انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    نوافل الحمداني، قصيدة الرحلة، التجنيس ومفضياته في ديوان "بلوغ النهر" لباسم فرات

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    نوافل الحمداني، قصيدة الرحلة، التجنيس ومفضياته في ديوان "بلوغ النهر" لباسم فرات Empty نوافل الحمداني، قصيدة الرحلة، التجنيس ومفضياته في ديوان "بلوغ النهر" لباسم فرات

    مُساهمة  Admin الأربعاء يناير 27, 2021 6:03 am






    قصيدة الرحلة
    التجنيس و مفضياته
    في ديوان( بلوغ النهر )
    للشاعر باسم فرات



    الأستاذ المساعد الدكتورة
    نوافل يونس الحمداني


    جامعة ديالى
    كلية التربية للعلوم الإنسانية
    قسم اللغة العربية




    الملخص

    يمكن لقصيدة الرحلة – بوصفها تجربة شعرية – أن تجسد إلى حد ما أطر الأمكنة ومعتقدات ساكنيها ، و آفاق الثقافات من حيث الرؤية والاعتقاد العرفي والشعبي ، بما يجسّر هوّة التباعد أو حتى التنافر بين الشعوب ، ليكون الشعر - عبرها - الحلقة الرابطة و معرفة ما هو انساني مشترك وإن تلاونت الأعراق والجنسيات .
    فقد كان ( بلوغ النهر ) محاولة فاعلة في خلق روابط تواصلية إنسانية تقوم على المجاورة الثقافية المبتناة على أساس واع من المبادلة الفكرية عبر تشكلات بنائية نرصد منها وعيا ذاتيا في الاحاطة بعرف شعبي وخوض فيوضاته التراثية ، كما أن تجسير المسافة بين قطبين مكانيين اقتضى استطلاعا لآفاق الغريب في المكان بوصفه فرادة خلاقة تتجاوز قيم بؤرة الاتساق بين المكان وتداولية أنماطه ، تجسد ذلك بانسيابية شعرية ، وتصورات حالمة وواعية للبيئة المضيّفة بشخوصها وعوالمها ، بلغ بها الشاعر مواطن انسانيته التي تسامى فيها عن جراحه الخاصة ليرتقي باحساسه للتعبير عن البشر عامة ليكون همه ووطنه جزءا من هم العالم الاكبر ، كان ذلك من خلال انغماره في نهر معرفة الآخر ومعايشته بتفصيلاته اعتقادا وفلسفة ورؤى ، انسرب ماؤه إلى ذاكرة العرف العربي في بلوغ عذب .

    إذ إن قصيدة الرحلة عند باسم فرات تقانة أدائية توصل المتكلم بالمتلقي عبر ما تحمله من علامية (( تدل على شيء دون أن تكف من الإشارة إلى شيء آخر )) وعلى نحو يحتمل أو يحتاج إلى كثير من وسائل الانسجام لتحقق فرادتها في أداء موضوعاتها الخطابية ، ولعل من مهمات التواصل الأُول عند المبدع انحيازه إلى ذاكرة التلقي في سيرورة وعي مكاني يرشح انغماسه في بؤرة ذاتية تؤقلم آلية التعبير في الايصال والتواصل شرط ان لا يجعل المتكلم يفقد السيطرة على اللغة .

    ولأن الشعر فن التوصيل أو آلية من آلياته ، في (( فهم البناء المتناقض للأفكار في الوصول إلى اشباع أعلى لمناطق اللاوعي واستدراك عاجل للموجودات العينية والقواعد والأعراف لإعادة توعية اللاوعي )) ، لذا فقصيدة الرحلة عند ( باسم فرات ) تؤكد ميل الذات العارفة بمعطيات الصناعة الشعرية إلى ابتدار فكر معرفي وتقاني يسعى إلى اشهار قيم فكرية أو اعلان بؤر مكانية لا تستجلب مرتكزات القراءة الايجابية والفاعلة لدى المتلقي بسبب من أن المتعة واللذة طاقة فاعلة من طاقات الخطاب في وعيه العرفي ، وتعثره في التفاعل معها ، لأن في تبئير دلالات المكان تلونا اشكاليا يحيل على منطلقات تداولية مهمة منها التقبل والاندماج في وعي مجتمع القصيدة انتاجا واقبالا .

