إن تضاريس العمل الشعري ومقوماته تعد جزءاً من هوية الشاعر الأديب الذي يخوض غمار التجربة الشعرية وبناءً عليه تنشأ لديه الصورة الشعرية ذات المساحة العالية، مما يفتح الأفق واسعاً أمام تأملاته، وهذا ما يخلق صوراً تشبيهية تحاول محاكاة الفكرة لتحول العمادات إلى كائنات ملموسة يمكن الإحساس بمشاعرها وهذا ما يخلط الواقعية بالخيال ومثل هذه الصورة تحتاج إلى ذاكرة غضة ومليئة بشخصيات وإمكانيات قد قطنتها وتطورت داخلها، وهذا التنوع الصوري ما هو إلاّ إفراز مبدئي لما تحمله مخيلة الشاعر من أدوات شعرية، تجسد الشخصية البشرية وعلاقاتهما، وهذا ما حاول الشاعر باسم الفرات أن يُجسّده من خلال ديوانه (أنا ثانيةً) فالصورة التشبيهية العالية الدقة قد طغت على معظم قصائده:
الزنازين جعلتني قميصاً متهرئاً
على كتفي تسيل المنافي
وفي الشبابيك أسئلة الغائب
في سلة الألم تنكسر شموسي
ونلاحظ أيضا إن الشاعر باسم فرات قد ترجم معاناته للواقع المؤذي الذي عاشه خلال سنينه التي قضاها في العراق كشكوى قد حملت اسمه هوية لتقدم إمام القضاء العادل فجاء النص:
أنا باسم فرات.... يا الله أتعرفني؟!
وهنا قدم اسمه باعتباره كتاب شكوى ليتلقى الجواب الشافي والملاحظ أيضا في شعر باسم فرات هي الاستخدامات الشعرية التي طالما كان شعر باسم غضاً إذ حاول خلط القديم الشعبي بالحداثة الشعرية لتكون باقة ورد تحتوي على كل العطور من خلال:
يا امي ذكريني من تمر زفة شباب
من العرس محروم حنتي دم الخضاب
شمعة شبابي من يطفيها
التناقض الحاصل في الصورة الشعرية فتارة نرى الشاعر يركض خلف الموت وتارة نرى الشاعر يصف الموت وهو يطارده فنجد أن التناقض الحاصل بين الصورتين هو دلالة من دلالات الموضوعية التي استند إليها مقياس الصورة مما يخلق تخلخلا لدى المتلقي من جراء ذلك الاهتزاز وهذا هو أصل الفكرة التي يحاول الشاعر إيصالها للمتلقي بطريقة فلسفية تعتمد على القالب العام للقصيدة وقد ولد لديه تمثيلا وصفياً ذا قيمة أساسية عالية من حيث المضمون كما في:
كنت هرماً وطرقاتي يثقبها الحنين
بين جبلين يتيمين تركوني ومضوا
ولقب الشاعر أن يكون سيداً لكل جولاته وملاحمه الحياتية التي عاشها في ربوع المدينة المليئة بالقتال وهو ما يبوح به الشاعر إلى صديقه عن طريق بعض الدلالات التي رسمت هذه الأفكار.
لكن الشوارع عصا الجلاد
والثلوج غبار الملائكة
وانا لست سيد انكساراتي
ونجد أيضا أن الشاعر قد فقد سمات القصيدة الجيدة عندما استعان بالأسلوب المباشر في شرح الفكرة وهذا يشكل إحدى نقاط الضعف التعبيري والصوري من المنفى الأدبي وكما في قصيدته (زهو)
دع الجوائز لهم
دع المناصب لهم
ثم تعود الوتيرة ذات المنحى الأدبي الرفيع والصورة الشعرية الفخمة لتسيطر على أجواء قصيدة (برتبة منكسر) حيث تأخذه إلى عالم مليء بالأسى والضياع لتؤرشف حالة قد أجاد في وصفها وهي حالة اللاجئ كما في البيت
بينما العيون تؤرشفني لاجئ لاجئ
في ظهيرة الثاني والعشرين من تموز 1996
إحتضن الطف هيروشيما فكنت رقما في ملفات الأمم المتحدة.
