انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أمجد نجم الزيدي:باسم فرات يستعيد الخافت من الكلمات ليبث الروح فيها

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

     أمجد نجم الزيدي:باسم فرات يستعيد الخافت من الكلمات ليبث الروح فيها Empty أمجد نجم الزيدي:باسم فرات يستعيد الخافت من الكلمات ليبث الروح فيها

    مُساهمة  Admin الأحد يوليو 01, 2012 1:57 pm

    لغة الضوء لغة الألم المقدس


    جعلت قصيدة النثر الكتابة الشعرية صعبة جداً، عكس مايروج الكثيرون، إذ إن مهمة الشعراء تبدو عسيرة في هذا اللون من الكتابة، بضخ حرارة الشعر في برودة النثر، ليتسنى لهم نقل اللغة من نثريتها ومواضعاتها القياسية إلى واحة أكثر اتساعا ورحابة، وهي واحة الشعر، ومن أهم الأدوات التي استعان بها الشاعر النثري هي بنية الإيقاع الداخلي، والتي تنبني على عملية مقابلة أو توازي أو تعارض بين دلالات وعلامات النص، بعملية تناوبية أو تقابلية، وذلك عندما تندمج العلامات في بنى متضادة ومتنافرة، بيد إنها متوحدة في تركيبها العلامي والرمزي، لذلك فعملية القراءة تستوجب قدرة فائقة على رصد علامات النص ومرجعياتها والإيقاع الدلالي الداخلي، للوصول إلى البنية العلامية والدلالية العامة للنص.
    ففي نصوص الشاعر باسم فرات في مجموعته الشعرية (إلى لغة الضوء) نتلمس بنية الإيقاع الداخلي، عندما تتوزع دلالاتها على عدة محاور تكشف المبنى الدلالي والعلامي للنص، حيث تظهر نصوص المجموعة ومن خلال ايحائية دلالاتها وتمثلات لغتها، ارتباطها بدلالة مهمة تعيد تشكيل البنية العلامية لمجمل النصوص، وهي دلالة (الألم) التي تسيطر على بنية النص وعلى العلاقات البنائية المشكلة للصورة الشعرية، حيث قامت معظم النصوص بترجمتها، إلى مجموعة من التعابير والدلالات والعلامات التي تظهر وتكشف عمق الألم الإنساني الذي تحاول النصوص من إعلانه والتصريح به، حيث يقول الشاعر في نص (جنوب مطلق):-
    لي من الحروب تذكار
    ومن البلاد أقصى الجراح
    لي من الأسى دموع المشاحيف وارتباك القصب
    تأوهات النخل
    بوح البرتقال
    دم الأسى
    حيث نرى بأن هذا الألم كان ممثلا للحروب صانعة المآسي والتي تتشكل في مديات كبيرة من مرادفاتها المقترنة بالأسى والدموع والتأوهات، حيث يتوزع في زوايا البنية المكانية الأليفة والمقترنة بتشكلاتها المكانية والدلالية المعبرة، وأيضا عندما يقترن معه المنفى لأنثيال الألم، ألم الفراق والغربة.
    يا أبن الشمس
    والأنهار التي تطلق الكوارث من شَدَقاتِها
    مثلما تطلق الكتب المقدسة والأنبياء
    ها أنت أخطأتك المعارك غير مرة
    فوجدت نفسك خارج الحدود
    وحين تطلعت إلى الوطن
    أبتلعك المنفى
    أما نص (عناق لا يقطعه سوى القصف) حيث يأخذ ذلك الألم/ المنفى بعداً أخر، فعندما كان تعبيراً خارجياً يسعى إلى كشف البنى المكونة والمؤثرة في صنع ذلك الألم/ المنفى، يتجه في هذا النص إلى الهروب من المواجهة المباشرة الخارجية، أي المنفى الخارجي (المكان) إلى الاتجاه نحو المنفى الداخلي، للتخلص من المسببات التي تخلق ذلك الألم/ المنفى، وهي الحرب والقصف والموت، والذي يكشف نفسه بصورة واضحة، عندما يتقابل مع الدلالات المتناقضة (كالمطر والخضرة ....الخ):
    أطلق المطر والخضرة من خريفي
    بينما الحروب تتفاقم فيَّ
    تبتل ذاكرتي بالمنافي
    بين الرصيف وقلبي
    عناق طويل
    لا يقطعه إلا القصف
    أما في مقطع أخر لنفس النص:-
    آه
    أتذكر أنني بلا وطن
    وأن الحروب ما زالت تلاحقني وتغير أشكالها
    نرى الارتباط بين مفردتي الألم والمنفى، وذلك من خلال الدلالة التي يضمرها الفعل (أتذكر)، والذي يحيلنا إلى أن هناك طرفين لهذا الفعل هما لحظة التذكر واللحظة المستعادة من خلال فعل التذكر، فما يرتبط بالجانب الأول لهذا الفعل هو المنفى والذي يظهر جليا من خلال عبارة (إنني بلا وطن)، إذا القيمة المعنوية للمنفى تظهر من خلال العلاقة الضدية التي تخلقها (بلا وطن) و (تلاحقني) على اعتبار إن هذا الفعل يضمر دلالة الحركة، بين مكانين مرتبطين بالتذكر الذي هو بدوره مرتبط بـ(بلا وطن) المنفى و(الحروب) التي تغير أشكالا والتي هي احد أطياف الألم العراقي.
