، وقد يحسبه البعض نرجسياً مفرطاً في نرجسيته، غير أنها، إن وجدت، نرجسية البراءة بلا شك وتلك التي تجعل من الأطفال محببين ومدهشين ونادرين، كونهم يعتقدون بأن العالم خلق لأجلهم، وإن المخلوقات مرآة وجدت كي يروا من خلالها أرواحهم وهي تحلّق في المجاهيل !
شاعر وكاتب عراقي/ ميسان
آيار 2008