بكل محبة لطينته التي ينزلق فيها المحبون تحت مأساة مليئة بنفايات الحروب تلك إطلالة قصيدة (طين محبة) التي حاول من خلالها الشاعر باسم الفرات أن ينحو منحى المعاتبة في قصيدة ذات طابع حزين أراد من خلاله أن يرسم بعض الجراح التي تعرض لها من أناس طالما أحبهم وساندهم.
إستلهم الشاعر في مقطوعته (ليس أكثر من حلم) تأملات الحنين والشوق إلى وطن جريح مدمىً بالألم فمتى يستيقظ على صباح لا تعكره الحروب وإستخدم الشاعر مصطلحاً تشبيهاً حين إستعار كلمة المزاج ليحرك بها الوقت مع العلم أن الوقت هو أحد العناصر المحدودة وهذا الإضفاء للمشاعر الإنسانية قد صهرها في قالب الصباح فحركه بنبض الأمزجة المتأثرة بالحروب...
تحلم
أن تستيقظ
حيث لا حروب
تعكر مزاج الصباح
ولعل الغربة التي فر إليها الشاعر من الألم والمنغصات التي كانت تعيق شروق قصائده هو ما جعله يمثلها بمثل بسيط يمكن للمتلقي فهمه وهو أن تلك القصائد قد أشرقت في غربته عندما تخلص من تلك القيود ولعله بات يحلم بأن يشم ثرى بابل ولكنه ليس أكثر من مجرد حلم وتكرار لِلفظة وتعلم، وهو إلا دليل على تعدد التجارب القادمة.
ذهب باسم فرات إلى الرمزية في قصيدته تاريخنا ليجد فيه الفلسفة التعبيرية التي لا تستطيع المناهج الأدبية الأخرى إيجاد مثلها فاللافتات السود تاريخ، وقد استطاع استحضار الماضي في قالب حديث أطر له جميع المحتوى الذي تنحها القصيدة من لفته عبارة عن تاريخ من الماسي ولألام التي أصابت مجتمعة وهذا ما يأخذنا إلى الواقع الفلسفي الذي تحتويه القصيدة بجمل مفهومة مثل
وطني.
نهران من الدموع يتوسدانه
النخلة هي الأخرى
تهدر بالنبوات
ويهزها طفل أوروك
وهو يعض دشداشته
وقصيدة أنا ثانية التي أراد الشاعر أن يبين أهميتها الشعرية لكل ما دار في خلده لذلك سمى ديوانه تيمناً بها والمتتبع لهذه القصيدة يجد من الأفكار ما قد مر عليه سابقاً في قصائد باسم فرات وبتشكيلة أخرى فراحت تتقمص شخصية العروس في وسط ديوانه فألبس ديوانه حلة رائعة، فهنا نجد السببية والاستفهام والتشبيه مجتمعة معاً لتشكل خارطة شعرية ترسم كل الطرق التي يحاول باسم الفرات ان يسلكها فنجد أن نفسه تساوره قائلةً:
التحف أمانيك
وأتخذ من عزلتك سريراً
هاهو نكوصك يتطاول
فيحاول أن يمزج ماضيه بحاضرة مستلهماً منه صيغة جميلة حاول ان يجعلها وصفاً روحياً لما يختلج في نفسه من حب للطبيعة الأشجار والطيور فتطاردها بنادق المدن الحديثة
أيها المليء بالأشجار والطيور
أناملك تسمع فيها زقزقة
وخفقاتك.....
