وكالة الأنباء العراقية المستقلة /ناظم السعود ...حين تصل هذه السطور الى القّراء يكون الشاعر الكربلائي باسم فرات قد وصل جغرافيته الاغترابية الجديدة في دولة " الإكوادور" التي تطل على المحيط الهادي
ويمر فيها خط الاستواء ! ، وكان شاعرنا قد زار العراق قبل ستة أشهر ، وقيل يومها أن مرض والدته كان سببا ظاهرا للعودة بعد اغتراب ناهز عشرين عاما ولكنني تبينت أن ذاك السبب لم يكن الوحيد والدليل أن ( الوالدة ) انتقلت إلى رحمة الله بعد أسابيع من عودته ولكنه ظلّ يؤجّل عودته إلى مهجره من جديد .
وقد وصل الشاعر إلى بيته العراقي بعد أن حقق حضوراً شعرياً متنامياً في بلدان عربية وغربية وبات اسماً متداولا في الشعر العالمي بعد أن عقدت له ندوات وأقيمت عنه محاور في الدوريات والمهرجانات بل إن نيوزلندة أصدرت له ديوانا بالانكليزية يعد أول ديوان شعري عربي يتم ترجمته في تلك البلاد وإذا أضفنا الاحتفاءات الكثيرة التي نظمت له وعن شعره في بلدان عديدة مثل استراليا ونيوزلندة ولاوس واليابان وسواها أدركنا أننا إزاء سندباد شعري معاصر يعّدد رحلاته بامتياز .
وكنت كتبت مراراً أن الجغرافيا – في تبدلانها وتغريباتها وفجائعها – تؤدي في بلادنا الى قتل التاريخ ولا سيما للمبدعين الذين هم أول ضحايا العسف الجغرافي المزمن ، إذا كنت كتبت وقلت ذلك فان الشاعر باسم فرات يعطي مثالا مضادا لذلك الرأي بعد ان جعل من الجغرافيات ( البديلة ) التي لجا إليها جبرا واختيارا مهادا لصنع التاريخ واثبات الحضور والتفوق في عالم عابر للهويات ، فهذا الشاعر حين (( عبر الحدود مصادفة )) لم يكن قد نشر هنا الا ثلاث قصائد وبدفع من الأصدقاء ،بمعنى انه خرج خاليا من أثقال المنجز الشخصي الذي غدا وبالا على غيره في أوطانهم البديلة والمفرح هنا ان باسما حفر تاريخه هناك في ظل جغرافيا مفتوحة وجاذبة للإبداع وإغراء من بيئات صحية قادرة على فرز الناجح واللافت والاحتفاء بهما.. بعيدا عن جغرافيا طاردة وبيئة لا تني تطفئ النجوم وتمحق من لا تاريخ له !.
الشهرة العربية والعالمية التي سبقت الحضور الفيزيائي لباسم فرات لم تشجع أحداً من المسؤولين وربابنة الثقافة الجديد بإقامة ولو استقبال خجول أو تنظيم لقاء احتفالي بعودته وهو الذي كتب عنه أكثر من 120 دارساً وناقداً وأديباً عراقياً وعربياً وعالمياً ووضعت عنه مجموعة من الكتب النقدية والحوارية وبعدة لغات، تصوروا أن لا أحد( خارج منظمات المجتمع المدني الأدبي ) من وزارة الثقافة أو دار الشؤون الثقافية أو الإذاعة والتلفزيون أو حتى المسؤولين في محافظة كربلاء حيث ولد وتقيم عائلة الشاعر لم يكلف أحد نفسه بلقاء الشاعر الذي اضطر للمغادرة مجهولا ومجبرا وعاد إلى الجميع مختارا وقد أصبح أحد نجوم الشعر العربي بجهده واجتهاده وتحويله الجغرافيا الى تاريخ !.
ولي هنا أن أخاطب هذا الشاعر الموشوم بمحنة الاغتراب : قدرك أن تكون سندبادا شعرياً تبحر من مدينة شرقية لتحط في بلاد غربية وتلوب فوق الجغرافيات بحثاً عن أمان مفتقد وحضن يدفّئ إبداعك .. فعساك أن تجد نفسك في أرض ( الإكوادور ) !.
http://www.ina-iraq.com/news/maqalat/3972.html