الأساطير والدعايات والأوهام هي نتاج أوضاع غير صحية، يعيشها المجتمع، وفي كربلاء الثمانينات كانت صورة تكريت المدينة التي ينتسب لها صدام حسين، تحاك حولها الأساطير، بناء مميز، اهتمام مبالغ به قياسًا بباقي المدن العراقية، وثمة الكثير مما سمعته، بما في ذلك أن الطفل في تكريت يحمل مسدسًا. في الثامن من تشرين الأول 1988 تم سَوْقي لأداء خدمة العَلم، إلى مركز تدريب مشاة النجف، لم أمض سوى أيامٍ هي أقل من أسبوعين حتى تم نقلها إلى أحد معسكرات تكريت الكثيرة، مركز تدريب مشاة بغداد الأول، ومن ثم إلى معسكر ثانٍ حتى استقر المقام بي في المعسكر الثالث، ثلاث سنوات وعشرة أشهر قضيتها في تكريت، التي كان سائقو سيارات الأجرة التي تقلنا من مركز المدينة حيث نَتَسَوّق إلى ثكنتنا العسكرية، يتأفَّفون ويتذمرون من شوارعها نتيجة عدم صلاحيتها تمامًا فهي لا تخلو من الحفر، كنتُ أنصت لسائقي الأجرة وفي داخلي شعوران: الأول هو الخوف، فمهما يكن فأنا جندي من كربلاء وهذا تكريتي، أنا المليء بالأساطير التي حيكت عن هذه المدينة في بقية مناطق العراق نتيجة الموقف من رأس النظام، والشعور الآخر هو افتراء هذه الدعايات- الأساطير، فتكريت مدينة بائسة ولا تليق بتاريخها المسيحي العريق حيث كانت قلعة المنوفيزية في العراق النسطوري في أغلبيته المسيحية، وقدمت للعراق جهابذة في كافة الميادين، يكفي تصفحًا لتاريخ الكنيسة العراقية لنجد أنفسنا أمام شخصيات هي مفخرة للأمة حقًّا، ولم تغادر الكنيسة تكريت متجهةً إلى الشمال إلاّ في القرن الرابع عشر الميلادي.
في تكريت سمعت من جنود قدماء من الجنوب يؤدون خدمة العَلم فيها، أن المدينة كانت يهودية وهؤلاء يهود أسلموا، هي دعاية تلامس النرجسية المجروحة للعراقيين على يد نظام شمولي يتربع على عرشه طاغية ديكتاتور لم يألفه أهل العراق على الأقل خلال العصر الحديث. والسؤال الذي خطر ببالي وأنا أقرأ تاريخ المسيحية العراقية، هو: هل ثمة علاقة لمنوفيزية تكريت ببلاد الشام المنوفيزي بحيث نجد أعدادًا كبيرة من سياسيِّي تكريت تربطهم روابط بالحركة القومية العربية التي تأسست في شام الغساسنة المنوفيزيين؟، مجرد سؤال لا أكثر، ولكنَّ ما لم يخطر ببالي- مع أنه حقيقة عايشتها- أنني لم أر طفلاً يحمل سلاحًا، وأقمتُ علاقات متينة مع تكارتة يُكنون بغضًا لنظام صدام حسين، وفي محاولة للنأي بمدينتهم عنه يرددون أنه من قرية بائسة لا علاقة لها بتكريت، ويتحدثون عن أُسَرِ تكريت العريقة التي تم تهميشها بل النيل منها من قبل هذا المُتَرَيّف صدام حسين. وحين قرأتُ بعد سنوات طويلة وأنا في أقصى جنوب الأرض، مقالة لكاتب صحفي وهو قومي عروبي الاتجاه، أن أهل تكريت أنفسهم لن يسمحوا لأي عراقي أن يقتص من صدام حسين سواهم، لأنهم الأكثر تضررًا بين العراقيين بسبب ما لحق بسمعتهم الوطنية، صدقت الكلام نتيجة معايشتي للناس فيها، كان هذا قبل حرب 2003.
