دارت لفظتا الاغتراب والغربة في الشعر العراقي المعاصر دوراناً واسعاً، وأوجدتا لهما مساحة عريضة منذ (غريب على الخليج) حتى يومنا هذا؟ وتعمقت هاتان اللفظتان في نفس الشاعر العراقي بعد ان زج البلد في حروب خسر فيها المواطن مادياً ونفسياً، وظلت دلالتا هاتين اللفظتين آخذتين في التجذر، بعد ان انكشفت نوايا القوى الكبرى في العالم، على الهيمنة والتحكم، رضيت الشعوب بذلك ام لم ترض، فخذل العالم الثالث بالعالم المتحضر حين استعمل الوسائل نفسها التي يستعملها الحكام للهيمنة وبسط سلطانهم، فحوصر الانسان من الداخل ومن الخارج في وقت واحد، فأصابته الغربة في الداخل.
واصابت المغترب حالة من الاغتراب اذ ليس ما يبرهن صدق الداخل، وليس ثمة ما يبرهن عدم زيف الخارج، وبإزاء هاتين المعادلتين اللتين قبضتا على نفس المبدعين، آلت طرائق تعبيرهم الى مكافحة هذه الضغوط للاطمئنان الى روح يعي هذه المشاكل ويعللها،ويكافحها بما يتوافر لديه من وسائل ليبرهن أمام نفسه على اقل تقدير على عدم تسليمه وعبوديته وخضوعه لها، لهذا جعل قسم عظيم من الشعراء هذا الموضوع في اولويات اهتماماتهم وموضوعاتهم ومعالجاتهم، وذلك ما بدا غاية في الوضوح في مجموعة الشاعر العراقي المغترب باسم فرات التي عنونها بـ(خريف المآذن) الصادرة عن (ازمنة للنشر والتوزيع) يقول: (أمام الله، أظل وحيداً/ أحصي أخطائي/ الذي في يميني أكلته الطائرات/ والذي في شمالي ابتلعته السواتر/ كيف ساعانق الضوء؟/ ظلي يراودني على نفسي/ فاختزل الجنون/ أرمي لسنارتي الحماقات، فتنهش الأسماك كلماتي/ تغادرني الحروف الى الورقة/ تقترح عليّ بيتا وامرأة وطفلين/ آه/ أتذكر انني بلا وطن..) لينزع التعبير الى معالجة مشاكل تضطرب بها النفس، هذه المشاكل بما حظيت به من اهتمام من لدن باسم فرات، جعلت الاداء يصب جل جهده على تصويرها دونما إضاعة وقت في توشية الالفاظ وتزويقها، لأن الشاعر كما يبدو يعي حجم المشكلة عنده وعند من يماثلونه الغربة والاغتراب، فحيد كل ما يحول بينه وبين امكانية توصيلها بأقصر الطرق واقل الوسائل، لعدم انشغال الشاعر أصلاً بغير المشكلة التي تطرق روحه من أبعادها كلها لذلك عمد أحياناً الى إثارة سؤال عن طريق أسطر شعرية وصولاً الى غاياته ومن ذلك قوله: (أي الأزقة تفتح قمصانها للغريب؟) ص14 و(من أعطى المدينة هذا الفم/ لتبتلع القصائد والحقول؟) ص66. ان الشاعر قد لا يحتاج الى ان يلبس أجمل الملابس عند كتابة القصيدة، ولعل به حاجة ماسة الى ان يتعرى لكي لا يشغله طارئ عن النظر الى الحالة الداخلية التي تضطرب بالمشكلة، فمن هناك، من الداخل، تنطلق القصائد، وعنده تنتهي، ومنه متى (شاء) تبدأ انطلاقها مرة أخرى، وهكذا أبدأ، فاللغة واسطة، وهي تابعة للموقف المعبر عنه، وتلبس القصيدة ما تقتضيه من لباس لغوي تبعاً لذلك، وأي تنازع (مقصود) بين لغة القصيدة وما تريد الذات التعبير عنه يضر في نتائج المكتوب، بيد ان الحالة ليست في حال زهد جمالي لغوي دائماً، فثمة مواضع يفصح الشاعر فيها عن جماليات اللغة، وعندها يبدو الجمالي ضرورياً، أما على مستوى الموضوعات التي أثارها باسم فرات فهي تضطرب بما يلح ان يظهر دون تدخل مقصود، ودون رتوش؟ بيد ان باسم كان يصور أحياناً ويرسم مشاهد متسارعة لاحتواء التجربة لتبرير مسببات الاغتراب –الحروب- ومسببات الغربة (مدينة الشاعر ونهر الحسينية- الفرات والأب والأم..الخ) يقول: (.. رسمتُ سماءً صافيةً لأنفذ منها/ محتها الصواريخ!/ رسمتُ جدولاً وقلت: هذا نهر الحسينية/ تلصصت عليه المطارات/ رسمتُ مئذنةً ونخلةً/ ووحيداً أوقفوني الا من مرآة أحملها/ تصفعني الأيام كلما صرختُ: أبي يا أبي أو كلما توغلت في موتك/ أهلت التراب على أحلامي؟) ص18. ويلاحظ وقع التكرار الموفق في إسلوب النداء (أبي يا أبي) بالاستعانة بياء النداء وبتقدير استعماله مرة أخرى وما ذلك الا لتلبية حاجة نفسية، وقد عمل التكرار على تغذيتها، ومن هذه الزاوية أطر التعبير بابعاد نفسية (أكلما توغلت؟.. أهلت..؟) وبأبعاد جمالية صوتية مبعثها الاستغناء عن إداء النداء (أبي) للتعجيل في توصيل المراد، ثم استدعاء ياء النداء إيغالاً في توصيل الغرض الذي أفاده النداء! وهو العتب. ان التجربة التي عالجها باسم فرات تجربة شخصية وتكاد تعرف بأطرافها (الشاعر، المدينة الأب، الأم، الحروب، المنفى..) بيد انها كانت تنزع نحو الإنفتاح والتجلي بضروب متفرقة من الاداْء في جمل الاخبار والسرد والحكي والاستعارات التي حاولت الابتعاد عن الدلالات الفنتازية نزولاً عند واقعية تلك التجربة يقول: (المرأة بأعوامها الأربعين تجهل تماماً/ ان أبي اكثر القتلى بشاشة/ بطولاته أورثتها الجوع واحتفاء الاخرين/ ومنذ ثلاثين سنة تحتطب امي انتظارها/ حتى غدت انتظاراً/ طفولتي سخمها الفقر واليتم/ ها هي تمد لسانها ساخرة مني/ بعدما سخمت حياتي الحروب والمنافي/ كلما أستلقى يحاذيني الفرات/ ماداً لي أحلامه/ فتزاحمها القذائف وصفارات الحصار..) ص59 والفت الانتباه في النموذج أعلاه الى قول الشاعر (ان أبي اكثر القتلى بشاشة، وبطولاته أورثتنا الجوع واحتفاء الآخرين) ففيه يظهر الشاعر إمكانيات في فحص أوجه التجربة ومتناقضاتها، وطرح زواياها الخفية، لتبرز الأخبار والسرد فنياً. في المجموعة تتكرر موضوعات الغربة والاغتراب مجتمعتان في قصيدة واحدة نحو: 0يالهاث الجنوب/ يا ابن الشمس/ والأنهار التي تطلق الكوارث من شدقاتها/ مثلما تطلق الكتب المقدسة والانبياء/ ها أنت أخطأتك المعارك غير مرة/ فوجدت نفسك خارج الحدود/ وحين تطلعت الى الوطن/ ابتلعك المنفى) ص61 ومنفصلتان نحو: (كيف لي أن أطرد الأشجار/ من رأسي/ ولا تتبعني الزقزقة/ كيف لي أن أعري أبي من الخلافة/ ولا يفيض الفرات في يدي/ كيف لي أن أقول أنثى/ ولا أعني كربلاء/ وأقول مدينة/ ولا تشرئب أمي متشحة بكل /الليل بيضاء/ تُقَطّرُ النايَ في فمي)ص45. ان باسم فرات وطأ غير دولة عربية وأجنبية، وانه اطلع على مدن تلك الدول، لكنه لم يهتم بأي من تلك المدن مثلما اهتم بكربلاء وبغداد على التوالي، فقد خصهما بقصائد –خريف المآذن،وأرسم بغداد –وظل اسماهما يتردد هنا وهناك في قصائده، ولم يرد أي اسم لدولة أو مدينة أجنبية، ولم يتحدث عن تجربة له في تلك الدول، نظراً لعمق التجربة التي عاشها في بلده، ولعمق تعلقه بها وبالمصادر التي شكلتها، التي