قداس لتموز البابلي
وفي موضع نراه يلبس وصفاً جديد حيث شبه الشاعر بالشرطي الذي طالما حاول أن يحاسبه على هفواته ولا يحترف سوى الدسائس والخيانات وحاول أن يشكل شخصيه أخرى في باطنه من خلال حوار جميل ينم عن كل مامر به
أنت تقول النهار عبودية
تغرس مخالبها في فم الوقت
فأرقص على جثتك إلى آخر الوهم
ليصل الحوار إلى ذروته عندما يبدأ الشاعر بالتململ من كثرة التساؤلات والألم فيحاول أن يختم الحديث بتذكر أمجاده لعلها تشفع له في غربته الملأى بالتناقضات
كفاك أيها الرجل العتيق
يا ابن الرايات السود
والأكف المخضبة بالانتصار
ماضيك تقرعه بكل فطنة
فنرى أن باسم الفرات قد أجاد في ديوانه (أنا ثانيةً) الذي احتوى كل عبراته وأحلامه وترجيعاته النفسية وهو شاهد آخر على شاعريته.
الزنازين جعلتني قميصاً متهرئاً
على كتفي تسيل المنافي
وفي الشبابيك أسئلة الغائب
في سلة الألم تنكسر شموسي
ونلاحظ أيضا إن الشاعر باسم فرات قد ترجم معاناته للواقع المؤذي الذي عاشه خلال سنينه التي قضاها في العراق كشكوى قد حملت اسمه هوية لتقدم إمام القضاء العادل فجاء النص:
أنا باسم فرات.... يا الله أتعرفني؟!
وهنا قدم اسمه باعتباره كتاب شكوى ليتلقى الجواب الشافي والملاحظ أيضا في شعر باسم فرات هي الاستخدامات الشعرية التي طالما كان شعر باسم غضاً إذ حاول خلط القديم الشعبي بالحداثة الشعرية لتكون باقة ورد تحتوي على كل العطور من خلال:
يا امي ذكريني من تمر زفة شباب
من العرس محروم حنتي دم الخضاب
شمعة شبابي من يطفيها
التناقض الحاصل في الصورة الشعرية فتارة نرى الشاعر يركض خلف الموت وتارة نرى الشاعر يصف الموت وهو يطارده فنجد أن التناقض الحاصل بين الصورتين هو دلالة من دلالات الموضوعية التي استند إليها مقياس الصورة مما يخلق تخلخلا لدى المتلقي من جراء ذلك الاهتزاز وهذا هو أصل الفكرة التي يحاول الشاعر إيصالها للمتلقي بطريقة فلسفية تعتمد على القالب العام للقصيدة وقد ولد لديه تمثيلا وصفياً ذا قيمة أساسية عالية من حيث المضمون كما في:
كنت هرماً وطرقاتي يثقبها الحنين
بين جبلين يتيمين تركوني ومضوا
ولقب الشاعر أن يكون سيداً لكل جولاته وملاحمه الحياتية التي عاشها في ربوع المدينة المليئة بالقتال وهو ما يبوح به الشاعر إلى صديقه عن طريق بعض الدلالات التي رسمت هذه الأفكار.
لكن الشوارع عصا الجلاد
والثلوج غبار الملائكة
وانا لست سيد انكساراتي
ونجد أيضا أن الشاعر قد فقد سمات القصيدة الجيدة عندما استعان بالأسلوب المباشر في شرح الفكرة وهذا يشكل إحدى نقاط الضعف التعبيري والصوري من المنفى الأدبي وكما في قصيدته (زهو)
دع الجوائز لهم
دع المناصب لهم
ثم تعود الوتيرة ذات المنحى الأدبي الرفيع والصورة الشعرية الفخمة لتسيطر على أجواء قصيدة (برتبة منكسر) حيث تأخذه إلى عالم مليء بالأسى والضياع لتؤرشف حالة قد أجاد في وصفها وهي حالة اللاجئ كما في البيت
بينما العيون تؤرشفني لاجئ لاجئ
في ظهيرة الثاني والعشرين من تموز 1996
إحتضن الطف هيروشيما فكنت رقما في ملفات الأمم المتحدة.
بكل محبة لطينته التي ينزلق فيها المحبون تحت مأساة مليئة بنفايات الحروب تلك إطلالة قصيدة (طين محبة) التي حاول من خلالها الشاعر باسم الفرات أن ينحو منحى المعاتبة في قصيدة ذات طابع حزين أراد من خلاله أن يرسم بعض الجراح التي تعرض لها من أناس طالما أحبهم وساندهم.
