من مدينته كربلاء صاحبة الأرض التي تحمل أضرحة شهداء معركة الطف ولد الشاعر باسم فرات، فتراءت له أضرحة الشهداء ويوم عاشوراء، حيث الحزن الذي يخيم على تلك المدينة ويكون في ذروته، فمشاهد كتلك يصطدم فيها الطفل المولود تشكل له صدمات متلاحقة خاصة أن تلك العزاءات ليست إلا تعبيراً صادقاً عن حجم المأساة الكبيرة التي جرت للحسين (ع) وأصحابه في تلك الواقعة الأليمة. ومن كربلاء الى بغداد الى العاصمة الاردنية عمّان يخرج الشاعر باسم فرات ليكون شاهداً على حقب متلاحقة من الآلآم والكوارث التي أدت الى أن تصبح البلاد رماداً للحروب والخصامات السياسية، وبعد رحلة سنوات زادت على الأربع في عمّان أسس باسم فرات لنص شعري جديد ومختلف في إطار قصيدة النثر العراقية التي تفوقت بكل المقاييس على قصائد التفعيلة والشعر الحر وأصبحت واقع حال مفروضاً لا فرار منه.
لقد عرفت الشاعر العراقي باسم فرات عن قرب عام 1995 في العاصمة الاردنية عمّان وكان داخل وطنه العراق المحاصر يرسم بيانه الشعري بهدوء تام من دون أن يلفت الأضواء من حوله، وحيث لا مكان لشاعر عراقي شاب ومتمرد على واقعه في تلك الظروف العصيبة التي مرت بالوطن العراقي، وفي عمّان استطاع هذا الشاعر الشاب أن يتسلل بنصوصه التي كان ينشرها في الصحافة العربية ويشد إليه إنتباه النقاد والشعراء على حد سواء، وكانت همومه الشعرية أكثر من همومه الحياتية والمادية، ولذلك كان مخلصاً للشعر بطريقة تكاد تكون مختلفة عن مجايليه ومن سبقوه، فقد مّر المثقف العراقي في بدايات العقد التسعيني من القرن المنصرم داخل العاصمة الاردنية عمّان بظروف مادية صعبة ومؤلمة أكثر تعقيداً وبؤساً من سنوات الحصار العراقي داخل الوطن، إلا أن باسم فرات كان كلما جلسنا في مقهى العاصمة بعمّان يهم بقصيدته وكيف يتسنى له تطويرها في ظل التطورات الكثيرة التي اجتاحت النصوص الشعرية منذ ثورة الشعر العربي الحديث التي أسس لها السياب ونازك والبياتي وآخرون وصولاً الى قصيدة النثر التي كانت تصطدم بالسلطات الثقافية وكانت غير مسموح لها أن تحلق في فضاءات الكتابة والنشر أسوة بالشعر العمودي أو الحر وطبعاً كان هذا نابعاً من تخلف المؤسسة الثقافية آنذاك، لكن قصيدة النثر أخذت شيئاً فشيئاً مساحتها الطبيعية في الخارطة الشعرية العربية الأمر الذي جعل الجميع يقتربون منها ويجربون الكتابة فيها، وهكذا أصبحت قصيدة النثر الأكثر شيوعاً في أيامنا هذه.
وفي عمّان أستطاع الشاعر باسم فرات أن يحصل على عمل كمصور في أحد محلات التصوير الاردنية ليتمكن من أن يبقى على قيد الحياة، خاصة وأنه عمل كمصور في وطنه العراق، فكانت التقاطاته للصورة ذكية وكأنه يلتقط الصورة الشعرية والجملة الأجمل داخل قصيدته، كما إستطاع من خلال عمله هذا أن يساعد العديد من أصدقائه الذين كانوا يرزحون تحت طائلة العوز والجوع بسبب عدم حصولهم على عمل، فيما كانت فرصة الحصول على عمل في المجال الصحفي أو الثقافي من المستحيلات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الحصول عليها، ولهذا ذهب العديد من أدباء العراق في عمّان للبحث عن مصدر عيش حتى وإن كان شاقاً. وكان لوجود البياتي وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وأساتذة وفنانين صدى كبيراً ومحفزاً أكبر لكتابة نصوص عراقية جديدة في عمّان كما وأن النقاشات واللقاءات والأمسيات الثقافية التي أقامها أدباء العراق جعلت من الساحة الثقافية الأردنية أن تزدهر وتتطور بعد أن كانت شبه راكدة، وفي هذا المعترك الثقافي الذي يضم العديد من مدارس الشعر الحديثة أستطاع باسم فرات أن يكتب نصاً صافياً بإنسانيته مستذكراً عذاباته منذ أول لحظة فتح عينيه فيها على الدنيا بعد إنكسار الطفل الرضيع في مدينته كربلاء ليشاهد فاجعة والده التي كانت مرسومة بعيون أمه الثكلى، منذ تلك اللحظة الثاقبة خلص فرات الى اللوعة والقهر والحرمان من الأب ليرتمي بأحضان أمه التي استطاعت أن ترسم ملامح الأب فيه بعد أن أصبح شاباً يافعاً، وبهذه الآلام والمآسي التي رافقته منذ الطفولة خط نشيد الحزن في قصائده التي كان يكتبها داخل الوطن لتتبلور تجربته وتنضج في عمّان على مدى سنوات التسعينيات ثم يرحل بعيداً عن العالم حيث نيوزلندا ويستقر فيها لسنوات ويصدر ديوانه الأول (أشد الهديل) عام 1999 عن دار ألواح في اسبانيا، ثم ينتقل الى اليابان حيث هيروشيما تلك المدينة التي اغتسلت بدماء أبنائها يوم ضربت بالقنبلة الذرية.
