انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    عمر عناز: قولٌ أولي في (أنا ثانيةً)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    عمر عناز: قولٌ أولي في (أنا ثانيةً) Empty عمر عناز: قولٌ أولي في (أنا ثانيةً)

    مُساهمة  Admin الأحد أكتوبر 24, 2010 9:12 pm

    لأن ديمومة الحراك الثقافي لاتكون بلا إجتراحات جديدة تنقيبية أو تجريبية تسعى إلى تجاوز المألوف ومغادرة النمطية التي أسهمت بشكل سلبي في مأسسة ثقافة الاجترار التي أصبحت فيما بعد دعامة يتكئ عليها – الالغائي ــ بشتى صوره في محاولة خارج الشعور لإسقاط الجانب السلبي لثقافة موروثة يرفض مريدوها الإعتراف بالآخر مجاورا ومحاورا له في آن – ربما ــ لترسخ مفهوم الفحولة في ذاته حسب الغذامي في النقد الثقافي.
    ولأن الجديد وغير المألوف غرائبي ومتهم بنية مسبقة كما أسلفت فقد واجهت قصيدة النثر ــ إن صح التعبير ــ مأزقا إمتد لأكثر من نصف قرن حاول فيه منظرو هذا الوليد الجديد أن يمنحوه الصفة الشرعية ومبرر الوجود باتجاه خلق أفق مبتكر لتصور آخر في الوقت الذي كان فيه الجانب الآخر ممثلا بدعاة التقليدية يطلقون رصاص اتهاماتهم ويُعملون معاولهم لوأد الحالة قبل أن تعمم وتصبح ظاهرة وليس بعيداً قول الدكتور عبد القادر القط (إذا كان هذا هو الشعر فأنا منه براء)
    وقول الدكتور عز الدين المناصرة (قصيدة النثر جنس كتابي خنثي)
    والأهم قول نازك الملائكة (إن قصيدة النثر مجرد ركام فارغ لا معنى له)
    وحيث أن منتج الفكرة يمتلك بالضرورة مبررات الخلق الفني لاجتراحه والدعائم التي يقوم عليها فقد قيل عن الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر بمقابل التقويض الذي استند إليه شعراء الكلاسيك من قبيل أن ما لا يتلبسه الوزن من نصوص فهو غير شعري ولا يعدو كونه كلاما إنشائيا ليس إلا، وهنا أورد ماصرح به نزار قباني في كتابه " لعبت باتقان وهذه مفاتيحي " حيث قال ما نصه (إن قصيدة النثر خسرت الرهان مع الأذن العربية)
    فهل نحن بمواجهة أزمة تلقٍ تجعل من الموسيقى بايقاعاتها مبررا لقبول النص، وهل الذهنية العربية قاصرة عن تقبل النص خارج فكرة الموسيقى والايقاع.
    لاشك أن العقل العربي خارج ثقافة المؤسسة الإجترارية هو عقل تثويري فيه كامن من طاقة خلاقة باستطاعتها أن تنفذ إلى مديات أوسع إذا ما أتيحت للفرد فرصة التحرر من عقدة القداسة للموروث وصولا إلى إنتاج نص خلاق يمتلك مبررات وجوده في وجوده، ولكي لا نجانب المنطقية في قراءتنا لواقع قصيدة النثر ينبغي أن ندقق في المسافة الزمنية التي منحت لتؤكد ذاتها في مقابل قصيدة عمرها أزل من سنين، قصيدة تلبسها الخطاب الثقافي العربي بشكله الشعري من حيث تناسقها مع المنبرية التي يحتاجها العربي لتسويق مفاهيمه ما أسس لخطاب النسق وجاهزية التلقي.
    والأهم من كل هذا وذاك يرى البعض وجوب تقنين هذا النص – الحداثي – وتأطيره ووضع الضوابط والأصول التي منها بلاشك (الموسيقى / الايقاع) التي أدى انعدامها الى فوضى سمحت للكثير ممن لا يمتلكون أي مقوم أن يلوثوا المشهد الثقافي بزيفهم الذي يسمونه تجديدا كما يقول أدونيس (إن الكثير من هذا المزعوم تجديداً يخلو من أي طاقة خلاقة وتعوزه معرفة حتى أبسط أدوات الشاعر ممثلة بــ الكلمة ــ الايقاع)
    ولعلي شخصياً أميل إلى الاعتقاد بمشاع الثقافة بحيث تكون حرية التجريب مضمونة للجميع فمن التراكم تولد الفكرة الحقيقية.
    أسوق هذا الحديث وأنا اقرأ (أنا ثانية ) لباسم فرات الذي ينجح في تبرير الإيقاع الداخلي لنصوصه عبر شحن المساحة الكلامية بدفق حيوي لموضوعات أفلح في تثوير كوامنها وفق معالجات ذكية تجعل المتلقي يتناغم مع هذه الإيقاعات التي يؤسسها التناغم اللفظي الذي يختتمه بمفارقة مدهشة تنم عن براعة في هندسة النص إذ يقول في قصيدته (أنا) :
    أبي
    دماؤك
    التي سالت على الجدران
    على السطوح
    المنائر
    النواقيس
    في الغابات
    في البحار
    سالت على السماوات السبع
    على الأرضين
    دماؤك
    التي منذ ثلاثين ألماً ونيفاً
    تنزف .
    .
    .
    .
    .
    أنا
    وثمة ما يوجب الانتباه إليه في الكثير من نصوص المجموعة ألا وهو فاعلية التشكيل البصري الذي يعمد باسم فرات إلى الإفادة من تقنيته لإعطاء النص منافذ رؤيوية أكثر بعداً واتساعاً وهو ما يشير في الوقت ذاته إلى التواشج بين الناص ونصه من حيث أن الأخير يترجم الحالة المعيشة لمنتجه بمصداقية عالية في مواضع عديدة، حيث يعبّر هذا التشظي الذي يهندسه ــ باسم فرات ــ عبر التراتب السياقي عن الحالة/ المنفى التي تعد نثاراً منظماً للمعيش الذي يحياه الشاعر عبر تنقله بين أصقاع الأرض.
    ولعل أهم ركائز الاشتغال لدى باسم فرات تتمثل في فاعلية الحضور التاريخي ممثلا بالأساطير والآلهة التي أفاد الشاعر كثيراً من موسوعية إطلاعه عليها وتوظيفها في إطار فني نجح في تصديره إلى القارئ المتصالح مع نصه.
    نعم لقد أكد باسم فرات عبر (أنا ثانية ) أن للنص النثري القدرة على – تجسير – الهوة التي أحدثها التقاطع الذوقي لدى المتلقي/ المؤدلج فنياً، من خلال هذه النصوص التي تنحاز لها راهنية التلقي إلى حد كبير.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 5:40 pm