تم الاشارة إليها سلفاً، وهذا يؤكد وقع ما تناولنا من موضوع،وسمناه بـ(الغربة والاغتراب) في خريف المآذن، فشعوره بالاغتراب داخل الوطن يساوي شعوره بالغربة خارجه، وهنا تأتي أهمية ما قدمنا به للمقال. من ناحية أخرى لم أجد باسم فرات موفقاً في انتخاب عنوان المجموعة(خريف المآذن) وهو عنوان لإحدى القصائد التي تناول فيها مدينة كربلاء، فقد كانت تقترب كثيراً من وصف المدينة والتعريف بأماكنها وشخصياتها التاريخية، وابتعدت القصيدة عن ذات الشاعر، ولم تفصح عن تجربتها كما القصائد الأخرى، وقصيدة (جنوب مطلق) على نحو خاص التي أوردنا منها نموذجا ًومنهما يقول: يا لهاث الفراتين/ كي أستطيع مصافحة غربتي/ هل عليَّ أن أحرق جذوري/ وأرمي ثلاثين عاماً الى البحر؟/ هل عليّ ان اخلع قميصي المليء قسراً / بالقذائف والوشايات والحصار/ لتعانقني سماء ليست لي؟/ ص63. ولأن هذه القصيدة تناولت جلّ تجربة الشاعر التي خاضت فيها المجموعة، فهي الأقرب الى تمثيلها عنونة، فالعاطفة طغت على معالجات قصيدة خريف المآذن فضلا عن ان الشاعر شفع القصيدة بعنوان آخر في المتن، واكتفى بـ(خريف الماذن) عنواناً على غلاف المجموعة كجزء من عدم القناعة في ما عنون إليه!. لم يعلم باسم فرات الأماكن والشخصيات التي وردت في المجموعة، وقد ترجم لها في نهاية المجموعة بادئاً في الترجمة من آخر ترجمة للمكان والشخصية الى أول ما ورد في المجموعة وذاك يربك المتتبع، لعدم قيمة الهوامش ولعدم الاشارة الى ابتدائه بالترجمة من الآخر الى الاول، وفي حال عدم تسهيل مهمة المتلقي في التعرف على المجاهيل، تنصرم بعض أواصر التلقي بين الشاعر ومتلقيه! وبعد فإن باسم فرات طرح موضوعتي الغربة والاغتراب طرحاً فنياً وعاطفياً وفكرياً مسؤولاً متمثلاً تجربته التي عاشها في العراق وخارجه، منقطعاً إليها انقطاع المكلوم لزمنه، ولذلك استحقت القراءة والاختلاف والإتفاق!
واصابت المغترب حالة من الاغتراب اذ ليس ما يبرهن صدق الداخل، وليس ثمة ما يبرهن عدم زيف الخارج، وبإزاء هاتين المعادلتين اللتين قبضتا على نفس المبدعين، آلت طرائق تعبيرهم الى مكافحة هذه الضغوط للاطمئنان الى روح يعي هذه المشاكل ويعللها،ويكافحها بما يتوافر لديه من وسائل ليبرهن أمام نفسه على اقل تقدير على عدم تسليمه وعبوديته وخضوعه لها، لهذا جعل قسم عظيم من الشعراء هذا الموضوع في اولويات اهتماماتهم وموضوعاتهم ومعالجاتهم، وذلك ما بدا غاية في الوضوح في مجموعة الشاعر العراقي المغترب باسم فرات التي عنونها بـ(خريف المآذن) الصادرة عن (ازمنة للنشر والتوزيع) يقول: (أمام الله، أظل وحيداً/ أحصي أخطائي/ الذي في يميني أكلته الطائرات/ والذي في شمالي ابتلعته السواتر/ كيف ساعانق الضوء؟