    أما في نص (يندلق الخراب فأتكئ عليه)، فنرى المقطع التالي:-
    أقايض الحرب بالمنفى
    وبابل لا تواسيني
    تحاصرني البحار
    ودجلة غارقة بالعطش
    يظهر في هذا المقطع العلاقة المباشرة بين مفردتي الحرب/ المنفى والذين ارتبطا بكونهما نقطتين متقابلتين متساويتين، وهو ما يوحيه الفعل (أقايض)، ولكنهما من حيث الدلالة غير متساويين، إذ كلاهما ينتمي إلى حقل دلالي بعيد عن الآخر، ولكن يمكن لنا اقتراح مجموعة من الثنائيات التي ربما تحملها المقابلة بين الحرب والمنفى، فلو أخذنا مفردة (حرب) والدلالة التي تقابلها هي مفردة (السلم)، أي إنها الدلالة التي توازي مفردة (المنفى)، أما إذا أخذنا (المنفى) فالدلالة التي ترتبط بها وتعاكسها هي مفردة (الوطن)، إذا يصبح (أنا أقايض الحرب بالسلم) أو ( أنا أقايض الوطن بالمنفى)، ويستمر المقطع في تفعيل هذه الثنائية وذلك من خلال (تحاصرني البحار/ ودجلة غارقة بالعطش) إذ يظهر الوطن (دجلة) غارقة بالعطش، بيد إن ذات الشاعر مع ذلك الارتواء الذي توحيه البحار/ المنفى، وما يحمله دجلة/ الوطن من عطش وحروب، تبقى تتجرع الموقف المتردد بين واقعين، واقع الوطن/ الانتظار والمنفى/ الحاضر.
    في نص (خريف المأذن.. ربيع السواد دمنا..") يحاول الشاعر أن يغير من بنية الإيقاع المتناغم مع دلالة الألم/ المنفى، وذلك من خلال استعادة المكان/المدينة/الوطن:
    تراتيلُ كَهَنَةٍ وقدّيسين
    صَلَواتُ شُهَداءَ
    وتسابيحُ عشاقِ الرَّبِّ
    ما زالت الملائكةُ تطوفُ بأزقتكِ
    يُشعلونَ البخورَ
    وذلك من خلال عدم التصريح بهذه الدلالة، بل محاولة رسم ملامح المدينة، التي تخفي أو تضمر في بنيتها العلامية حزناً وألماً كبيراً، ينعكس من خلال ذلك التشكيل المكاني الذي يخبئ في ثناياه، حنينا جارفاً، وارتباطا بهذه المدينة/الوطن، إذ تقترن دلالة الألم من خلال أظهار الفضاء ألذاكراتي والأليف للمكان، مع تغييب دلالة المنفى التي هي الخلفية التي يطل منها الشاعر على مكانه الأليف، أو مدينته أو وطنه (كُلّما ابْتَعَدتُ عنكِ ازددتُ قُربا):
    طفولتي أدوّنُها في ساحة الحرمينِ
    لكنني أنسى صِبايَ
    يترَعُ العباءاتِ في بابِ القبلةِ
    وسنواتي في تلِّ الزينبيةِ
    تلهو بالمسابحِ والعقيقِ
    ربما كان قدر الشاعر أن تكون مدينته/ وطنه كربلاء بلاد الألم المقدس والدموع والحزن العتيق.
    أسوارٌ افترشتِ الحجرَ الكربلائيَّ
    وتاريخٌ يَنزُّ أسىً ودماً
    عمائمُ كستِ السهولَ
    حِدادُها أشدُّ حُلْكةً
    من شيخوخة الدهرِ
    وكذلك في نص (آهلون بالنزيف) الذي يحاول فيه الشاعر أن يعمق ما طرحه سابقا، وذلك من خلال إظهار صورة الوطن المتشربة بالحنين، والتي كانت صورة عميقة للألم الإنساني بعيدا عن المنفى مكان الانعتاق (أشعلوا أحلامهم بالمنافي)، وصورة الوطن هذه تسيطر على مقاليد النص، بصورة إيحائية، لم يصرح بها الشاعر، بيد انا خرجت من خلال حشد الصور والمشاعر المرتبطة بالمكان، والتي تخفي ضمناً الصورتين التي رسمتهما معظم نصوص المجموعة:
    أبوابُكَ صَدِئَتْ أكُفُّها
    ومازالت على العتبةِ
    مستيقظةً تلويحتُها الباهتةُ
    ثقّبوا قميصَكَ بالآسِ
    ونسوا على الطاولةِ جُرحَكَ
    في مجمل نصوص مجموعة الشاعر باسم فرات (إلى لغة الضوء) نرى محاولة الشاعر أن يؤسس دلالة الألم/المنفى، ولكن بأسلوب مختلف إذ انه لا يقرن الألم بالمنفى وإنما جعله كاشفا للدلالة المعاكسة وهي الوطن، إذ إن الألم في النصوص التي درسناها مرتبط بالوطن، إذ كان صانعاً وباعثاً ومحرضاً عليه، بينما المنفى كان نافذة يطل منها الشاعر، على وطنه المستعاد وفق ذاكرة مخيالية، أسطورية و دينية، ليشعر بذلك الألم الفجائعي، فالألم لا ينتج من المنفى كمسبب وإنما يمثل لحظة تجرد ذات الشاعر من ربقة الوطن، لينظر إليه بعين تعيد رسم المأساة.

    جريدة الزمان
    http://www.azzaman.com/?p=5757

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 3:13 pm