    قصيدة الرحلة
    التجنيس والمغايرة
    تتجه قصيدة الرحلة نحو المغايرة في تاطير أدب الرحلات فهي تخرج النص من جنسه النثري الذي عُرف به إلى جنس الشعر ، ويتبع ذلك تحولا نوعا ما في بعض دواعيه وأساليبه ومفضياته ، فقد كانت الاهتمامات السياسية أحدى أقوى دواعي الرحلة الموثقة أدبيا ، إذ ينتقى الرحالة / الشخصية للقيام برحلة إلى بلد ما لتسجيل ملاحظه الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية عنه التي تفيد في إعطاء صورة تسهل مهمة التعامل السياسي وربما الاستيلائي على البلد الآخر ، فضلا عن الأهداف التجارية والاقتصادية ، كما أن رغبة حب الاستطلاع والمغامرة الاستكشافية التي غالبا ما يكون دافعها ذاتيا من غير تكليف من أحد تشكل واحدا من إرهاصات الرحلة التي تدوّن نثرا وبما يمكن مقاربته من الحكاية أو القصة البسيطة في سرد أحداثها ، إذ يسرد الرحالة تفاصيل رحلته المغامرة وما يعتريها من ظروف وصعاب بأسلوب تشويقي ينشط فيه خياله أحيانا لخلق أجواء من المتعة والدهشة للمتلقي عبر تصويراته لعجائبية أو غرائبية بعض الأحداث و المواقف التي اعترضت رحلته ، و مع أن ما يجلي صورته أدب الرحلات سابقا قد زال اليوم بسبب من أن التطور جعل العالم متمرئيا و مكشوفا ، غير أن فنية هذا الأدب مازالت قائمة ، فعلى الرغم من انفتاح العالم على بعضه البعض ، وإتاحة السفر والتشوّف للبلدان الأخرى لكن يبقى لأدب الرحلة مسوغه الفني الذي يمتع المتلقي معرفيا وثقافيا .
    إن ما كتبه الشاعر ( باسم فرات ) في ديوانه ( بلوغ النهر ) يقترب كثيرا من أدب الرحلة ، بل نستطيع القول أن نصوصه الشعرية التي تأخذ طابع تصوير الشعوب المرتحل إليها ومعتقداتهم وأحداث مجتمعاتهم والوقوف على ما يشكل إرثا ثقافيا مهما عندهم هو مما يعرف بـ ( قصيدة الرحلة ) و قد سارت عنده إلى معاينة الأمكنة وتسجيل ملحوظاته بلغة يزاوج فيها بين الشعرية بمجازاتها وبين اعتماد الصورية آلية كشف لطبيعة المجتمعات وثقافاتها فكرا و سياسة و أدبا ، فهو لم يتخذ من الشعر غاية جمالية قائمة بذاتها ، وإنما انفتح على الموقف النقدي والتأملي من التاريخ، فضلا عن تداخل الحضاري والثقافي وبعض المؤثرات الدينية المختلفة في تصويراته ، و هذا يعني أن الرحلة انتقلت في قصيدته من التسجيلية التوثيقية إلى إضفاء البعد الحضاري والمعرفي على النص والمصاغ فنيا ، أي أن عين التوثيق تأخذ الطابع الجمالي والأدبي في تصوير البلد المرتحل إليه بـ ( الفوتو شعر ) ، ما يعطي صورة عن تطور أدب الرحلة ، و يمكن عدّ قصيدة ( باسم فرات ) أنها فتحت باب التواصل المعرفي والانفتاح على ثقافة الشعوب من خلال قابليتها على تجسيد الأطر المعرفية والحضارية بين البلدان وتقريب المسافات الثقافية بينها ، فهي يمكن أن تكون أداة للتفاهم والحوار الثقافي وإقامة العلاقات الإنسانية ، ولاسيما بين الشعوب القصيّة عن ثقافتنا وتوجهاتنا الفكرية

    جغرافية المكان
    .......وحدود الممارسة الجمالية
    قصيدة الرحلة عند باسم فرات نزوع ثقافي مستمكن يحول الواقع الموصف لطبيعة تضاريسية معينة إلى خيال مغروس في ضمير الذائقة الشعرية إلى عالم يكاد يفيض روعة واختلافا ، إنها صيرورة للمسافة النفسية عبر انشغالات سردية تحيل القصيدة الى وعي خازن يستملك مديات كبيرة من الاظهار وكيفيات متداعية من التوصيف غالبا ما تكتنف صورة المتحقق في قصيدة الرحلة بسبب المخالفة الحاصلة بين منطق العصر ومنطق التقليد ، وتكاد عتبة العنوان في مجموعة ( بلوغ النهر ) أقول : تكاد تكون العتبة في هذه المجموعة قناعا تترامي في ضوئه وتنكشف على نسقه الدالة المغيبة لبؤرة الاختلاف في قصيدة الرحلة لدى باسم فرات .
    فالنهر هو الغاية والبلوغ هو الرحلة وهي المبتغى وهي نهاية كل شيء جميل ، هذه الإيماضة الفلسفية تمثل نقطة تثوير مهمة تعكز عليها المجمل العام من قصائد المجموعة ولا سيما في التمسك بمبدأ التنوير الثقافي بوصفه غاية متطلبة لأي عمل يرافق الرحلة أو ينتج عنها ، فقصيدة الرحلة عند باسم فرات اعتكاف على فن المقاربة وارتكاز على مبدأ الإسقاط النفسي وامتهان لرؤيا التحول بغية الوقوع في دائرة الغربة عن رضا وقناعة .
    والطريف في الأمر، أن باسم فرات في قصيدة الرحلة غالبا ما كان يجد من الأواصر ما بإمكانه أن يشاكل على ضوئها بين عالمين واحد قديم والآخر جديد وهما وإن بدا مختلفين إلا أن الشاعر يستطيع أن يجد بجدارة نقاط تلاقي مشرقة ترتسم عليها القصيدة في بعدين اساسيين الأول رمزي حسي يقارب الصورة الواقعة والآخر أيقوني يأتي لصياغة المثال جميلا يتمظهر عند باسم في كثير من ممارسات عرفانية لا تخلو من تصور بأن هناك يوتوبيا تجره إلى الإيمان المطلق بجدوى هذه الرحلة لأن الجديد عنده لابد أن يحمل معه قيمة جمالية مضافة ويبدو أن هذا هو سر انغماسه المتواصل في البحث عن شغف الإحساس بالقيمة الشعرية في قصيدة الرحلة وإن كان همه الأول هو التوافق بين الشكل والدلالة .
    إنها اغتراب تلقائي ولكنه إيجابي قد يتنامى في تصاعد درامي مؤثر يبتغي بسرديته الموغلة في المواجهة كشفا لعالم افتراضي يتقدم استباقات الولوج في الرحلة ، لكن بأجواء الغالب فيها أنها مشحونة بالولع .
    هذا الولع يستدعي الانجذاب إلى سياق الحدث في تحميل القصيدة شوقا عارما يحمله على المجازفة ، فالرحلة تفويج لأماكن نفسية لا تتمثل في أبجديات معينة إنما هي إشهار لصورة فيها تماهي علني جاذب لكل أشكال الإحساس بالفوضى لأنها تنويعة قصائدية غالبة قد تصل أحيانا إلى الذروة في اللعب على إشكالية الاختلاف .
    إن الشاعر أينما حل يصنع لنفسه عالما لابد أن يكون متخما بأفانين من التنوع يشعره باطمئنان راسخ لأن التنوع أساس فكري تنبني على حدوده ممارسات المغامرة الجمالية وما كان يبتغيه هنا هو استنطاق فن المخيال وسبر رموزه القصدية والتأويلية والإيحائية وبكل ما اوتي من قوة ، قصيدة الرحلة تصوغ ميله الأكيد إلى منزع احترافي يختزل ممكنات الرحلة إلى شعر إن بدا واهنا لكنه فعل فنان مترف يولد في غابة النفس بواعث من الأمان تعتور عالم القلق كي تهدئ من روعه وعلى نحو شعري يثير أنساقا متشاكلة وأخرى متنافرة كل ذلك تجسد بانسيابية عالية وعفوية منقطعة النظير .
    ويعطينا الانخراط بدالات المكان في هذا الديوان تصورا عن ولع معرفي بمجهول بيئة مغايرة ، أو محاولة التحول المكاني لفضاء جديد في استظهار حيثياته أو التأصيل لسردية أداء الامكنة في بيئة عربية / عراقية ، تبعد كثيرا عن افتعال مواصفات الفضاء الآخر, فغرابة المكان وقيمه الصادمة بحاجة إلى إضاءة واعية وتوصيف ثقافي ، يجعل عملية التواصل بين المتراسلَين ممكنة ، ومن دون هذا الكشف والاستبانة يتحول الأمر إلى اغلاق يصادر رؤية المتلقي ، ولاسيما أن تزاحم الافكار والرؤى وقولبة الاطار العام للتعبير بلغة شعرية اكتنزت بمجازات وتمثلات مواربة وتوصيفات مكانية غرائبية غير موصوفة ، فيصبح جوهر الرؤية الشعرية للعالم والأشياء و الزمن و المكان ما يقود النص إلى الانغماس بالغياب أو الانقطاع الذي يسهم في تعقيد الرؤية ويعجم على المتلقي درايته على نحو يجعله يستوفز المكان ويستغربه . ونستشف من نصوص باسم فرات ما تحمله من سمات شعبية أو محلية تترجم المكان وأحداثه برموزه ، وتمثل طقوسا تراثية في أغلبها تنحو منحى اسطوريا ، و قد اتخذ الشاعر من واقع لمسه وعايشه منطلقا للتعبير عن رؤى واساطير مؤطرة بحدود المحلية غير أنه حملها دلالات خاصة تعززها ثيمات تنفتح على آفاق اللامحدود . ولنا أن نمثل ب ( الساموراي )إذـ يقول :
    يعتمر خوذته
    يمتشق سيفه
    ...يتمنطق بالفولاذ
    إنه بكامل أبهته
    فيه رائحة التاريخ
    وبقايا غباره
    ... خصصوا له ركنا
    في المتحف
    وفي المهرجانات
    تراه يجلس على صخرة
    ... تلتقط له الصور التذكارية
    ... ويركن
    في زاوية شبه مظلمة