إستلهم الشاعر في مقطوعته (ليس أكثر من حلم) تأملات الحنين والشوق إلى وطن جريح مدمىً بالألم فمتى يستيقظ على صباح لا تعكره الحروب وإستخدم الشاعر مصطلحاً تشبيهاً حين إستعار كلمة المزاج ليحرك بها الوقت مع العلم أن الوقت هو أحد العناصر المحدودة وهذا الإضفاء للمشاعر الإنسانية قد صهرها في قالب الصباح فحركه بنبض الأمزجة المتأثرة بالحروب...
تحلم
أن تستيقظ
حيث لا حروب
تعكر مزاج الصباح
ولعل الغربة التي فر إليها الشاعر من الألم والمنغصات التي كانت تعيق شروق قصائده هو ما جعله يمثلها بمثل بسيط يمكن للمتلقي فهمه وهو أن تلك القصائد قد أشرقت في غربته عندما تخلص من تلك القيود ولعله بات يحلم بأن يشم ثرى بابل ولكنه ليس أكثر من مجرد حلم وتكرار لِلفظة وتعلم، وهو إلا دليل على تعدد التجارب القادمة.
ذهب باسم فرات إلى الرمزية في قصيدته تاريخنا ليجد فيه الفلسفة التعبيرية التي لا تستطيع المناهج الأدبية الأخرى إيجاد مثلها فاللافتات السود تاريخ، وقد استطاع استحضار الماضي في قالب حديث أطر له جميع المحتوى الذي تنحها القصيدة من لفته عبارة عن تاريخ من الماسي ولألام التي أصابت مجتمعة وهذا ما يأخذنا إلى الواقع الفلسفي الذي تحتويه القصيدة بجمل مفهومة مثل
وطني.
نهران من الدموع يتوسدانه
النخلة هي الأخرى
تهدر بالنبوات
ويهزها طفل أوروك
وهو يعض دشداشته
وقصيدة أنا ثانية التي أراد الشاعر أن يبين أهميتها الشعرية لكل ما دار في خلده لذلك سمى ديوانه تيمناً بها والمتتبع لهذه القصيدة يجد من الأفكار ما قد مر عليه سابقاً في قصائد باسم فرات وبتشكيلة أخرى فراحت تتقمص شخصية العروس في وسط ديوانه فألبس ديوانه حلة رائعة، فهنا نجد السببية والاستفهام والتشبيه مجتمعة معاً لتشكل خارطة شعرية ترسم كل الطرق التي يحاول باسم الفرات ان يسلكها فنجد أن نفسه تساوره قائلةً:
التحف أمانيك
وأتخذ من عزلتك سريراً
هاهو نكوصك يتطاول
فيحاول أن يمزج ماضيه بحاضرة مستلهماً منه صيغة جميلة حاول ان يجعلها وصفاً روحياً لما يختلج في نفسه من حب للطبيعة الأشجار والطيور فتطاردها بنادق المدن الحديثة
أيها المليء بالأشجار والطيور
أناملك تسمع فيها زقزقة
وخفقاتك.....
قداس لتموز البابلي
وفي موضع نراه يلبس وصفاً جديد حيث شبه الشاعر بالشرطي الذي طالما حاول أن يحاسبه على هفواته ولا يحترف سوى الدسائس والخيانات وحاول أن يشكل شخصيه أخرى في باطنه من خلال حوار جميل ينم عن كل مامر به
أنت تقول النهار عبودية
تغرس مخالبها في فم الوقت
فأرقص على جثتك إلى آخر الوهم
ليصل الحوار إلى ذروته عندما يبدأ الشاعر بالتململ من كثرة التساؤلات والألم فيحاول أن يختم الحديث بتذكر أمجاده لعلها تشفع له في غربته الملأى بالتناقضات
كفاك أيها الرجل العتيق
يا ابن الرايات السود
والأكف المخضبة بالانتصار
ماضيك تقرعه بكل فطنة
فنرى أن باسم الفرات قد أجاد في ديوانه (أنا ثانيةً) الذي احتوى كل عبراته وأحلامه وترجيعاته النفسية وهو شاهد آخر على شاعريته.