لا شاعر من دون قضية لكن الأيديولوجيات أساءت للشعر
(هاجر إلى هيروشيما ونيوزلندة لا إلى أوروبا كبقية الشعراء العرب)
اسكندر حبش
(لبنان)
من كربلاء إلى هيروشيما (حيث يسكن حاليا) امتدت رحلة الشاعر العراقي باسم فرات، مرورا بمدن أخرى بالطبع. هي رحلة العذاب العراقي اليومي، الذي غادر هرباً من آلاف الأشياء. مؤخرا كان في بيروت التي يحلم بالإقامة فيها حيث أحيا أمسية شعرية في «جدل بيزنطي». حول الوطن والمنفى والشعر كان هذا اللقاء.
* لا بدّ للحدث العراقي أن يفرض علينا سؤاله: أنت من الذين غادروا العراق في بداية التسعينيات وعشت متنقلا في أكثر من منفى، كيف تنظر إلى ما يحدث اليوم هناك؟
نتيجة طبيعية لأخطاء تراكمت على مدى عقود. فمنذ تأسيس الدولة الحديثة العام ,1921 لم ينظر إلى العراقيين على أنهم جميعا أبناء البلد، فقسموا إلى تبعية عثمانية وأخرى غير عثمانية، ومن المفارقات أن بعض من قسموا على أنهم تبعية عثمانية كانوا حديثي العهد في العراق، وبعد 8 شباط 1963 زادت المسألة تعقيدا فأصبح الحس الشوفيني هو المسيطر على عقلية مؤسسات الدولة العراقية. ونتائجه ما نراه حاليا في الشارع العراقي بعد التاسع من نيسان. ماذا تتوقع من حكومة ترفع شعارات طائفية على جدران بعض المدن وتكتب في صحفها الرسمية سلسلة مقالات تتهم شريحة واسعة من الشعب العراقي بشتى الاتهامات ابتداء من عدم الوطنية وليس انتهاء بتهم أخلاقية شتى. ثم ان ترييف الشارع العراقي وعسكرته أذكى روح العنف والانتقام على هذا الشعب، وهو ما نراه الآن واضحا من خلال الجثث المجهولة الهوية والتفجير المتبادل للأماكن المقدسة. ولكن لا بد لأدوات العنف هذه أن تنتهي وإن طالت بعض الشيء.
* هل فكرت بالعودة إلى العراق؟
حلم العودة هو الحلم المنافس لحلمي الشعري. لكن ما يجري، بكل تأكيد، يمنعني. صورة الوطن التي تبقى في الذاكرة، وحيث تتشذب هذه الصورة من كل السلبيات ليتحول الوطن بمرور الزمن في ذاكرة المنفي إلى طوباوية، ولهذا أحيانا أجدني متواطئا مع هذه الذاكرة لكي يبقى العراق في ذاكرتي: ذاك العراق الحلم.
عراقي
* أي حلم تقصد؟
العراق الذي عشت فيه طفولتي حيث لم يسألني أحد من أي مدينة أو إلى أي طائفة أنتمي، بل كم كنت أستمع من الناس سخريتهم من صدام حسين وهو يخرج علينا في التلفاز سائلا الناس عن انتماءاتهم، وذلك لأن الناس كانت تعتبر هذا ترسيخا لحالة بدوية تجتاح المجتمع والمدن العراقية. هذا هو العراق الذي عشت فيه، حيث كان أصدقائي عراقيين قبل أي شيء آخر. وكم استغربت وأنا أقرأ في كتاب عن السيّاب حين ذكر المؤلف أن السيّاب ينتمي إلى عائلة سنية في بيئة شيعية لأنه لم يخطر ببالي يوماً أن أسأل عن طائفة السيّاب أو الجواهري أو أي مبدع عراقي، بل كنا ننظر إليهم كعراقيين.
* هل تجد أن هذا الحلم لا يزال ممكنا؟
نعم لا يزال ممكناً. من خلال مراسلاتي عبر «الإيميل» مع شرائح واسعة من أدباء يؤكدون دائما على عراقيتهم قبل كل شيء ويرفضون ما يحدث، بل حتى في اتصالي مع والدتي تؤكد لي رفضها مثل بقية الناس لكل السلبيات التي تحدث، بل حتى أخبرتني مرة أن الكثير من الناس يرفضون إلصاق كلمة إخواننا الكذا.. لأنها ـ وكما تقول ـ بأن الجميع أبناء هذا الوطن وكلنا ننتمي إليه، ولا داعي لهذه التفرقة تحت مسمى الأخوة المزورة.