    تتشح القصيدة بجو أسطوري يحدها بأطار الاقليمية أو المحلية إذ يجسد الساموراي في عرف تلك البلاد القوة البطولية المنتصرة التي لا تهزم ، وعبر توصيف سردي ساقه الشاعر في رصد تمثاله الرمزي وما عليه من هيئة توضح أبهته وقوته ، قد حمّل نصه ثيمة تنسرب منها رائحة الانعتاق من وهم أسطرة التاريخ ، نحو الحياتية والواقع المعيش الذي يسعى فيه انسان هذا العالم إلى السلام والوداعة لا الحرب و القتال ، وهذا الترسيم يتناغم مع قصيدة الامبراطور ـ في سرديتها التي تحكي أسطورة ثانية ... ، يقول :
    الممالك تحت عرشه تستغيث
    ملك الجهات العشر
    فرسانه زرعوا السواحل جماجم غزاة
    ... تهتز الجبال من لائه
    ... لم يعد مكانا للتبرك
    فهو مأوى جرذان ومبولة سكارى
    يوظف الشاعر ما هو خاص ومؤقلم لتقنين بؤرة نصوصه في رفض الاباطرة وتسلطهم بأن جعل رمزهم مبولة السكارى وازدراءهم , فالانسان أينما كان بحاجة لأن ينعتق من أسر الظلم والقوة المخيفة ، ويعيش في ظل الحرية العدل والأمن، فما أرشفته ذاكرته هو نفسه ما تعتني به الشعوب وتهتم ثقافتها المحلية فيه .





