انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تَري لوك: باسم فرات : يأخذنا ِلَنَتَأمّلَ في حقيقةِ هذا العالم

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    تَري لوك: باسم فرات : يأخذنا ِلَنَتَأمّلَ في حقيقةِ هذا العالم Empty تَري لوك: باسم فرات : يأخذنا ِلَنَتَأمّلَ في حقيقةِ هذا العالم

    مُساهمة  Admin الإثنين أكتوبر 25, 2010 9:54 am

    ترجمة الدكتور عبد المنعم الناصر

    ان نشر ديوان شعر : " هنا وهناك " لباسم فرات في نيوزلندا يعدّ بموجب حسابات عديدة ، حدثاً رئيساً في ميدان الشعر النيوزلندي ، كما ان من الحقّ أن نكيل المدح للناشرين مارك بيري وهيدروكس لنشرهم العمل .
    ان ديوان " هنا وهناك " هو أول كتاب في الشعر العربي يترجم وينشر في نيوزلندا ، وفي الوقت الذي يدخل فيه العالم العربي عقول الغربيين عبر منافذ شتى ومن خلال رؤى تتذبذب يميناً وشمالاً ، منها ما هو معادٍ ، فمن المفيد ان نرى باسم فرات والمترجمين الاربعة ( محي الدين عساف ، وعباس الشيخ ، وعبد المنعم الناصر ، ويحيى حيدر ) يأخذوننا لنتأمل في حقيقة هذا العالم .
    تتجاور على غلاف هذا الكتاب صورتان : صورة لميناء مدينة ولنغتن ، وأخرى لمساجد ذات قباب ومنائر ، ربما هي حيث وُلِدَ باسم فرات في كربلاء في العراق . لن يجد معظم سكان نيوزلندا صعوبة في التعرف على أشكال البناء المعماري في صورة عاصمتهم ولنغتن ، غير ان المنظر الذي على يمين الصورة ، يتطلب ذلك النوع من المعرفة ( بمعناها العام ) الذي لايمتلكه معظمنا . قد نستطيع وصف الشكل والتفاصيل ، إلا اننا نفتقد ذلك النوع من التثقيف الذي يجعل منا قراءً متمكنين . أما عن عنوان هذا الكتاب فان كلمة " هناك " التي اختارها الشاعر باسم فرات فهي تذهب الى ذلك العالم الذي نجدنا غرباء عنه ، بقدر ما نجد في كلمة " هنا " موضعاً مألوفاً لنا ، وتذكرة للشاعر بأرض منفاه .
    سيخيب أمل القراء إذا تأملوا من باسم فرات أن يهيئ لهم موقع النفوذ الى التجربة العربية ، كدليل يعينهم . ليس هذا الكتاب دليل سياحي يوفر للقارئ معلومات عن عراقٍ تمزّقه الحرب ، بل هو لوحة فريدة من نوعها غنية بالمنمنمات التي يراد بها أن تكون شعرية المحتوى ، أكثر منها سردية الخطاب . يمكن لك ان تقارنها بلوحة جدار او سجادة مفعمة بالتفاصيل والأشكال ، أو فسيفساء كثيرة التراكيب . ها هنا مقطع من قصيدة " خريف المآذن " :
    أخرج ُ من باب السلالمة
    ألقي السلام كأبنٍ بارٍ
    أتَوَغّلُ في المطلق
    عن يميني سدرة المنتهى
    عن شمالي كفا العبّاس يُلوّحان لي
    بعد أن اسمرا من الوجدِ والعَطشِ
    أمامي
    قبابٌ توسدها التبرُ
    منائر تغفو على راحة السماء
    تداعبُ أجفانها النجوم والأيام
    أبوابٌ معشّقةٌ بالابريز والفضة
    وأكفّ الحناء المدماة بنشيج الأمهات..