في عاصمة منفاي الجميل والبعيد والنائي جدًّا، وَلِنْغْتُن، جاء إلى سكني شاب عراقي، أحدث مني وصولاً، وحين رأى كتبي واهتمامي بالقراءة، قال لي: "إن زوج أختي يقرأ كثيرًا، طوال الوقت"، لا أدري ماذا دهاني فلم أسأله، صمتُّ، ولكنه بعد أيام قلائل جاءني قائلاً: "أنتَ مدعوّ على العشاء عندنا"، ذهبت وكانت المفاجأة أن زوج أخته حين عرفني بنفسه "صباح خطّاب" ولكن اسمي الحركي "حيدر حسن محمد" ثم أردف: "ما هو اهتمامك؟" أجبته: "الشعر، والحديث خصوصًا"، فقال:"وأنا كذلك"، كان كلانا حين تفوّه بكلمة شاعر قالها بهمس خجول، تبادلنا أطراف الحديث، وفي المرة التالية أتيت بنصوصي، وأراني نصوصه، كانت المفاجأة هي أنه حين قرأ قصيدة لي عنوانها "1/3/1967"، سألني هل نشرتها؟ وكنتُ قد نسيت تمامًا أنها نُشرت في جريدة الوفاق (نيسان 1997) التي يشرف عليها صلاح عمر العلي، فقلت: لم أنشرها، استغرب وقال لي إنه قرأ القصيدة، صعقت حقًّا، كان وقع جملته مخجلاً لي وكأني أسرق، وهذا أول تعارف إبداعي بيننا، وحين عدت لشقتي الصغيرة تذكرتُ، بل إنها منشورة في مجلة "في الانتظار" باللغتين العربية والفرنسية، وهذه عادة سيئة لم أتخلّص منها، أعني انعقاد لساني حين يسألني شخص ما، وكأن الجواب يهرب بعيدًا، أو يكون جوابي داخلي، بحيث أجيب وأنا لساني منعقد وهذا يعني أن تفكيري يتحول إلى تفكير داخلي وليس خارجيًّا.
صباح خطاب، من تكريت، صعد للجبل في 1979 وبقي حتى سنة 1987، حيث غادر إلى إيران، وبعد سنتين فيها غادر إلى الباكستان (كويته) لغاية 1996 حيث وصوله إلى نيوزلندا، وفيها حصل على جنسية بعد عشرين سنة من التنقل والترحال، وبعد مضي أربع سنوات وثلاثة أشهر غادرها إلى أستراليا، حيث يعيش منذ الخامس والعشرين من تشرين الثاني 2000 في ملبورن ثاني أكبر مدن أستراليا. وهو من جيل السبعينات الشعري العراقي، وكان لمواقفه الصلبة ضد النظام الحاكم في العراق أثرٌ في خروجه من المشهد الشعري العراقي، فقد عاش لسنوات طويلة تربو على العقدين في مناطق نائية وبعيدًا عن الأضواء ومراكز النشاط الثقافي في زمن ليس فيه وسائل الاتصال الحديثة والمتعددة كما اليوم، يُبعد الشاعر عن الذاكرة مع صعود أجيال جديدة وتنامي التعليم في العراق إثر مجانية التعليم والتعليم الإلزامي وارتفاع سعر النفط، إثر حرب تشرين/ أكتوبر 1973؛ مما أدى بعد سنوات بسيطة لظهور مئات الأسماء، فكيف لمن يعيش في الظل مقاتلاً ضد النظام الشمولي في بلده على قمم جبال العراق لثماني سنوات 1979- 1987 وسنتين في إيران ومنعزلاً في مكان ناءٍ في باكستان لسبع عجاف، حتى نيوزلندا فهي آخر بلد في العالم، وفي النصف الثاني من التسعينات كانت العاصمة شبه فارغة من العرب والجالية العراقية الرئيسية هي من الناطقين بالسريانية سكان القرى الجبلية في نوهدرا وزاخو، هكذا سرقت المبادئ والقِيَم أجمل فترات العمر من هذا الشاعر- الإنسان، ولكنها لم تسرق عراقيته وأصالته ودماثة خلقه ونقاءه وطيبته المفرطة.