* من كربلاء إلى هيروشيما، حيث تعيش الآن، مرورا بمدن عدة، كيف كانت هذه الرحلة؟
رحلة مليئة بالشعر والألم والاكتشاف حيث الاحتكاك بثقافات عدة والتعلم منها، وهذا ما انعكس على تجربتي الشعرية، حتى انني لاحظت، في السنوات الأخيرة، ونتيجة لندرة تحدثي بالعربية، أن نصوصي الشعرية بدأت تتكثف أكثر وكأن اقتصادي اللغوي اليومي انعكس على نصوصي الشعرية.
* بأي معنى؟
لو لاحظنا النصوص التي كتبتها في العراق والأردن ونيوزلندة لوجدنا أنها في الغالب كانت نصوصاً طويلة نسبياً، على العكس من نصوصي في هيروشيما حيث تمر عليّ أحيانا عدة أشهر لا أتحدث فيها بكلمة عربية واحدة، مما جعل هذه النصوص في غالبيتها لا تزيد عن صفحة واحدة، لكني أجدها أكثر تكثيفا وعمقا مما سبقها...
* هل تعتقد أن الحالة اليابانية كانت أكثر حضورا من الحالات الأخرى؟
إذا استثنينا الطفولة وحضورها في شعري فإن الحالة اليابانية هي الأكثر حضوراً من الأخريات، مثلا عشت في أحد البلدان عدة سنوات ولم أكتب نصا واحدا تستطيع أن تجد فيه حضوراً لهذا البلد. أما نيوزلندة التي عشت فيها لأكثر من 8 سنوات فلم تظهر تأثيرات المكان وحضور ثقافته إلا في الفترة الأخيرة وفي قصائد قليلة. بينما في هيروشيما في أقل من عامين كتبت أكثر مما كتبته في نيوزلندة.
* هل كان الشعر هو البلد الحقيقي في كل هذه الأمكنة؟
بكل تأكيد نعم، فأنا من المؤمنين بأن الشعر لا يتبع أحدا بل ان كل شيء يجب أن يتبع الشعر ويكرس له. فعلى الشاعر أن يجعل الشعر قضيته الأولى، فأطنان القصائد التي كتبت لا لأجل الشعر بل لأجل الإيديولوجيا أساءت للشعر مثلما أساءت لتلك الإيديولوجيا أو القضية التي كتبوا عنها.
لا أؤمن بالايديولوجيات
* هل لهذا تبتعد عن كل ايديولوجيا في كتابتك؟
أنا لا أؤمن بكل الإيديولوجيات، فأنا شاعر بلا ايديولوجيا، قضيتي هي الشعر والإنسان. كثيرا ما خربت الإيديولوجيا الشعر بحيث ان قرأنا الآن ما كتب في فترة ما يسمى بالمد الثوري من قصائد، نكتشف أنها عبارة عن شعارات سياسية لا علاقة لها للإبداع فيها، ولهذا أرى أن الإيديولوجيات أساءت للشعر كثيرا وهنا أود أن أفرق بين الإيديولوجيا والقضية، ليس هناك شاعر بدون قضية، فقد تكون هذه القضية الشعر نفسه وقد تكون الإنسان حيثما كان ولكن لا مكان للشعارات في نصوصه، وعندما تكتب عن المرأة فهذا بحد ذاته قضية لكنها ليست ايديولوجيا وأعني بها تلك النصوص الرائعة على قلتها، لا آلاف القصائد التي كتبت بطريقة تتوسل المرأة ولا تتوسل الشعر.
* أي قضية تؤرقك عند الكتابة؟
أن أكتب نصا يتجاوز ما كتبته سابقا ولا يشبه سواي، ولا أكتمك برغم كوني كائنا اجتماعيا وعزلتي في نيوزلندة وهيروشيما آلمتني في بعض الوجوه، ولكني سعيد بها كونها لا تشبه تجربة الآخرين، فغالبية الشعراء اتجهوا إلى أوروبا أو إلى أماكن قرأوا عنها سابقا في إبداعات الآخرين من خلال ما ترجم للغة العربية من آداب الأمم الأخرى، خصوصا الأوروبية، وكم استلمت رسائل يربطني بها الأصدقاء عن تفرد منفاي وتجربتي الحياتية، بل انني حتى في قراءاتي أكاد أختلف عن الآخرين حيث انهماكي بقراءة تاريخ العراق من كل الوجوه ومحاولتي مزج هذا التراث بالأمكنة الجديدة التي أعيش فيها.