    يوتوبيا مؤسسة
    إذا كان الانسان يمثل بؤرة اتصال مهمة في قوانين التواصل البشري إن هذا التواصل يحتم"خطابا للإقناع أكثر تداولا وجدلية ، فأزلية استمكان الأنسان قائمة على تداعيات الثابت والمتحرك ، ولعل ما يهم هذا الانسان قانونه الخاص في الاستيلاد من مرجعياته الفكرية والاجتماعية والتأسيس على الآخر في انفتاحه على بعضه حينئذ تنتج له تقانات تواصل تظهر التواشج فكرة اقتراب حميمية يمكن ان يكوّن رؤيته النفسية والاجتماعية في التواصل مع ثيمات تسريد البيئة بوصفها منتجا خلاقا يمنهج أداء الشاعر ،وإذا كان العربي يتجه في أغلب توصيفاته الى العناية بالمكان بوصفه قيمة عليا يتحقق فيها ومن عليها وجود الحدث الشعري ومن ثم إشهاره الانسجام في التواصل مع منطقية الاستجابة لدى القارئ .
    إن المشهد السردي لطومائية المكان في أبجدية باسم فرات مفارق بعض الشئ لأوليات توصيف الموضوع على اعتبار أن وحدة للأداء الشعري شاملة فالتوصيف النقدي إذا كان قد اعتمد الزمان والمكان معاني يتحرك في ضوئها التاريخ إلا أنه يستبعد كثيرا التعويل على يوتوبيا مؤسسة لفكرة الجنة عند شذاذ الفكر ومتصعلكي الثقافة في وقت من الأوقات ولأسباب نفسية وربما مادية دفع الكثيرين من مروجي الصناعة الشعرية إلى استلهام أجواء القص تلك في البحث الأهوج عن أجواء وأمكنة يمكن أن توفر البديل الموضوعي لفكرة الجنة المفقودة حتى لوكان ذلك على حساب العقل والمنطق في ذاكرة المنهج العقدي الوصاف، إلا أن الشاعر باسم فرات استطاع وبوعي أخاذ ان يتجاوز حافات الاستدلال تلك ليستطلع قيمة أثيرية لاندماج الزمان في تشقيق عالم متوثب يجترح انقلابا صارخا للمكان في ذاكرة مغترب ينظر إلى مرجعياته من جهة ومن جهة أخرى تبقى عيونه معلقة بعالم يتوق إلى صناعته وإن كان فيه شيء كثير من عالمية مصطنعة وغرائبية لا تستذوقها ذاكرة المتلقي لذلك ،فإن النقد الثقافي العربي بات اليوم يتطلع الى تسييق من نوع خاص ،يتجاوز الثقافة المحايدة ،في بؤرة الزمان ،معنى هذا أن مقام الزمان عنده في (بلوغ النهر ) قد ينخرط في التعويض عن عتبة مهمة من عتبات السرد ، تشمل على ذاتية المكان في زمن مفتوح يمهد لاقامة نوع من الخطاب حامل لمؤلفات الزمان والمكان في آن واحد يكون ذاتية المتلقي كيما يكون مستقلا قدر الامكان عن تأثيرات الزمان بوصفه مولدا آنيا يسجل ضمور الحدث او انه يحاول ان يتجاوز قيمة الزمن اللامنتمي في إشاعة ممارساته التوصيفية الزائفة وسردياته الوهمية في تنوير بؤرة مكانية واحدة يعاني انغلاقا شديدا إزاء افتعال الموروث ثقافيا وهو وعي يبدو متخلفا جدا في الإثارة والتنصيص .مما يجعلها تنساق مع احكام هذه الاثارة مكانيا للوعي بالنص ، والاكثر غرابة من ذلك قدرة الشاعر على تجاوز المحاذي من فكرة الزمان للولوج الى بوابه وثابة لها القدرة على صناعة تمثلات مكانية جامحة تدع المتلقي ينساب حتى يجمع خيوط الحدث على نحو متفرد بعيدا عن تأثيرات المبادلة والمقابلة .
    ان خيوط المكان الاول وتداعيات المشهد الدرامي في رؤيا النص يجذب بالمؤلف الى تقصي صياغات إفرادية مكتنزة تتيح للمتلقي خيارات معجمية كثيرة في الشرح والتحليل ،أما المشكل عند باسم فرات فيتمظهر في رؤيا ذهنية حادة لا تقول الواقع لكنها تستوفز واقعا آخر مغيبا يقتحم مخيال العرف السردي وقد يخربه في مرحلة أخرى لاحقة ، إذ يستدعي تحولات بؤرة الدلالة في عتبة المكان بوصفه مشهدا ليستثير موقفا اتصاليا غير مرغوب فيه يهول حركة النص ،على اعتبار انه تداع من نوع خاص يرشحه الفكر البدائي على انه من اولى مهماته انخراط النص في رؤية مشهدية تنح بالمؤلف جانبا لذلك وجدنا في دالات المكان عند باسم فرات مشهديات تصوير لا تصدر إلا عن فوضى فكرية تتلبس نظام التشكيل في شعره تستهدف اول ما تستهدف انشاء منظومة من الدوافع النفسية لها القدرة على إثارة وعي المتكلم ومن ثم توصيف قدراته في التناسق مع أجواء المستثار من الحركة ومن ثم تجاوز ايقونات بيئية محدودة لاقامة بيئات تتمدد وتتصاقب مع الاولى رؤية وحدثا ،إلا أنها توحد في الدلالة السردية قيمة الاهتمام بالمكان او دوره المشهدي في صياغة واقعة الحدث بوصفها تداعيات أو ربما تخريفات تؤطر شطحاته الانقلابية ،لانه البطل المجلي لكل تلك التداعيات .
    وتكاد مرجعيات التوحد في التقابل المكاني عند باسم فرات تتوزع بحسب تقسيمات يجترحها النظام السيميائي الغارق في حيوية مثيرة تحفز إمكانية العقل في تقبل رؤية مستثارة لدى المتلقي عبر تجسير المكان وتنتويع تقانات الإيصال قد توسع بيئة السرد عبر تداعيات تاريخية وسيمولوجية . إشهارها يكون في الغالب ممحورا على التاريخ والجغرافية فهما مؤلفان لحبكة خطابية بارزة تؤقلم الحدث بحسب تطورات الرؤية وتجاذب المرجعيات في نفسه ، يقول:
    (البراق يصل الى هيروشيما
    يقف البراق
    دون نبي يمتطيه
    حاملا احلاما
    فقدت صلاحيتها
    يجري النهر تحته)
    ولعل الناظر لبنية التسييق في نص هذا المقطع يحيل من النظرة الأولى الى اندماج وجداني ان صح التعبير بين ما هو قائم وبين هو منزوي في ما تبقى من ذاكرة المسكوت عنه في فكرة نبي مختلف حضوره . فردي وقور في ذات نفسه لكنه انزوى في ذاكرة المكان براقا لا نبي يمتطيه لان البراق إذا كان قد شكل في وعي الشاعر ترسيمه لصناعة دلالية تذهب للانغراز في عمق انكشافه الديني والعقدي، فالبراق دالة سردية صنعها الشاعر وأكسبها قيمة شعرية للانفلات بها من عقل الجماعة إلى توثيق اكتشافه لهذه الأيقونة بوصفها دالة معرفية ، فأدب الرحلة لا يمكن أن يتخلص من المرجعيات الثقافية لكاتبه ، فللقراءات السابقة سلطتها على النص وهي خلفيات تمسك اللاوعي عنده ، ولعل هذا التوثيق المشهدي في صناعة الحدث يتسق كثيرا مع معرفية صناعة المكان او البحث المستمر عن جنة أو حلم لولاها لما كان بإمكان الشاعر تلمس ملامح الشعرية في تجربته ، وليس غريبا الادعاء بأن باسم فرات في (بلوغ النهر) قد قارب كثيرا بوعيه الشعري بين البراق المرجع والبراق أيقونة اكتشاف في تشكل قصائده المعرفية فهو يمثل تقانة من نوع خاص يثير السحر في اجواء المشهد بفعل تنقلاته العجائبيه ، إلا أن باسم فرات هنا قد اعطى لثيمة السرد قيمة دلالية مخالفة فهو لايتسق كثيرا مع صاحب البراق فالبراق اذا كان موجودا في بيئته المختلقة تشخيصا إلا أنه لم يجد لحد الآن من يمتطيه :
    بينما البراق منتظر من يواريه التراب بعيدا
    نسي ان يحلم بنبي يمتطيه
    ولعل الافادة من تواشح الرؤيا بين البراق وبين المدخول الديني الذي يترسم فيه كان حافزا على استثارة مديات من الجابهة الفكرية بين طرفي النقيض من المعادلة ، إلا أن باسم فرات في( بلوغ النهر) استطاع ان يجند طاقات هائلة من المزاوجة البصرية ، بين حدود الوعي البصري وبين امكانات التخيل ولعل ذلك ظهر جليا في متوالية لغوية اقامت جسرا من العلائق النفسية بين الوعي العقدي وبين الوعي الذي يصحب اكتشاف البؤرة المحاذية .
    يجري النهر تحته
    تجري تحته الانهار
    ان رؤيا المبادلة في المضاهاة بين اركان المتوالية ترشح رسوخا شبه طاغ في غياهب المتبقي عنده ،في منزلة يتخذها المتقون رمزا فكريا فاعلا في الموازنة الدلالية. حيث رسمها الشاعر حالة صوفية يدور عليها أو تقوم على منوالها أغلب تداعيات الرحلة في أسفار الشاعر تلقاء رغبته.
    واللغة بوصفها نظاما علاميا نشأ من حاجة الانسان الطبيعية للتواصل مع الآخرين ، فأن العلاقة العلامية اللغوية تقتضي قيمة للترابط العرفي التداولي بين العلامة والشيء المعبر عنه ، ومن غير هذه القيمة تصبح الكلمة المعزولة عن سياقها الخارجي لسان ما ، تفتقد إلى معناها ، ويكون شأن المتلقي للعلامات في هذا العرف الخاص لسان جماعة ما ، شأن المتلقي في العرف العام المتحول ، ويمثل مرشحة القصيدة العنوان ما نذهب إليه في نصوص الديوان التي تنزع هذا المنزع ، من مثل ( الهنمي في هيروشيما ، طلات تن كان خام ، سبادي ،تقريظ باشو ، تلاميذ هندوري ، ميوسولوتاميا , مدرسة تشاو فوتي بان ، ...) ، إن قراءة المحتوى التوصيفي لبؤرة الاستقطاب الكامنة في عناوين القصائد له قيمته الدلالية في رصد ثيمة النصوص ، ولاسيما أن هذه العنوانات بما تحمله من بيانات معرفية تشكل عبئا إفهاميا يستثقل كاهل المتلقي ، ومحاولة اجتذابه لدائرة المفاعلة ستكون مشوشة أو فوضوية لعدم قدرة الرسالة على التعبير في الانكشاف على وعي قصدي يُظهر التواصل البناء في ذاكرة العرف بوصفه سلطانا واعيا يرشح تداولية نص دون سواه ، فضلا على أنه لا يمكن النظر إلى عنواناته خارج سياقات نصوصه بل في ضوء العلاقة الوثيقة التي تربطهما ويُستجلى منها ثيماتها ، كما يمكن أن تفسر غائية الشاعر في الولوج بولع تصويري إلى تجسيد تفاصيل معينة تفتقدها ذاكرة التلقي لولا إضاءاته الهامشية التي استنارت بها القراءات ورفدتها بما يفك إشكالاتها .
    اتخذ باسم فرات من الكلمة بوصفها مثيرا جماليا يحمل معنى ويبطن دلالة ، وسيلة الارتقاء من شعبية الرؤية إلى عالمية الفكر ، وقد استثمر ثقافته و ما تحمله رؤاه من تاريخ بلده وحضارته ما يطعّم ذلك ، في قصيدة ( البراق يصل هيروشيما )