لقاءات كثيرة جمعتنا في وَلْنِغْتُن العاصمة، وكان يحضر نشاطاتي الشعرية، وهو الزاهد بكل نشاط تقريبًا، وكتب في الصحافة عن بعضها وصوّر البعض الآخر حين اقتنى كاميرا فيديو، كنتُ ألتقيه في بيته، أو نخرج للتنـزه على الشاطئ القريب من شقتي الصغيرة في كيلبِرني، حيث يقع حيّ ميرامار في الجهة المقابلة، وهذا الشاطئ يوصلنا إلى قلب المدينة ومينائها الجميل، مكان مدهش حقًّا، ولم أستغرب حين أخبرني يومًا الدكتور عبد المنعم الناصر أن هذا المكان هو المفضل لديه وهو الذي سافر كثيرًا، فقد أثبتت لي الأيام صدق مقولة هذا الدكتور الذي ولد عام 1934، مثلما أثبتت أن ما تعلمته منه ومن صباح خطّاب وآخرين عن العراق من الصعب أن تجده في الكتب، ولو وُجد فليس بصورته التي نقلوها لي، وهو ما جعلني أن أومن- بعد رحلة امتدت لأكثر من عقد ونصف مع قراءة تاريخ العراق- بأن كل مَن يكتب عن العراق هو باطل أو مدعاة للحذر منه إن لم يتوفّر على أمرين ضروريّين لا غنى عنهما وهما اللغة العربية والعيش في العراق بشكل إبداعي خلاّق، أي تأمل تنوعه وتاريخه والإكثار من الإنصات إلى كبار السنّ فيه ومن مختلف طبقات المجتمع ومناطق العراق، حيث خرجتُ بحصيلة معرفية ذكرتني بإصرار جدتي- وهي مُحقّة- أنْ أجالسَ ذوي الخبرات، وقراءة تاريخ جميع مراحله التاريخية وفئاته اللغوية والدينية والمذهبية والمناطقية، فحتى العراقية لا تُسعف مَن يكتب عن العراق من غير هذه القراءة التي تثري الوعي وتزيد التساؤلات وتقي الكاتب من الانزلاق نحو ترديد مقولات جاهزة كذوبة طالما رددها البعض من أصحاب الأيديولوجيات والمشاريع العنصرية الإلغائية الإقصائية الاستحواذية المدرجة زورًا تحت أكذوبة حقوق "الأقليات".
اللقاءات الكثيرة التي جمعتني بصديقي الشاعر صباح خطّاب أضافت لي الكثير، كنتُ أتمنى أن يحدثني عن سنواته الثمانية في الجبل، ولكن الخجل يمنعني، مما يجعلني أنصت له بكل جوارحي حين يبدأ بالحديث عن تلك الفترة، والأبطال الذين صعدوا للجبل لمقارعة طغيان صدام حسين، تربّعوا على مساحة خضراء في مخيلتنا، حتى إن الكثير منّا جَرّدَهُم من إنسانيتهم وواقعهم ليرتفع بهم عاليًا، وكأنهم ليسوا أبناء ذات الثقافة وإن تميّزوا بالنضال والموقف الصلب وتضحيتهم بمستقبلهم بل وعائلاتهم وأنفسهم، لكنهم لم يتخلصوا من ثقافة الفرقة الناجية التي رحّلوها من المذهب الديني إلى السياسي، فتحول كارل ماركس إلى نبيّ ولينين وأنجلز وسواهما إلى أئمة معصومين أو إلى صحابة أجلاّء غير مسموح بالطعن في عدالتهم المثالية، هكذا كشفت لي أحاديثه عن تلك الفترة. فعلى الرغم من حسنات كثيرة يتمتع بها هؤلاء، تقف مقارعة الطغيان الصدامي في مقدمتها، لكنهم حافظوا على حوامل اجتماعية مثلما حافظنا جميعًا رغمًا عنا، فليس من السهل التخلص منها دفعة واحدة مهما تنقلنا بين العقائد والثقافات، فهي كامنة في اللاوعي تخرج كلما تهيأت لها الظروف، أي وضعها على المحك.