/ ظلي يراودني على نفسي/ فاختزل الجنون/ أرمي لسنارتي الحماقات، فتنهش الأسماك كلماتي/ تغادرني الحروف الى الورقة/ تقترح عليّ بيتا وامرأة وطفلين/ آه/ أتذكر انني بلا وطن..) لينزع التعبير الى معالجة مشاكل تضطرب بها النفس، هذه المشاكل بما حظيت به من اهتمام من لدن باسم فرات، جعلت الاداء يصب جل جهده على تصويرها دونما إضاعة وقت في توشية الالفاظ وتزويقها، لأن الشاعر كما يبدو يعي حجم المشكلة عنده وعند من يماثلونه الغربة والاغتراب، فحيد كل ما يحول بينه وبين امكانية توصيلها بأقصر الطرق واقل الوسائل، لعدم انشغال الشاعر أصلاً بغير المشكلة التي تطرق روحه من أبعادها كلها لذلك عمد أحياناً الى إثارة سؤال عن طريق أسطر شعرية وصولاً الى غاياته ومن ذلك قوله: (أي الأزقة تفتح قمصانها للغريب؟) ص14 و(من أعطى المدينة هذا الفم/ لتبتلع القصائد والحقول؟) ص66. ان الشاعر قد لا يحتاج الى ان يلبس أجمل الملابس عند كتابة القصيدة، ولعل به حاجة ماسة الى ان يتعرى لكي لا يشغله طارئ عن النظر الى الحالة الداخلية التي تضطرب بالمشكلة، فمن هناك، من الداخل، تنطلق القصائد، وعنده تنتهي، ومنه متى (شاء) تبدأ انطلاقها مرة أخرى، وهكذا أبدأ، فاللغة واسطة، وهي تابعة للموقف المعبر عنه، وتلبس القصيدة ما تقتضيه من لباس لغوي تبعاً لذلك، وأي تنازع (مقصود) بين لغة القصيدة وما تريد الذات التعبير عنه يضر في نتائج المكتوب، بيد ان الحالة ليست في حال زهد جمالي لغوي دائماً، فثمة مواضع يفصح الشاعر فيها عن جماليات اللغة، وعندها يبدو الجمالي ضرورياً، أما على مستوى الموضوعات التي أثارها باسم فرات فهي تضطرب بما يلح ان يظهر دون تدخل مقصود، ودون رتوش؟ بيد ان باسم كان يصور أحياناً ويرسم مشاهد متسارعة لاحتواء التجربة لتبرير مسببات الاغتراب –الحروب- ومسببات الغربة (مدينة الشاعر ونهر الحسينية- الفرات والأب والأم..الخ) يقول: (.. رسمتُ سماءً صافيةً لأنفذ منها/ محتها الصواريخ!/ رسمتُ جدولاً وقلت: هذا نهر الحسينية/ تلصصت عليه المطارات/ رسمتُ مئذنةً ونخلةً/ ووحيداً أوقفوني الا من مرآة أحملها/ تصفعني الأيام كلما صرختُ: أبي يا أبي أو كلما توغلت في موتك/ أهلت التراب على أحلامي؟) ص18. ويلاحظ وقع التكرار الموفق في إسلوب النداء (أبي يا أبي) بالاستعانة بياء النداء وبتقدير استعماله مرة أخرى وما ذلك الا لتلبية حاجة نفسية، وقد عمل التكرار على تغذيتها، ومن هذه الزاوية أطر التعبير بابعاد نفسية (أكلما توغلت؟.. أهلت..؟) وبأبعاد جمالية صوتية مبعثها الاستغناء عن إداء النداء (أبي) للتعجيل في توصيل المراد، ثم استدعاء ياء النداء إيغالاً في توصيل الغرض الذي أفاده النداء! وهو العتب. ان التجربة التي عالجها باسم فرات تجربة شخصية وتكاد تعرف بأطرافها (الشاعر، المدينة الأب، الأم، الحروب، المنفى..) بيد انها كانت تنزع نحو الإنفتاح والتجلي بضروب متفرقة من الاداْء في جمل الاخبار والسرد والحكي والاستعارات التي حاولت الابتعاد عن الدلالات الفنتازية نزولاً عند واقعية تلك التجربة يقول: (المرأة بأعوامها الأربعين تجهل تماماً/ ان أبي اكثر القتلى بشاشة/ بطولاته أورثتها الجوع واحتفاء الاخرين/ ومنذ ثلاثين سنة تحتطب امي انتظارها/ حتى غدت انتظاراً/ طفولتي سخمها الفقر واليتم/ ها هي تمد لسانها ساخرة مني/ بعدما سخمت حياتي الحروب والمنافي/ كلما أستلقى يحاذيني الفرات/ ماداً لي أحلامه/ فتزاحمها القذائف وصفارات الحصار..) ص59 والفت الانتباه في النموذج أعلاه الى قول الشاعر (ان أبي اكثر القتلى بشاشة، وبطولاته أورثتنا