* كيف تتابع الأدب العربي وما يكتب حاليا وأنت في مكانك البعيد؟
عن طريق الانترنت بشكل رئيسي، فنادرا ما تصلني مجلة أو جريدة، وقد لاحظت أن الأدب العربي لم يعد في العواصم الثقافية المعتادة فقط بل إن بعض الدول العربية التي تأخرت كثيرا في حركة الحداثة العربية أخرجت لنا أسماء واعدة أتابعها بمحبة، إضافة إلى أن بعض العواصم الثقافية المعتادة أجد في جيل شبابها إبداعا أفضل من بعض نجوم الأدب فيها.
* أنت الآن في بيروت التي حلمت بها طويلا، ما هو انطباعك الأول عن هذه المدينة؟ وماذا تعني لك؟
أول دخولي إلى بيروت قلت ها قد تحقق الحلم بعد أكثر من ربع قرن، حيث انني بدأت الكتابة والاهتمام بالأدب وأنا في الابتدائية، وعندما كنت في المرحلة المتوسطة، حلمت بأن أزور بيروت وأعيش فيها، وها ان زيارتي لها أجدها مدينة غربية بنسخة عربية، فهي لا تشبه بقية المدن العربية التي زرتها أو سمعت أو قرأت عنها، وبالرغم من وصولي بعيد التفجير الأخير مباشرة، إلا أني وجدتها ضاجة بالحياة وبخاصة بنسائها وآمل مستقبلا أن يتحقق حلمي بالعيش فيها.
* ماذا تعني لك الثقافة اللبنانية وأنت الحالم بالعيش هنا؟
الثقافة اللبنانية من المراكز الثقافية العربية، فليس صحيحا أن الكتاب يكتب في مصر ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد، فأنا من الذين تعلموا كثيرا من شعراء وأدباء إن لم يكونوا من لبنان نفسه فهم من الذين أبدعوا في بيروت وإن كانت الحالة قد خفت كثيرا عما كانت عليه في السابق، والسبب في رأيي ليس منقصة في الثقافة اللبنانية بل هو نتيجة طبيعية لنهضة حداثية عمت العالم العربي. فلزمن قريب مضى لم نكن نقرأ إبداعا يشدنا من غير المراكز الثقافية، بينما نرانا الآن نقرأ من كل العالم العربي وهذا ما جعل الحالة الثقافية اللبنانية مثلها مثل الحالة العراقية والسورية والمصرية، توحي للناظر بغير تمعن أنها خفت كثيرا.
(هاجر إلى هيروشيما ونيوزلندة لا إلى أوروبا كبقية الشعراء العرب)
اسكندر حبش
(لبنان)
من كربلاء إلى هيروشيما (حيث يسكن حاليا) امتدت رحلة الشاعر العراقي باسم فرات، مرورا بمدن أخرى بالطبع. هي رحلة العذاب العراقي اليومي، الذي غادر هرباً من آلاف الأشياء. مؤخرا كان في بيروت التي يحلم بالإقامة فيها حيث أحيا أمسية شعرية في «جدل بيزنطي». حول الوطن والمنفى والشعر كان هذا اللقاء.
* لا بدّ للحدث العراقي أن يفرض علينا سؤاله: أنت من الذين غادروا العراق في بداية التسعينيات وعشت متنقلا في أكثر من منفى، كيف تنظر إلى ما يحدث اليوم هناك؟
نتيجة طبيعية لأخطاء تراكمت على مدى عقود. فمنذ تأسيس الدولة الحديثة العام ,1921 لم ينظر إلى العراقيين على أنهم جميعا أبناء البلد، فقسموا إلى تبعية عثمانية وأخرى غير عثمانية، ومن المفارقات أن بعض من قسموا على أنهم تبعية عثمانية كانوا حديثي العهد في العراق، وبعد 8 شباط 1963 زادت المسألة تعقيدا فأصبح الحس الشوفيني هو المسيطر على عقلية مؤسسات الدولة العراقية. ونتائجه ما نراه حاليا في الشارع العراقي بعد التاسع من نيسان. ماذا تتوقع من حكومة ترفع شعارات طائفية على جدران بعض المدن وتكتب في صحفها الرسمية سلسلة مقالات تتهم شريحة واسعة من الشعب العراقي بشتى الاتهامات ابتداء من عدم الوطنية وليس انتهاء بتهم أخلاقية شتى. ثم ان ترييف الشارع العراقي وعسكرته أذكى روح العنف والانتقام على هذا الشعب، وهو ما نراه الآن واضحا من خلال الجثث المجهولة الهوية والتفجير المتبادل للأماكن المقدسة. ولكن لا بد لأدوات العنف هذه أن تنتهي وإن طالت بعض الشيء.
