الآن في الأكوادور تساءلتُ ماذا سوف أكتشف في هذا البلد الذي هو مثل غالبية البلدان التي عشتُ فيها أو زرتها، أجهل الكثير عنه، ولكني حتمًا سوف أتعلم الكثير، ولم يخب ظني فخلال أيامي الأولى هنا تعلمت أن هذا البلد هو الأغنى من حيث تنوعه البيئي، وبعد فترة علمتُ أنه أكثر بلد يحوي تنوعًا في الطيور البرية، أكثر من ألف نوع، بينما نيوزلندا التي عشتُ فيها ثماني سنوات أكثر بلد يحوي تنوعًا في الطيور المائية أو البحرية. وقد لا أغالي في القول حين أعتقد أنه أكثر بلد يحوي شلالات، فلم أر بلدًا فيه هذا العدد الهائل من الشلالات، أنا المفتون بالتنوع البيئي، أقف طفلاً أمام طير ملوّن أو ببغاء أو شلال أو نهر أو زهرة. أما كيتو القديمة فهي أول مدينة جعلتها اليونسكو تراثًا إنسانيًّا، فبيوتها وبناياتها التي تشعرني بالدفء أنا العربي المشرقي أتيت من بيئة فيها عمارة "الحوش"، فالعمارة هنا لا تختلف عما هو عليه الحال بالعراق وسورية سوى أن في بعض مناطق العراق ومنها مدينتي كربلاء بالذات عمل مسؤولوها على مدى العقود الأخيرة في تهديم هذا التراث والعمارة الأصيلة التي تتفق مع طبيعة مدن العراق المحاذية لصحراء شاسعة.
تتكون جبال الأنديز هنا من ثلاث سلاسل جبلية و40 جبلاً، وتقع كيتو في السلسلة الوسطى، وثمة ثمانية براكين نشيطة، وقد كان انفجار كوتوباكسي سنة 1877 حيث وصل نهر الطين الناري إلى بانيوس خلال ثلاث ساعات وبعد 17 ساعة كان في المحيط الهادئ. البراكين التي في الجنوب هي أقدم من براكين الشمال. أما لغات الأكوادور فهي: أَبَرا (أَبٌيرا)/ آتشوار/ تشاتشي/ شْوار/كيتشْوا جبلية/ تساتشيلا/ واوْراني/ شيوار، شيويار/ كوفان/ آوا/ سَكويا/ سيونا/ زابارا/ آنْدوا، إضافة للإسبانية اللغة الرسمية لجميع الأكوادوريين. هذا ما تبقى، 14 لغة فقط من لغات كانت تزيد على الثلاثين، تلاشت خلال فترة عدة قرون تقل عن أصابع اليد الواحدة. وهذا البلد هو أحد أقل البلدان التي سكنتها أو زرتها تعددًا لغويًّا وإثنيا. في هذه البلدان لم أسمع كلمة غزاة واحتلال لمن سبقوا الحرب العالمية الأولى بأكثر من خمسة قرون. سمعتها تتردد في منطقتنا المسماة بالعالم العربي. وأما جرائم الإسبان في الأكوادور فسوف أذكر مثالاً واحدًا لا غير وهو أحد الأمثلة التي تجعلني أتذكر قول ذلك الغربي عن العرب "إنهم أرحم الغزاة". ففي مناجم منطقة زاروما لوحدها ما بين سنة 1535 -1592 أكثر من عشرين مليون مواطن أصلي ماتوا نتيجة الاضطهاد الذي مارسه الإسبان على السكان الأصليين أي خلال 57 سنة فقط. والأكوادور هو أول بلد في أمريكا الجنوبية يطالب بالاستقلال عن إسبانيا، وقد حصل على الاستقلال في العاشر من آب 1809. هذا ما قرأته في إحدى الصحف هنا، ولكن الأستاذ الدكتور أفرين أفيلَيس بينو، عضو الأكاديمية الوطنية للتاريخ الأكوادوري، يرى أن الاستقلال كان في التاسع من تشرين الأول 1820.
جريدة العرب اللندنية، الثلاثاء 27/8/2013- السنة 36 العدد 9302، الصفحة 14
http://www.alarab.co.uk/pdf/2013/08/27-08/p14.pdf