الجوع واحتفاء الآخرين) ففيه يظهر الشاعر إمكانيات في فحص أوجه التجربة ومتناقضاتها، وطرح زواياها الخفية، لتبرز الأخبار والسرد فنياً. في المجموعة تتكرر موضوعات الغربة والاغتراب مجتمعتان في قصيدة واحدة نحو: 0يالهاث الجنوب/ يا ابن الشمس/ والأنهار التي تطلق الكوارث من شدقاتها/ مثلما تطلق الكتب المقدسة والانبياء/ ها أنت أخطأتك المعارك غير مرة/ فوجدت نفسك خارج الحدود/ وحين تطلعت الى الوطن/ ابتلعك المنفى) ص61 ومنفصلتان نحو: (كيف لي أن أطرد الأشجار/ من رأسي/ ولا تتبعني الزقزقة/ كيف لي أن أعري أبي من الخلافة/ ولا يفيض الفرات في يدي/ كيف لي أن أقول أنثى/ ولا أعني كربلاء/ وأقول مدينة/ ولا تشرئب أمي متشحة بكل /الليل بيضاء/ تُقَطّرُ النايَ في فمي)ص45. ان باسم فرات وطأ غير دولة عربية وأجنبية، وانه اطلع على مدن تلك الدول، لكنه لم يهتم بأي من تلك المدن مثلما اهتم بكربلاء وبغداد على التوالي، فقد خصهما بقصائد –خريف المآذن،وأرسم بغداد –وظل اسماهما يتردد هنا وهناك في قصائده، ولم يرد أي اسم لدولة أو مدينة أجنبية، ولم يتحدث عن تجربة له في تلك الدول، نظراً لعمق التجربة التي عاشها في بلده، ولعمق تعلقه بها وبالمصادر التي شكلتها، التي تم الاشارة إليها سلفاً، وهذا يؤكد وقع ما تناولنا من موضوع،وسمناه بـ(الغربة والاغتراب) في خريف المآذن، فشعوره بالاغتراب داخل الوطن يساوي شعوره بالغربة خارجه، وهنا تأتي أهمية ما قدمنا به للمقال. من ناحية أخرى لم أجد باسم فرات موفقاً في انتخاب عنوان المجموعة(خريف المآذن) وهو عنوان لإحدى القصائد التي تناول فيها مدينة كربلاء، فقد كانت تقترب كثيراً من وصف المدينة والتعريف بأماكنها وشخصياتها التاريخية، وابتعدت القصيدة عن ذات الشاعر، ولم تفصح عن تجربتها كما القصائد الأخرى، وقصيدة (جنوب مطلق) على نحو خاص التي أوردنا منها نموذجا ًومنهما يقول: يا لهاث الفراتين/ كي أستطيع مصافحة غربتي/ هل عليَّ أن أحرق جذوري/ وأرمي ثلاثين عاماً الى البحر؟/ هل عليّ ان اخلع قميصي المليء قسراً / بالقذائف والوشايات والحصار/ لتعانقني سماء ليست لي؟/ ص63. ولأن هذه القصيدة تناولت جلّ تجربة الشاعر التي خاضت فيها المجموعة، فهي الأقرب الى تمثيلها عنونة، فالعاطفة طغت على معالجات قصيدة خريف المآذن فضلا عن ان الشاعر شفع القصيدة بعنوان آخر في المتن، واكتفى بـ(خريف الماذن) عنواناً على غلاف المجموعة كجزء من عدم القناعة في ما عنون إليه!. لم يعلم باسم فرات الأماكن والشخصيات التي وردت في المجموعة، وقد ترجم لها في نهاية المجموعة بادئاً في الترجمة من آخر ترجمة للمكان والشخصية الى أول ما ورد في المجموعة وذاك يربك المتتبع، لعدم قيمة الهوامش ولعدم الاشارة الى ابتدائه بالترجمة من الآخر الى الاول، وفي حال عدم تسهيل مهمة المتلقي في التعرف على المجاهيل، تنصرم بعض أواصر التلقي بين الشاعر ومتلقيه! وبعد فإن باسم فرات طرح موضوعتي الغربة والاغتراب طرحاً فنياً وعاطفياً وفكرياً مسؤولاً متمثلاً تجربته التي عاشها في العراق وخارجه، منقطعاً إليها انقطاع المكلوم لزمنه، ولذلك استحقت القراءة والاختلاف والإتفاق!