* هل فكرت بالعودة إلى العراق؟
حلم العودة هو الحلم المنافس لحلمي الشعري. لكن ما يجري، بكل تأكيد، يمنعني. صورة الوطن التي تبقى في الذاكرة، وحيث تتشذب هذه الصورة من كل السلبيات ليتحول الوطن بمرور الزمن في ذاكرة المنفي إلى طوباوية، ولهذا أحيانا أجدني متواطئا مع هذه الذاكرة لكي يبقى العراق في ذاكرتي: ذاك العراق الحلم.
عراقي
* أي حلم تقصد؟
العراق الذي عشت فيه طفولتي حيث لم يسألني أحد من أي مدينة أو إلى أي طائفة أنتمي، بل كم كنت أستمع من الناس سخريتهم من صدام حسين وهو يخرج علينا في التلفاز سائلا الناس عن انتماءاتهم، وذلك لأن الناس كانت تعتبر هذا ترسيخا لحالة بدوية تجتاح المجتمع والمدن العراقية. هذا هو العراق الذي عشت فيه، حيث كان أصدقائي عراقيين قبل أي شيء آخر. وكم استغربت وأنا أقرأ في كتاب عن السيّاب حين ذكر المؤلف أن السيّاب ينتمي إلى عائلة سنية في بيئة شيعية لأنه لم يخطر ببالي يوماً أن أسأل عن طائفة السيّاب أو الجواهري أو أي مبدع عراقي، بل كنا ننظر إليهم كعراقيين.
* هل تجد أن هذا الحلم لا يزال ممكنا؟
نعم لا يزال ممكناً. من خلال مراسلاتي عبر «الإيميل» مع شرائح واسعة من أدباء يؤكدون دائما على عراقيتهم قبل كل شيء ويرفضون ما يحدث، بل حتى في اتصالي مع والدتي تؤكد لي رفضها مثل بقية الناس لكل السلبيات التي تحدث، بل حتى أخبرتني مرة أن الكثير من الناس يرفضون إلصاق كلمة إخواننا الكذا.. لأنها ـ وكما تقول ـ بأن الجميع أبناء هذا الوطن وكلنا ننتمي إليه، ولا داعي لهذه التفرقة تحت مسمى الأخوة المزورة.
* من كربلاء إلى هيروشيما، حيث تعيش الآن، مرورا بمدن عدة، كيف كانت هذه الرحلة؟
رحلة مليئة بالشعر والألم والاكتشاف حيث الاحتكاك بثقافات عدة والتعلم منها، وهذا ما انعكس على تجربتي الشعرية، حتى انني لاحظت، في السنوات الأخيرة، ونتيجة لندرة تحدثي بالعربية، أن نصوصي الشعرية بدأت تتكثف أكثر وكأن اقتصادي اللغوي اليومي انعكس على نصوصي الشعرية.
* بأي معنى؟
لو لاحظنا النصوص التي كتبتها في العراق والأردن ونيوزلندة لوجدنا أنها في الغالب كانت نصوصاً طويلة نسبياً، على العكس من نصوصي في هيروشيما حيث تمر عليّ أحيانا عدة أشهر لا أتحدث فيها بكلمة عربية واحدة، مما جعل هذه النصوص في غالبيتها لا تزيد عن صفحة واحدة، لكني أجدها أكثر تكثيفا وعمقا مما سبقها...
* هل تعتقد أن الحالة اليابانية كانت أكثر حضورا من الحالات الأخرى؟
إذا استثنينا الطفولة وحضورها في شعري فإن الحالة اليابانية هي الأكثر حضوراً من الأخريات، مثلا عشت في أحد البلدان عدة سنوات ولم أكتب نصا واحدا تستطيع أن تجد فيه حضوراً لهذا البلد. أما نيوزلندة التي عشت فيها لأكثر من 8 سنوات فلم تظهر تأثيرات المكان وحضور ثقافته إلا في الفترة الأخيرة وفي قصائد قليلة. بينما في هيروشيما في أقل من عامين كتبت أكثر مما كتبته في نيوزلندة.
* هل كان الشعر هو البلد الحقيقي في كل هذه الأمكنة؟
بكل تأكيد نعم، فأنا من المؤمنين بأن الشعر لا يتبع أحدا بل ان كل شيء يجب أن يتبع الشعر ويكرس له. فعلى الشاعر أن يجعل الشعر قضيته الأولى، فأطنان القصائد التي كتبت لا لأجل الشعر بل لأجل الإيديولوجيا أساءت للشعر مثلما أساءت لتلك الإيديولوجيا أو القضية التي كتبوا عنها.
