قراءة تحليلية في قصيدة "كش ملك" للشاعر باسم فرات
كش ملك
حين هَممتُ بعُبور الشمال
نحو شمالٍ يجرّ خلفَهُ شمالاً
ويعلوه جنوبي الوحيد
رَمَقَني بأحلامِهِ رجلٌ يَتَشَبَّثُ بشبابِهِ
حدثني عن أطفالٍ ينسبون له
يرتدون اسمه
ويخلعُ وجوهَهم
عن رحلات الأفيون الوعرة
وشهداء الطريق
كان يُدَخّن نخب ذكراهم وهي تسيل على شهيقه
قرأتُ دموعًا يتستر عليها برجولته
وحينَ انهمر البوحُ
جرحتني معارك وخياناتٌ
شرطةٌ تتكتمُ بنصف عرقِ جبينِهم
وساسةُ بعد الثراء قالوا لهم:
كش ملك.
30 كانون الأول 2010
تشنغ راي/ تايلند
في مطلع هذا النص يصور الشاعر الشمال المتسع الذي ذهب إليه إذ يقول: حين هممتُ بعبور الشمال/ نحو شمالٍ يجرّ خلفه شمالاً/ فالشمال هنا قد تحوّل إلى أكثر من شمال ويزداد اتساعه حين يستعمل الشاعر الاسلوب التجسيدي فيجعل الشمال يجرّ خلفه شمالاً آخر وتزداد مسافة الاتساع التي تشي بالاغتراب حين يُحيلُ ذاته مكاناً يمثل الجهة المقابلة إذ يقول: "ويعلوه جنوبي الوحيد". في هذا الشمال البعيد يتحول الشاعر إلى مستمعٍ لراوٍ يروي له حكايته المؤلمة التي تمثل ظاهرةً إجتماعية في محيطها هي الإتجار بالمخدرات وبتأثير تلك الحكاية يتحول الشاعرُ إلى راوٍ ليشكّلَ من تلك الحكاية "حينَ ينهمرُ البوحُ" نصاً شعرياً إذ يقول: وحين انهمرَ البوحُ/ جرحتني معاركُ وخياناتٌ/ شرطةٌ تتكتمُ بنصف عرقِ جبينِهم/ وساسةُ بعد الثراء قالوا لهم:/ كش ملك./ فالحديث تحول إلى صيغة البوح بما هو سرٌّ مخفي وبالأسلوب الاستعاري أحالَ الشاعرُ عملية البوحِ على المستوى الاجرائي إلى انهمار فشكّلَ بذلك صورةً ذهنية تشي برغبة المتحدث الكبيرة في كشف ماهو مخفيّ. لقد كان البوحُ منهمراً كالمطر فأحاله الشاعر لغة شعرية. فالمعارك والخيانات التي تحدث عنها ذلك الرجل جرّحَتْ ذات الشاعر، أما الشرطة التي كانت ترصدُ كل ماهو محضور فقد قال عنها الشاعر: شرطَةٌ تَتَكَتّمُ بِنِصْفِ عَرَقِ جَبينِهم/ إشارة إلى أن الشرطة كانت تقتسم معهم ما يحصلون عليه. أما الساسة فبعد أن أثروا قالوا لهم كش ملك/. لقد كان عنوان النص كش ملك خاتمةً له وفي هذا تأكيد لدلالة الرفض المتأصلة في ذات الشاعر الذي كان موفقاً في تصويره لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة وهو يرسمُ لنا صورة الخيانات وبمستوياتها المختلفة.