    أمام قلعة هيروشيما
    وحيدا
    يقف البراق
    دون نبي يمتطيه ...

    إن ربط قصة البراق المعروفة في معتقده الديني وما استثاره تمثال الفرس المجنح في هيروشيما ، يخلص إلى حاجة العالم لروح نبي تبعث الهدوء والسلام في النفوس بعد أن ساد القتل والدمار ، فانشغال الانسان بما يحدث في العالم من مجاعات وأوبئة جعلته ينأى عن روحه الحقيقية التي تسمو بوداعة الانبياء ورهافتهم ، ويتسلل إلى نفسه الخوف بما يجعله عنيفا مثقلا بالهموم ، وهذا يحملنا على القول : أن الشاعر ارتقى بآلامه الخاصة محنة بلده ، إلى تحسس ماتعانيه الشعوب ، والتعبير عنها تعبيرا انسانيا بعيدا عن العرق والدين ، وهذا ما يجسد شفافيته وصفاءه الانساني
    ما أعني بذلك، سعيه المستمر للحصول على الإلفة في خطابه الشعري إزاء الغريب المأمول يرتجيه معادلا روحيا لثيمة المكان في تصور القرآن : جنات تجري من تحتها الانهار
    معنى هذا ان الشاعر في تجواله الفكري المضطرب واحتضاراته الموغلة في المناورة ، ازاء تدافع المرجعية الذاتية يشهد انتاج نص معرفي يستحل حافات مكانية مؤججة بالغرابة يتوج بها بحثه المستمر عن الأنا في تأريخ سياحاته الصوفية بوصفه فردا عجائزيا له القدرة على استمالة قلوب مريديه أينما حل وارتحل ، و تتكشف الدلالة في القصيدة حين تصل إلى (( ذروة وظيفة القراءة المولدة للدلالة في آخر القصيدة )) :