لا أؤمن بالايديولوجيات
* هل لهذا تبتعد عن كل ايديولوجيا في كتابتك؟
أنا لا أؤمن بكل الإيديولوجيات، فأنا شاعر بلا ايديولوجيا، قضيتي هي الشعر والإنسان. كثيرا ما خربت الإيديولوجيا الشعر بحيث ان قرأنا الآن ما كتب في فترة ما يسمى بالمد الثوري من قصائد، نكتشف أنها عبارة عن شعارات سياسية لا علاقة لها للإبداع فيها، ولهذا أرى أن الإيديولوجيات أساءت للشعر كثيرا وهنا أود أن أفرق بين الإيديولوجيا والقضية، ليس هناك شاعر بدون قضية، فقد تكون هذه القضية الشعر نفسه وقد تكون الإنسان حيثما كان ولكن لا مكان للشعارات في نصوصه، وعندما تكتب عن المرأة فهذا بحد ذاته قضية لكنها ليست ايديولوجيا وأعني بها تلك النصوص الرائعة على قلتها، لا آلاف القصائد التي كتبت بطريقة تتوسل المرأة ولا تتوسل الشعر.
* أي قضية تؤرقك عند الكتابة؟
أن أكتب نصا يتجاوز ما كتبته سابقا ولا يشبه سواي، ولا أكتمك برغم كوني كائنا اجتماعيا وعزلتي في نيوزلندة وهيروشيما آلمتني في بعض الوجوه، ولكني سعيد بها كونها لا تشبه تجربة الآخرين، فغالبية الشعراء اتجهوا إلى أوروبا أو إلى أماكن قرأوا عنها سابقا في إبداعات الآخرين من خلال ما ترجم للغة العربية من آداب الأمم الأخرى، خصوصا الأوروبية، وكم استلمت رسائل يربطني بها الأصدقاء عن تفرد منفاي وتجربتي الحياتية، بل انني حتى في قراءاتي أكاد أختلف عن الآخرين حيث انهماكي بقراءة تاريخ العراق من كل الوجوه ومحاولتي مزج هذا التراث بالأمكنة الجديدة التي أعيش فيها.
* كيف تتابع الأدب العربي وما يكتب حاليا وأنت في مكانك البعيد؟
عن طريق الانترنت بشكل رئيسي، فنادرا ما تصلني مجلة أو جريدة، وقد لاحظت أن الأدب العربي لم يعد في العواصم الثقافية المعتادة فقط بل إن بعض الدول العربية التي تأخرت كثيرا في حركة الحداثة العربية أخرجت لنا أسماء واعدة أتابعها بمحبة، إضافة إلى أن بعض العواصم الثقافية المعتادة أجد في جيل شبابها إبداعا أفضل من بعض نجوم الأدب فيها.
* أنت الآن في بيروت التي حلمت بها طويلا، ما هو انطباعك الأول عن هذه المدينة؟ وماذا تعني لك؟
أول دخولي إلى بيروت قلت ها قد تحقق الحلم بعد أكثر من ربع قرن، حيث انني بدأت الكتابة والاهتمام بالأدب وأنا في الابتدائية، وعندما كنت في المرحلة المتوسطة، حلمت بأن أزور بيروت وأعيش فيها، وها ان زيارتي لها أجدها مدينة غربية بنسخة عربية، فهي لا تشبه بقية المدن العربية التي زرتها أو سمعت أو قرأت عنها، وبالرغم من وصولي بعيد التفجير الأخير مباشرة، إلا أني وجدتها ضاجة بالحياة وبخاصة بنسائها وآمل مستقبلا أن يتحقق حلمي بالعيش فيها.
* ماذا تعني لك الثقافة اللبنانية وأنت الحالم بالعيش هنا؟
الثقافة اللبنانية من المراكز الثقافية العربية، فليس صحيحا أن الكتاب يكتب في مصر ويطبع في بيروت ويقرأ في بغداد، فأنا من الذين تعلموا كثيرا من شعراء وأدباء إن لم يكونوا من لبنان نفسه فهم من الذين أبدعوا في بيروت وإن كانت الحالة قد خفت كثيرا عما كانت عليه في السابق، والسبب في رأيي ليس منقصة في الثقافة اللبنانية بل هو نتيجة طبيعية لنهضة حداثية عمت العالم العربي. فلزمن قريب مضى لم نكن نقرأ إبداعا يشدنا من غير المراكز الثقافية، بينما نرانا الآن نقرأ من كل العالم العربي وهذا ما جعل الحالة الثقافية اللبنانية مثلها مثل الحالة العراقية والسورية والمصرية، توحي للناظر بغير تمعن أنها خفت كثيرا.