    ومن جدول المصطلحات العربية الذي في ظهر الغلاف نتعلم بأن " باب السلالمة " هي محلة في كربلاء حيث عاش باسم فرات . كما نفهم بان شارع العباس هو الشارع الرئيس في كربلاء
    ، غير ان هذه المعلومات ليست سوى بديلٍ غير كافٍ عن المعرفةِ الاعمقِ ، معرفةً عميقةً لا نجدها في هذا الجدول نتعلم منها ان العباسَ هو الأخ غير الشقيق للامام الحسين الذي يعدّ ضريحه في كربلاء ثاني أهم أضرحة المسلمين الشيعة في العراق ، وبأن كلا الاخوين قتل على يد الأمويين سنة 684 للميلاد .
    كما لايقول لنا ذلك السجل من المصطلحات بأن خضاب الجسم بالحناء أضحى جزءا من الحياة في الشرق الأوسط منذ القرن الثاني عشر الميلادي ، وان ذلك من دلائل التفاؤل والحظ السعيد.
    وبينما نجد في هذا القسم المحدود من قصيدة طويلة منصباً على حدث معين يصف رجلاً يغادر المدينة ، آخذاً معه مايحيطه وهو يغادرها ، فان البيئة الموصوفة تُنقل إلينا بصورة في غاية الرمزية ، ومترعة بالارتباطات الحضارية . ومن كل ذلك يصلنا شيئ معين : أنشودة من الحنين والنواح . وحتى من خلال مقدار المعرفة لتي يملكها شخص من الخارج عن رمز أو رمزين ( نلتقطهما من الانترنيت ) فاننا نستشعر باحساس حاد بامتداد الزمن . فالمعاناة والظلم والاضطهاد تعيش معنا دائماً . ولطالما كانت النساء هنّ الضحايا البريئة للعنف . يمكن لليد أن تستجدي ، وتبارك ، وتشفي ، وتقتل . ان انبساط الكف للدعاء ليس كرفعها مقبوضة للأعلى ( للشرّ ) .
    وبعد أن بدأت بنظرة مقربةٍ للعمل ، دعني أنتقل على نظرة واسعة للنصوص .
    يضم الكتاب ثلاثة أقسام ، الأول منها ( كما أقراه ) يضع الشاعر " هنا " حيث منفاه في نيوزيلاندا ، وعندما نقرأ في القصيدة التي تعنون الكتاب نجد الأبيات التالية :
    مدنك ملآى بالنساء والبوهوتوكاوا
    ريحٌ تجرحُ صمتها
    وعلى جنباتها تنتفضُ الشواطئُ
    فترتبكُ النوارسُ مذعورةً إليّ
    أنا المثقلُ بالتباريحِ
    بلادي تطرقُ البابَ كلّ ليلةٍ
    أأفتح..................!!!
    أنا الهاربُ إلى نزقي من نرجسيةِ الحروب...

    ها هي مناظر نيوزلندا من خلال عدسة عراقي في المنفى ، حيث تصبح الشواطئ متمردة
    ( إذا استعملنا التسميات الراهنة ) . هنا نجد قصائد تحكي عبوراً للحدود ، وقصائد تستحضر العنف الذي فارقه الشاعر المنفي ، لكنه لم يتركه وراءه .
    ويمكن النظر الى القسم الثاني على انه قصائد حبٍ ، وباستثناء القصيدة الاخيرة ، فان تلكم القصائد تعكس أجواء نادرة الوجود في الشعر النيوزلندي ( يمكن لي أن أقارن ذلك بالشاعر ديفيد هوارد ) ، يمكن ان تكون قصيدة ( ... درسٌ فاترٌ في أخر الحبّ ؟؟؟ ) بداية للحديث . تبدأ هذه القصيدة :
    تضحكين
    هذا كل ما تعرفينه
    قدّمتُ لكِ هواجسي ومشاعري وجنوني على طبقٍ
    من ياسمين ونرجس، فأشحتِ بمشاعرك عني ...

    هنا نجد بين أيدينا موقفاً أخلاقياً وانسجاماً متناغماً يمت الى تقاليد قديمة تعود الى النزعة التروبادورية الفرنسية والى طقوسِ الحبّ التي كانت سائدة أنذاك في الصالونات . ومع ان باسم فرات ليس من العشاق رواد الصالونات ، غير ان هناك نغمة واضحة تنضح بالحنين واليأس معاً .
    كان دور العاشق في تلكم الصالونات ان يعاني بينما دور المعشوقة ( والتي كانت عادة أمرأة متزوجة وعسيرة المنال ) ان تتجاهل العاشق وتزدريه . ومايميز قصائد كهذه عن قصائد الصالونات ، كمثل صوناتات وايات مثلاً ، هو ان المعشوقة تتاله وتتسامى الى شيئ فوق اللحم والدم ، لتكون معشوقة مزدرية لعاشقها :
    إذن أنت بلادي
    آه يا وجعي ويا وجع البلاد المشتراة
    ويا كل حزني وكل الحزن أنت
    أخشى عليك مني ومنك
    فأنت الكل وكل الكل أنت

    قد يكون الطرف المُخاطبُ أمرأة ، مثلما يمكن أن يكون هو العراق ، هنا يتحد العاشق والمنفيّ في كيان واحد ، ( يتنازعني فضول في أن أعرف فيما اذا كانت العربية يمكن ان تترجم الى " مُباع " وليس الى " مُشترى " ) .
    وختاماً نجد في القسم الأخير من الكتاب قصائد تفتح طريقاً للأمام نحو الخلاص ، ابتداء بالانكسار ( برتبة منكسر ) وانتهاء بطقوس الحج المتواصلة بقصيدة " دُلني أيها السواد "
    وعلى دور الشاعر ( حتى عند الانكسار / الأندحار ؟؟ ) كمبشر ، لو كنتَ معلماً للغة الانكليزية ، وكان لديك صفاً من الطلاب ذوي ثقافات متنوعة ، أو عدداً من الطلاب المسلمين ، فاقترح عليك أن تقتني هذا الكتاب . ولو كنت من عشاق الشعر ، وكانت لديك الرغبة في الالتحاق بطقوس الحج من خلال كلمات عراقي في المنفى ، فأنا أوصي باقتناء الكتاب بنفس الدرجة .


    * تَري لوك : ناقد نيوزلندي
    * دكتور عبد المنعم الناصر : أكاديمي ومترجم عراقي ، يعيش في نيوزلندا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 3:41 pm