    انصت للقلوب
    وهي تتغامز انظروا للغريب لقد صار واحدا منا
    إن توغله في عوالم الحياة الجديدة أفضت به إلى مشاركته احتفالاتهم وتناغمه وأجواء أفراحهم فهنا نجده قد طرد أحزانه واحتفى فرحا بطقوس تفتح زهرة الكرز :
    في احتفالات الهنمي
    عليك أن تحتفي بالفرح
    وتطرد أحزانك بعيدا...
    تنادم ضحكات الجميع
    وتمنح النسيان فرصة أن يتسلل إليك ...
    النجوم تستنير بضحكاتهم
    تستفيق الذكرى بعد أن تخلت عن الألم ...
    والغريب يُزيح المجهول إلى الماضي
    باحثا في أحلامه عن مرآة
    على مقربة من بقايا قبة خضراء

    هنا ، يمكن استيضاح كثير من مداليل السيرة الشعرية على نحو مفصل فهو اذا كان قد اعتمد التراث اصلا في الانطلاق الى بؤرة وعي جديدة ألا أنه كان قد اعتمد لنفسه لغة أقل ما فيها انها أطرت نماذج تشكيله الفني .
    وعلى الرغم من عد قصيدة النثر مجال إبداع باسم فرات ، غير أنه لم يتبن ما تبناه بعض نقادها ومن قبلهم مبدعوها ، في توافر هذا النمط من الكتابة على إيقاع داخلي ، تلمسوا في الجناس والطباق والتكرار بأنواعه ، مجالا تطبيقيا عليه ، ولا يخفى تأثر هؤلاء بالمصطلح الغربي الوافد الموسيقى الداخلية ، وقد جعله بعض منهم منبعثا من الالفاظ وحروفها المتناغمة والمنسجمة مع الحالات الخاصة بالمبدع ، ومع اهتمام النقاد بهذا المصطلح ومحاولتهم تقنينه في إحلاله بديلا أو موازيا لمصطلح الايقاع الخارجي في قصيدة الشعر العمودي ، إلا أننا نرى هلاميته وفضفاضيته التي لا نلمس تحتها شيئا ، و ما دام أن الايقاع تنقله الحروف وأصواتها والألفاظ ، فهذا يعني أن فكرة وجود إيقاع داخلي ستنتهي ، فهو سائب ومنفلت من التحديد كما يرى الدكتور عبد الستار جواد ، ويمكن أن يكون : "ميل القصيدة للتكامل تعبيريا عن طريق التشكيلات النغمية المختلفة تلاقيا وافتراقا من البنية اللفظية فيحدث نوعا من الايقاع القادر على تنسيق مشاعرنا وتوجيهها نحو أفق محدد " ، وعطفا على ما ذكرناه فأننا لم نتلمس في نصوص باسم فرات بنية إيقاعية منبعثة من طبيعة النص و الاحساس النغمي ، إذ لم ينشغل باتخاذ الايقاع الذي يشي بحالة نفسية محددة بما يعمق نصوصه دلاليا ، ولعل في قوة الإيحاء عنده وتكثيفه الصوري والبؤري ما أغناه عن العناية به ، فظلت نصوصه سائبة الايقاع لا تنضوي تحت إيقاع داخلي يكسب هذا النمط الايقاعي بؤرته التكميلية في المجال النغمي ، فلا نعثر على ذلك التوازن الجملي ولا التناغم الصوتي في مفرداته ، وقد وفق الشاعر في تكثيف صوره حتى صارت تشكيلاته الشعرية تكثيفا إيحائيا لدلالات حافة لاحدود لبعضها ، وستظل نصوصه شكلا تعبيريا مكتنزا بالدلالات والتجربة الشعرية .
    وربما كان اندفاعه الى التمسك بكثير من ايقاعات المشهد السيابي في التنظير لمسألة مرجعيات الحكاية والانطلاق من امكانية تفاعل اللغة في صناعة أنموذج لخطاب ان كان سيابيا في كثير من انثيالاته الدلالية واحتضار روح المفردة ورسوخ الحزن في إيقاعاته وانشطار الامل لديه وتشظي المعرفة لكن ، يبدو أن الشاعر لا يستطيع الانفلات من تشظي بؤرة الحدث الرئيس وهو حدث كان وما زال حدث بلوغ النهر يدور حوله انكماشه النفسي ويطرح الانعتاق في وعي سارد مضطرب يتوق الى عوالم جديدة من التفرد والصياغة والاستدلال .
    وعلى الرغم من تمازج الشاعر ومعطيات المكان المنتقل إليه ، نجد أن حنينه إلى بلده يبثه من خلال ما يتسلل إلى قصائده من تعبيرات تنم على تواصل لم ينقطع ، وأمل بالرجوع لم يخيب .
    وتتمظهر في قصائده رؤاه التي أكد فيها تعاشق الحضارات ، وتشابه الوجوه وإن بدا اختلافها ، وتماثل الاصوات رغم عجمتها ، وتوحد الخراب والدمار وإن تباين نوعه:
    هندوري يتمدد في رحم المدينة
    في ورق الهدايا يبيع التاريخ
    ...و الذكريات مباحة للجميع
    ...في الخاصرة تقف روما
    وقد خسرت جيوشها و أضاعت أمجادها
    حتى تحصنت بمطبخها
    ... كبير آلهة هيروشيما اتخذه صباحه السرمدي
    قنديل محبين هو و باب مراد للتائهين
    ... بينما ندى القباب ما زال عالقا في جبيني
    و على الرغم من انفتاح نصه قصيدته على الآخر ( بلدا وثقافة ) إلا أن حضور هويته التاريخية انبجست عنها مفردات تجسد مرجعيته الثقافية فقد تجلى في السطرين الأخيرين صميمية الارتباط ببلده وما فيه من رموز دينية جسدت علوق الشاعر بأجوائها المقدسة وطقوسها المحببة إلى نفوس الزائرين
    إذ لابد للشاعر، ان يحمل معه كثيرا من هموم بلده ، ازدواج يوثق انفصاله عن وعي الذات حتى لو حاول الانطلاق منه الى عجائبية مفرطة ظهرت في الاستدلال بعوالم ورؤى جديدة جاءت شاخصة في (بلوغ النهر ) إلا أنها كانت تعيق كثيرا من سلاسة التواصل الفكري في احتباكه السردي، إلا أن اغلب شواخصه الغرائبية والاسطورية لم تستطع الغور عميقا في رؤيته الفكرية لذلك بقي دورها سطحيا ومترهلا لان الشاعر سرعان ما يغور الى الداخل من بواعث جامحة تشغل النفس وتطربها بتلك الحرية التي كان ينشدها لكنه يعود لينكفئ في استجذابه على مركبات قرآنية إن كانت تتمتع بمرجعية عرفية متداولة إلا أنها تمثل أنموذجا لانتاج مخيلة بصرية وقادة تستبطن الواقع مخيالا في الاقتراب السردي ، نحو قوله :
    عجائز أحدثهن عن حروب آبائي
    فيصبون الشاي مثنى وثلاث .
    إذ لم تستطع مؤلفات المكان في البؤرة الجديدة ان تكبح جماح انفصاله الواهن في التلذذ برموز ودلالات استيحاش هذه النفس المضطربة ، فهو يدوّن بذاكرات متشابكة ، لننظر قوله :
    رأس القرية ، صاح فعرت ضحكته
    بقايا آثار المواقد
    هلم للدخول في حكاياتنا
    عبرت العتبات وقلبي يلهج
    سبادي
    سبادي