كانت صدمتي كبيرة وهو يخبرني عن حزب كردي دخل الحزب الشيوعي معه ومع غيره في ائتلاف فترة الثمانينات. وكان أحد شعارات التاجيك ( الجيم سورية ) وهو حزب الاقطاعيين الأكراد والذي انحدر عنه حزب ال"باسوك" هذا، شعاره لا النخلة نبات ولا البعير حيوان ولا العربي إنسان. هكذا بكل بساطة حتى إنني مازلت أتساءل عن سبب دخول الحزب الشيوعي مع حزب شعاره يتناقض مع عقيدة الحزب المبنية على الوطنية العراقية والتي رفعت شعارًا أحبه ودافع عنه حتى غير المنتمين للحزب. وهذه الصدمة هي التي غطت على تصرف المسؤول في الحزب الديمقراطي حين حل الشيوعيون ضيوفًا عليهم، والمؤلم أن المسؤول كان شيوعيًّا مدللاً قبل تركه للحزب الشيوعي والتحاقه "بالبارتي" فاستغل رغبة أحد الشيوعيين بالاستقرار في أوربا، فجعله يحمله الإبريق ويتبعه كلما ينوي هذا المسؤول قضاء حاجته، وكأني به لم يكتف بالارتداد من الحزب الشيوعي بنزعته الوطنية وانتقاله لحزب قومي عشائري، بل أراد الإنتقام من ماضيه الشيوعي الناصع، حين سمعتها من صديقي صباح خطّاب وهو يحدثني عن سلوكيات بعض القيادات الشيوعية وغيرها، فلم أستغرب يوم أخبرني تركه للحزب بعد شهرين من صعوده للجبل، وبقي في ميليشيا الحزب، وأن سبب تأخر مغادرته العراق هو تواجده في منطقة بعيدة عن سورية وتركيا.
عام 1998 أرسلتُ قصيدتين واحدة لصباح خطاب والثانية لي لمجلة ألواح التي أسسها وأشرف عليها محسن الرملي وعبد الهادي سعدون، بعد فترة أخبرني أحدهما عن إعجابهما بقصيدة صباح خطّاب، وسألني عنه، فأخبرته بنبذة تعريفية عبر الهاتف، وحين أخبرتُ صديقًا يعيش في أوربا عنه، عرفه مباشرة وقال لي بعد فترة حين قرأ له: إن صباح خطّاب بدأ شاعرًا قويًّا، لكن ما وجدته فيه ليس جمالية قصيدته المتفردة فقط، بل المثقف- الإنسان، وهو عملة تكاد تكون نادرة في الوسط الثقافي العراقي، أن يجمع الشخص بين الكتابة المتفردة والثقافة الواسعة الحقَّة وأعني بالثقافة الحَقَّة المستندة على قراءة تاريخ العراق الثقافي قراءة واعية ومنهجية، وليس معرفة كومونة باريس والثورة البلشفية وتاريخ أوربا وأساطير اليونان ومعاركهم ومسرحهم بينما يردد بكل سذاجة أن خالد بن الوليد احتل العراق، والعرب غزاة، وفي ذات الوقت يدافع عن فئة واحدة لا تملك تاريخًا في العراق. صباح خطّاب نموذج قلما قابلت مثله في حياتي، هدوء عميق في كل شيء، لم أسمعه يتهجم على دين أو مذهب منذ أن تعرفت عليه في أيلول 1997 وحتى هذه اللحظة، التكريتي الذي يحبّ أهل الجنوب واللهجة البغدادية، حتى تحسبه جنوبيًّا بغداديًّا، يحدثك بهدوء الواثق، وكم مرة سمعته يُبدي رأيًا بشاعر قائلاً: هذا شاعر جيد، وبعض هؤلاء الشعراء كنتُ أميل إليهم كثيرًا، لكنني حين بدأت أعود لكتاباتهم بعد ذلك، أجدهم لا يستحقون أكثر من كلمة جيد.