وتطورت تجربة باسم فرات أكثر فأكثر وتعمقت كثيراً بقراءة التاريخ القديم والوسيط والحديث للعراق فيما تعمقت جذور قصيدته حتى أصدر مجموعته الثانية (خريف المآذن) 2002. وأردفها بمجموعة ثالثة تحت عنوان (أنا ثانية ) 2006.
ليقف الجميع نقاداً وأدباء أمام تجربة شعرية جديدة انبثقت من الشعرية العراقية التي كانت وما زالت السباقة في طرح الجديدة وتطوير القديم بإستمرار، إنه الإمتداد الحقيقي للمتنبي والجواهري والسياب والبياتي وما بعدهما، وهكذا هو الشعر العراقي الذي يرفد الشعرية العربية بشعراء من طراز خاص ودائماً تكون نصوصهم هي الحكم الوحيد لهم في غابة الشعر العراقي خاصة والعربي عامة، وقد تجاوز نص فرات الشعرية العربية ليخرج الى العالمية وتترجم نصوصه الى الانكليزية ولغات أخرى الأمر الذي مَكنَه كشاعر شاب أن يقرأ جيداً ما يكتب من شعر بلغات اخرى مقارناً ما بين النص العربي والانكليزي والذي استطاع النص العربي ان يقفز في أحايين كثيرة على نصوص عالمية. انه الشعر الذي لا يعرف المستحيل. ولعل موجات وكميات الألم والحرمان والحروب والدمار والموت المجاني التي تضغط على الشاعر العراقي لتجبره على تدوين ذلك الألم بالطرق الفنية الجمالية مكنته أن يتفوق في نصه على نصوص الآخرين وفي مناسبات كثيرة، وفرات هو واحد من شعراء العراق الذين أخلصوا لنصوصهم وجعلته يتبوأ مكانة مرموقة في الخارطة الشعرية العراقية، أن الشاعر باسم فرات هو تجربة شعرية نابعة من قلب الألم العراقي المفجع....
لقد عرفت الشاعر العراقي باسم فرات عن قرب عام 1995 في العاصمة الاردنية عمّان وكان داخل وطنه العراق المحاصر يرسم بيانه الشعري بهدوء تام من دون أن يلفت الأضواء من حوله، وحيث لا مكان لشاعر عراقي شاب ومتمرد على واقعه في تلك الظروف العصيبة التي مرت بالوطن العراقي، وفي عمّان استطاع هذا الشاعر الشاب أن يتسلل بنصوصه التي كان ينشرها في الصحافة العربية ويشد إليه إنتباه النقاد والشعراء على حد سواء، وكانت همومه الشعرية أكثر من همومه الحياتية والمادية، ولذلك كان مخلصاً للشعر بطريقة تكاد تكون مختلفة عن مجايليه ومن سبقوه، فقد مّر المثقف العراقي في بدايات العقد التسعيني من القرن المنصرم داخل العاصمة الاردنية عمّان بظروف مادية صعبة ومؤلمة أكثر تعقيداً وبؤساً من سنوات الحصار العراقي داخل الوطن، إلا أن باسم فرات كان كلما جلسنا في مقهى العاصمة بعمّان يهم بقصيدته وكيف يتسنى له تطويرها في ظل التطورات الكثيرة التي اجتاحت النصوص الشعرية منذ ثورة الشعر العربي الحديث التي أسس لها السياب ونازك والبياتي وآخرون وصولاً الى قصيدة النثر التي كانت تصطدم بالسلطات الثقافية وكانت غير مسموح لها أن تحلق في فضاءات الكتابة والنشر أسوة بالشعر العمودي أو الحر وطبعاً كان هذا نابعاً من تخلف المؤسسة الثقافية آنذاك، لكن قصيدة النثر أخذت شيئاً فشيئاً مساحتها الطبيعية في الخارطة الشعرية العربية الأمر الذي جعل الجميع يقتربون منها ويجربون الكتابة فيها، وهكذا أصبحت قصيدة النثر الأكثر شيوعاً في أيامنا هذه.