    تداعيات الذاكرة :
    ان الايغال في الاقتباس من تداعيات الذاكرة عند باسم فرات قد ولد عنده تهالكا الى اكتشاف مكامن الانبهار في رؤيا المكان السرمدي وربما توغل بعيدا هذه المرة إذ تمثل زاوية بعيدة من زوايا مدينته العنيفة ليقف في نفسه على دلاله مؤثرة جدا عنده ، إلا أنها جاءت في خضم تفاعل النص باردا جدا لا يظهر وعيه المكبوت في الانسجام مع ادلجته الفكرية او بتمظهرات ذلك في صناعته الشعرية . يقول :
    كل زاوية في المدينة تنساب اليه
    من عادتي ان الوذ به نهارا
    بينما ندى القباب ما زال عالقا في جبيني
    ولكن المثير في تمثل بؤرة المكان هنا تلك الصناعة البلاغية في إقامة نوع من التشخيص بين ندى القباب في تمثل تشكيلي مشخصن ينحصر في إسناد الفعل الكلامي الى غير ما ينبغي أن يسند اليه . لان الندى هنا فعل كلامي يشتهر تراسله بين الورد أو إلى ما توارد منه . ولكن الإسناد هنا جاء مؤثرا فالقباب في نظامه الانساني العام ، علامة على استشعار مكامن الانبهار والقدسية وهو ما يسوغ له إقامة هذه العلاقة الروحية في التبادل الوجداني ، ولعل ما يؤكد اتساق الدلالة في هذه الرؤية النفسية في هذه المتوالية اعتماده كثيرا من دالات التوثيق اللغوي في الاحتجاج إذ إنه يستوضح مكان الانبهار ويوزع طاقات هذا التشكل في تناسب دلالي مهم منه. مانقصده هنا اعتماده (الجبين) سيمياء على الولوج في التمسك بقدسية هذه القباب ، ولعل السيمياء الظاهرة في هذه المشهدية تحيل الى الركوع لانه الفعل الانساني الذي يطبع الجبين بدالته التشريفية دلالة إعجاز وإنجاز.
    ويرتقي الاستشراف عنده حتى يصل إلى أعلى حالات التمثل النفسي في استكناه مرجعيات الافتعال الواعي لمحولات الصياغة العرفية وذلك بالوقوف على مقاربات النص في التسخير لدلالات الطبيعة العراقية بوجهيها الجامد والمتحرك ، ولا فرق في ذلك طالما كان ذلك علامة على توحده مع ثيمات بيئة عراقية توشح تفرده في الانبهار بالبيئة الاولى حتى لو كان على حساب تمظهرات وشواخص البيئة الثانية المغرقة في التنكير حتى لم تم تنسيقها معرفيا على حساب النص :
    حدائقك تعيدني إلى الجنائن المعلقة
    تستلقي على ذاكرتي
    ليس ببعيد ، تفاعلات تكون الحدث في سرديته الشعرية اعتماده على دالة الفعل الكلامي في متوالية الفعل (تستلقي) بما تحمله من دلالات ايجابية تتيح للمتلقي تصور ان هذا الفعل بوصفه حدثا يستولي على ذاكرة الشاعر معنى ان الجنة التي صنعها الشاعر او انه حاول التمثل بها في بيئة اخرى غريبة لم تنسه الجنائن العراقية وقد يذهب الى اشهار النهر ثيمة مكانية ليس للتواصل مع مشهدية المكان الاول فحسب بل في اتساعه أو في انشطاره أوفي توسم الانتقال به الى تمثل ثان وان كان لاحقا فهو متداول لأنه هو المتيسر فحسب:
    أنهارك لا تشبه الفرات
    أراها تتعرق أمام تبغدد
    دجلة ، فيهطل شعراء ونواقيس
    ولا يغيب عن بالنا، أن الشاعر كان قد استدعى في مجمل توصيفاته للمكان عبر قصيدة الرحلة عنده مؤلفات عراقية لمعجم تشكيله العجائبي. ولعل استنفاره في البحث عن عراق جديد كان هو الدافع له في الخلاص من عراق انتبذه فرماه بعيدا يجول في أصقاع لم يعهدها، لذلك لا ريب أن يقود انقلابا حتى يعود في مخيال فكري وصاف ليشتهر عنده وبه على نحو خاص، فهو فتى أوروك الأول :
    حين هم فتى أوروك
    ان يستحم في شلالات بوين فوليس
    حيث لا أفاعي تسرق جهده الأبدي
    في النص عودة إلى رؤية السياب حيث يقول :
    وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
    من زهرة يربّها الفرات بالندى
    لكن هنا بصورة معكوسة في تمنّ لوطن جديد خال من الأفاعي مثل البلاد التي ارتحل إليها ، أنه يحاول ان يصنع لنفسه مجدا ابديا، وربما يذهب بعيدا الى وعي معرفي مخالف يمجد عنده الأنا بشكل طافح يستعجل الخلود أيقونة حياة لا تنتهي إذ يقول :
    أحدثه عن انكيدو
    فينثر التراب على جناحيه
    إن ما يشهد تكونه على مستوى دالات المكان في رؤية باسم فرات الشعرية ينبئ بتكون جيل شعري يمثل المكان الأول مشهدا غرائبيا متفردا يتقمص دالته ، لينتقل بها الى دالات أكثر جدلية توثق عرى انتقالاته أو تشهد ولادة عوالم يرنو إلى بهائها مرتجعا ومدَخلا . ما لاحظناه في حالة باسم فرات إن جدلية المكان الاول أو مشهد الحركة كانت طافحة عنده إلى درجة أنه لم يستطع تجاوز ذلك المعتاد من المكان حتى لو اشتغل على حساب مكان جديد في رؤية فكرية سوغت له الاستعانة بكثير من دلالات البيئة المغتربة ، فقد أطرت قصيدة الرحلة عنده مشتركا ينساح إلى حيوات الآخر أينما كان ، وهي تحايث ذات شاعر في رؤيتها العالم بموجوداته و أشيائه .