بعد انتقاله إلى ملبورن (أستراليا) شعرت بفقد حقيقي، لم أشعر به مع أيذ شخص في المنافي، إلاّ نادرًا، بقيت لفترة طويلة امتدت لعدة سنوات كلما أمر من ذات الشارع الذي سكنه صديقي ينتابني حنين جارف، وصلت الحالة أنني لمتُ نفسي كيف لم أقض أوقاتًا أكثر معه، بل صرت كلما تذكرتُ تلك المرة التي جاءني فيها إلى سكني وكنا في بداية تعارفنا، لنتمشى فاعتذرت له لارتباطي بموعد مع شخص كنتُ قبل دقائق قليلة اتفقت معه على زيارته، أقول كلما تذكرتُ هذا شعرتُ بتأنيب الضمير، وكأني أسأت التصرف أو أضعت فرصة ثمينة لقضاء وقت معه، وهو يستحق بكل تأكيد، فليس ثمة عُقَد وأوهام وتضخم أنَوي وقيح نرجسيّ كما وجدته عند كثيرين، ومنهم مَن يعيش في بلدان اللجوء والهجرة منذ سنوات ومازال لم يع أن الشعر ثانويّ، وأن قارئ الإبداع ليس مثقفًا، ولم يتعلم من الثقافة الجديدة التي يعيش فيها منذ سنوات أن الباحث أهم من الشاعر، على العكس وجدتُ الكثير وقد تضخمت أنواتهم وراحوا يتحدثون من أبراج عاجية حفرتها نرجسيتهم عميقًا، مما جعلني أشفق على الجهد المبذول من قبل نرجسيتهم في حفر العاج وبناء هذه الأبراج، ولو أنهم استعلموا قدراتهم هذه في الاستفادة من المجتمع الجديد لأنجزوا لنا شعرًا يستحق التوقف أمامه والاحتفاء به بل والتغني بتفرده، ولكان إضافة للشعر المكتوب بالعربية كما أنجز وحقق بعض شعرائنا في منافيهم، ولكن هيهات أن يتعلم الجميع، وإلاّ لما تعطّلت مئات المواهب التي هاجرت للغرب وبدل تطوير أدواتها الكتابية طورت نرجسيتها وسقت أوهامها لتتحول للثرثرة أكثر من الإنجاز.
حين نويت زيارة الأردن لأول مرة، في الأول من كانون الأول 2001، وجدتها فرصة لطبع ديواني "خريف المآذن"، ولكني كنتُ بحاجة ماسة لبعض المال، فقام صديقي صباح خطّاب بتحويل مبلغ من أستراليا لأتسلمه قبل سفري إلى الأردن، بفضل مساعدته المالية هذه نشرت ديواني الثاني بينما لم أدفع لدواويني الأول والثالث والرابع، وكلما قرأت مقالة عن خريف المآذن أو ثناءً، شعرتُ بالامتنان له. بفضله نشرتُ ديواني الثاني في دار أزمنة، حيث استلمته في الخامس من كانون الثاني 2002 وقد كُتبَ عنه أكثر من خمسين مقالة. وهو أول من كتب عن ديوان صادر لي، حيث مقالته عن ديواني الأول "أشدّ الهديل" والتي عنونها "باسم فرات.. هديله شعر وهاجسه الاختلاف" تعد ثالث مقالة تُكتب عني، علمًا بأن المقالتين اللتين سبقتا مقالته كانت كل واحدة عن قصيدة مختلفة.
كلما حاصرتني المنافي ببرودتها وقسوتها، تذكرتُ إيجابياتها التي رغم قلتها فهي هائلة مما يُرجّح كفتها، ويجعلني أزيح هموم الغربة بعيدًا، وتقف صداقتي بصباح خطّاب من ضمن هذه الإيجابيات الهائلة، هذا التكريتي الزبيدي الذي هرب أحد أسلافه من الجنوب نتيجة مضايقات الدعاة الشيعة الذين انتشروا في الجنوب السنيّ، وحققوا فيه انتصارًا عظيمًا، مما صبغ الجنوب العراقي بصبغة شيعية تذوب وجدًا بحبّ الرسول المصطفى وآل بيته الأطهار، وكان الجدّ الأعلى متوجّهًا إلى الموصل ولكن وجهاء تكريت أصروا على بقائه وزوجوه، فأصبح سليل الجنوب تكريتيًّا، أنهى تحصيله الجامعي في السليمانية، ليضطر بعد مضايقات أصبحت تزداد كل يوم في بغداد ليصعد لجبال العراق الأشم ويعيش سنوات طويلة مع الأكراد في العراق وخارجه، ويتزوج منهم ويثمر الزواج عن فَتَيَينِ، يحملان عبق العراق مثل أبيهما الذي-مهما كتبت عنه- أشعر بالتقصير إزاء طيبته وكرمه ومواقفه النبيلة معي. وهذه الأخلاق ليست غريبة عن أهل تكريت الأصلاء، بعيدًا عما فعله بعض المتريفين الذين نزحوا لها ومن ثم نزحوا على بغداد يعيثون فيها فسادًا وخرابًا، مما منح الفرصة لمُروّجي الشائعات والأكاذيب والافتراءات أن يؤسسوا أساطير بغيضة ضد هذه المدينة العراقية الطيبة كبقية طيبة أهل العراق.
موقع الأوان
الثلاثاء 26 آذار 2013
http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AD-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8.html