وفي عمّان أستطاع الشاعر باسم فرات أن يحصل على عمل كمصور في أحد محلات التصوير الاردنية ليتمكن من أن يبقى على قيد الحياة، خاصة وأنه عمل كمصور في وطنه العراق، فكانت التقاطاته للصورة ذكية وكأنه يلتقط الصورة الشعرية والجملة الأجمل داخل قصيدته، كما إستطاع من خلال عمله هذا أن يساعد العديد من أصدقائه الذين كانوا يرزحون تحت طائلة العوز والجوع بسبب عدم حصولهم على عمل، فيما كانت فرصة الحصول على عمل في المجال الصحفي أو الثقافي من المستحيلات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال الحصول عليها، ولهذا ذهب العديد من أدباء العراق في عمّان للبحث عن مصدر عيش حتى وإن كان شاقاً. وكان لوجود البياتي وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر وأساتذة وفنانين صدى كبيراً ومحفزاً أكبر لكتابة نصوص عراقية جديدة في عمّان كما وأن النقاشات واللقاءات والأمسيات الثقافية التي أقامها أدباء العراق جعلت من الساحة الثقافية الأردنية أن تزدهر وتتطور بعد أن كانت شبه راكدة، وفي هذا المعترك الثقافي الذي يضم العديد من مدارس الشعر الحديثة أستطاع باسم فرات أن يكتب نصاً صافياً بإنسانيته مستذكراً عذاباته منذ أول لحظة فتح عينيه فيها على الدنيا بعد إنكسار الطفل الرضيع في مدينته كربلاء ليشاهد فاجعة والده التي كانت مرسومة بعيون أمه الثكلى، منذ تلك اللحظة الثاقبة خلص فرات الى اللوعة والقهر والحرمان من الأب ليرتمي بأحضان أمه التي استطاعت أن ترسم ملامح الأب فيه بعد أن أصبح شاباً يافعاً، وبهذه الآلام والمآسي التي رافقته منذ الطفولة خط نشيد الحزن في قصائده التي كان يكتبها داخل الوطن لتتبلور تجربته وتنضج في عمّان على مدى سنوات التسعينيات ثم يرحل بعيداً عن العالم حيث نيوزلندا ويستقر فيها لسنوات ويصدر ديوانه الأول (أشد الهديل) عام 1999 عن دار ألواح في اسبانيا، ثم ينتقل الى اليابان حيث هيروشيما تلك المدينة التي اغتسلت بدماء أبنائها يوم ضربت بالقنبلة الذرية.
وتطورت تجربة باسم فرات أكثر فأكثر وتعمقت كثيراً بقراءة التاريخ القديم والوسيط والحديث للعراق فيما تعمقت جذور قصيدته حتى أصدر مجموعته الثانية (خريف المآذن) 2002. وأردفها بمجموعة ثالثة تحت عنوان (أنا ثانية ) 2006.
ليقف الجميع نقاداً وأدباء أمام تجربة شعرية جديدة انبثقت من الشعرية العراقية التي كانت وما زالت السباقة في طرح الجديدة وتطوير القديم بإستمرار، إنه الإمتداد الحقيقي للمتنبي والجواهري والسياب والبياتي وما بعدهما، وهكذا هو الشعر العراقي الذي يرفد الشعرية العربية بشعراء من طراز خاص ودائماً تكون نصوصهم هي الحكم الوحيد لهم في غابة الشعر العراقي خاصة والعربي عامة، وقد تجاوز نص فرات الشعرية العربية ليخرج الى العالمية وتترجم نصوصه الى الانكليزية ولغات أخرى الأمر الذي مَكنَه كشاعر شاب أن يقرأ جيداً ما يكتب من شعر بلغات اخرى مقارناً ما بين النص العربي والانكليزي والذي استطاع النص العربي ان يقفز في أحايين كثيرة على نصوص عالمية. انه الشعر الذي لا يعرف المستحيل. ولعل موجات وكميات الألم والحرمان والحروب والدمار والموت المجاني التي تضغط على الشاعر العراقي لتجبره على تدوين ذلك الألم بالطرق الفنية الجمالية مكنته أن يتفوق في نصه على نصوص الآخرين وفي مناسبات كثيرة، وفرات هو واحد من شعراء العراق الذين أخلصوا لنصوصهم وجعلته يتبوأ مكانة مرموقة في الخارطة الشعرية العراقية، أن الشاعر باسم فرات هو تجربة شعرية نابعة من قلب الألم العراقي المفجع....