    الخاتمة
    نقول إن الجنة التي حاول باسم فرات أن يصنعها في قصيدة الرحلة أو أن يتمثلها شعرا في كل سياحاته النفسية والفكرية والمعرفية أو ما ظهر له منها على مستوى منجزه الفكري لم يغنه عن مفردات مكان متفرد استولت على ذاكرته فحولت اتجاه التقمص والتشخيص عنده إلى دالات عراقية وشحت شعره بطريقة ما ، لم يردها الشاعر ،أو أنه لم يستطيع الانفلات منها.
    ولعل من وكد قصيدة الرحلة عند ( باسم فرات ) تصوير الظواهر المجتمعية و اقتناص الاحداث اللامعة في حياة الشعوب ، بطريقة تضم المعلومة إلى عالم الأدب ، ويمكن عدها مصدرا لمعرفة ثقافة الآخر وكشف مجاهيله ، فضلا عن التقرب إلى الشعوب بعاداتها وتقاليدها الثقافية ، وهي بذلك تتجاوز التوثيق إلى الاهتمام بالأداء التعبيري من خلال الصورة مرئيتها وسمعيتها التي بنى عليها الشاعر نصه ( الرحلوي ) ، من هنا كانت نصوص ( باسم فرات ) مرآة تنعكس عليها رحلاته المتقافزة بين البلدان وسجّل بفنية اللغة المعبرة انطباعاته عنها ، ولاسيما بلدان التنوع الثقافي من حيث العرق والدين والجنس ، وهو يؤرشف واقعهم المجتمعي بعين الفن وبلغة الشعر ، بعدسة المصور الناقد، وأرخنة الموثق الناقل لأهم ما تشخصه الحقيقة ليدخلها – من ثم – إلى مشغل اللغة الشعرية منتجا منها صنيعا من التاريخ الجمالي أو الجمال المحتفي بالتاريخ .







    Conclusion
    We say that the Paradise that he tried in the of basem Furat to make it in the 'reach of the river' or to be represented poetry in all his psychological, intellectual and cognitive trips or what appeared to him on the level of intellectual achievement did not alienate the vocabulary of a unique place captured his memory turned the direction of reincarnation and diagnosis to Iraqi functions He shaved his hair somehow, the poet did not respond, or he could not escape it.
    It is possible that the poem of the journey in the of basem Furat depicts the phenomena of society and capturing the brilliant events in the lives of peoples in a way that includes information to the literary world and can be counted as a source of knowledge of the culture of the other and the revelation of his imagination, as well as closer to the peoples with their customs and cultural traditions, In this context, the texts (in the basem of Furat) mirror the reflections of the intercultural journeys between the countries and the artistic expression of the language in which he expresses his impressions, especially the countries of cultural diversity in terms of race, religion, and religion. Nish, which heals their social reality with the eye of art and language of poetry, the photographer's critical lens, and archiving the most important carrier binder





     المصادر والمراجع

     الإشهار والصورة ، دافيد فيكتروف ،ترجمة : سعيد بن كراد ،منشورات الاختلاف ، الجزائر،ط1، 2015 م
     الأثر المفتوح ،أمبراطو إيكو ،ترجمة :عبد الرحمن بو علي ،دار الحوار للنشر والتوزيع ،سوريا ،د.ت
     بلوغ النهر ،باسم فرات ، الحضارة للنشر، القاهرة ، ط1 2012
     التحديات التي تواجه القصيدة الحديثة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
     التداوليات علم استعمال اللغة ,د.حافظ اسماعيلي علوي عالم الكتاب الحديث ،ط 1 ،2011
     جاذبية الحداثة ومقاومة التقليد ، د.محمد الشيخ ، دار الهادي ، بيروت ، ط1 ، 2005 م
     :الشكل والدلالة ، دراسات في القصيدة العربية ، د.محمد محلو ، منشورات ضفاف ،لبنان ،ط1 ،2015 م
     العبارة والإشارة ،د. محمد العبد ،مكتبة الآداب ،القاهرة ،ط1 ،2007
     عتبات الكتابة في الرواية العربية ،د.عبد المالك أشهبون ،دار الحوار للنشر والتوزيع، ط2 ،2007
     اللسان العربي وإشكالية التلقي ، حافظ اسماعيل علوي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،2007 م
     اللسانيات وتحليل النصوص ، د.رابح بوحوش ،عالم الكتب الحديث ، الأردن ، ط1 ،2007 م
     اللسانيات والدلالة ،د.منذر عياشي ،مركز الإنماء الحضاري ،ط1 ،2012
     ما وراء اللغة ،د. عبد السلام المسدي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
     نحو أفق محدد نحو أفق محدد اشكالية الحداثة ،ستار عبدالله ،دار رند للطباعة ،2010







      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 3:22 pm