انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    محمد علي النصراوي: نص ( المنطقة المقدّسة ) ..وأرخنة الذات الغائبة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    محمد علي النصراوي: نص ( المنطقة المقدّسة ) ..وأرخنة الذات الغائبة  Empty محمد علي النصراوي: نص ( المنطقة المقدّسة ) ..وأرخنة الذات الغائبة

    مُساهمة  Admin الأحد أكتوبر 24, 2010 3:49 am

    في المجموعة الشعرية ( خريف المآذن ) للشاعر المغترب باسم فرات الصادرة من دار ( أزمنة ) عام 2002 م ، يمكن للقارئ فيها أن ينطلق من الهامـش نحو المركز ، ولكن هل يمكن للهامش أن يحقق حضوره في جسد النص ..؟ هل هو مضفور داخل الجسد / المتن ، أم ملحقاً لجسد المكتوب ، مضافاً أليه ويقع خارجه ، كإطار يجمع حدود الصورة من التشتت والضياع . أو يمكن القول ، باستطاعتنا أن نمثله بـ( الحد ) الفاصل بين الداخل والخارج 00؟
    باسم فرات
    • 1967 م : أطلقت احتجاجي البكر في مدينة كربلاء – العراق.
    * 1969م :أبي أطلق احتجاجه الأخير وهو في سن الخامسة والعـشرين دفاعاً عن جارته.
    • 1988م : تركت مقاعد الدراسة خشية أن تبلى أحلامي .
    • 1993م : احتجاجاً على اعتقال رفات أسلافي تركت العراق إلى الأردن .
    • 1997م : اتجهت إلى أقصى جنوب الجنوب ، بحثاً عن طفولة الشمس.
    • 1999م : نشرت دار ألواح – مدريد – ديواني الأول ( أشد الهديل ).

    وها هي الذات تتحول إلى ( عتبة ) ، لا هي بالداخل ، ولا هي بالخارج ، إن ما نريد قوله هنا ، هو إن التجربة الحياتية للشاعر قد تحولت بفعل إنصهار الروح إلى حقل معرفي خاص ، يكون هنا بمثابة الأبستيم الذي يقوم بتأسيس تلك التجربة / بفعل الذات المنكتبة ، وهكذا فأن النسيج المضفور بفعل الكتابة يسير هنا في تحقيق الذات ، تلك الذات التي أصـبحت ( ملحقاً / أو ( هامشاً ) للمتن المتكون من نسيج الكتابة / الجسد / الضمير المنفصل الحاضر الغائب ، هذا الهامش بحضوره الصامت في جسد المنكتب ، حقق كينونته ، في لحظة مواجهته للعالم.
    (( أي حلم يجفف طفولتي / أي حلم يشق صباحاتي / أنا الأخير في قافلة العزلة / صهيلي يتكئ على صحراء فاض حدادها / ويهرول بين الأمطار وبين الشظايا / كيف لي ان أترك نسياني / يوزع ذكرياته باتجاه الألم / و لا يصرخ : يا بلاد أسترجعيني )) ………من قصيدة ( إلى لغة الضوء أقود القناديل ).

    هكذا يتحول هذا العنصر / الحد / الملحق إلى منطقة تمثل الذات الغائبة ، والتي حققت حضورها بفعل الدال المعلق في فراغ ( المنطقة المقدّسة ) ، ذلك الذي يقوم بتنظيم التجربة الذاتية كأبستيم خاص ، يترجم الذات الغائبة إلى برنامج يوزع ( مثيراته المعرفية ) في مدارات الأنساق الإشارية ، لتك المنطقة كبقعة إفتراضية مخلّقة ، أو كـ( هوية ) تصبح هي وثيقة نفسها.
    (( وحيداً في ساحة العرضات / يطلق النار على الريح / ويفتك بأوراقه الصدى ))……(من القصيدة السابقة نفسها ).
    فإذا ما حاولنا أن نلقي نظرة سريعة على المشهد الشعري التسعيني ، نلاحظ أن أغلب النصوص التي ظهرت في هذه الحقبـة ، تؤكد اختفاء حاجة الشعر إلى الاستغراق في المعرفة، أي أن الجملة الشعرية بدت خالية من مساءلة الذات، والبحـث عن جدوى الوجود الكوني، أو ما الجدوى من وجود هذا الكائن الحيوي، وهل يُعدّ مركزاً لهذا الكون..؟ وراح يوظف الأساطير كي تحل محل تجربته نفسها في تغذية مادة النص، وجاء الاختزال في هذه المرحلة ( أي في الحقبة التسعينية ) ، بديلاً عن ذلك الاسترسال الذي كنا نقرأه في المشهد الشعري السبعيني ، أو الثمانيني ، كالشاعر خزعل الماجدي في قصيدته المطولة ( عكازة رامبو ) وحسن النواب في قصيدتيه المطولتين : ( أغواها بعنايته فتعطلت أجنحتها ) و( شريعة النوّاب ) إن هذه القصائد وما شابهها ، هي أقرب إلى (النص المفتوح) إلا أن شعراء التسعينيات قد وضعوا الحد أمام إنثيال الجمل الشعرية وطولها. إن هذا يعني وجود متغيرات تركيبية قد طرأت على بنية قصيدة النثر التسعينية – وهنا بالذات تتوضح لنا فلسفة الشاعر باسم فرات في تسويغ هذه المتغيرات، هو استبدال اهتمامه الأبستيمولوجي منحرفاً به نحو تجربته الحياتية ، لتكون هذه التجربة محوراً للمعرفة المرصودة داخل نصوصه كما في قصيدته :
    (( الحروب التي كنت خاسرها الوحيد / علقتها على مضض / ومضيتُ أبحث عني / أغتسل بعسل / والخرابُ يصهل في كتفي /..))…….من قصيدة (عبرت الحدود مصادفة). وكما في قصيدته : (( أيامي تتناسل سواداً / ها أنذا / أطلق المطر والخضرة في خريفي / بينما الحروب تتفاقم في ))……من قصيدة ( عناق لا يقطعه سوى القصف ).
    ولكن في بعض الأحيان نلاحظ ، هناك إنزياحات واضحة لتك الدوال ، التي أخذ الشاعر يلعب عليها ويشحنها لصالحه ، بحيث أصبحت هذه الدوال جزءاً من البنية الذهنية له ، وبوساطتها قام بخلق ( مثيراته المعرفية ) التي تؤكد على كينونته المتمثلة بقالب ( الدمغة ) ، أو شبح هذا ( المثير المعرفي ) كما في قصيدته :
    (( رسمت سماء صافية لأنفذ منها / محتها الصواريخ / رسمت جدولاً وقلت : هذا نهر الحسينية )) ……من قصيدة ( أرسم بغداد ).
    إذن ( نهر الحسينية ) هو مثير معرفي مشحون بحمولات دلالية ، يتسم بإنزلاقات عديدة ، تحيلنا إلى مثيولوجيا إسـلامية ، يشــكل بإمتداداته الإيحائيـة إحـدى التراجيديات المهمـة لمدينـة الشــاعر ، أصـبحت تمثـل لـه ( نُصباً تذكارياً ) ، أو قالب ( الدمغة ) التي أخذت مكانها من قلب هذه التراجيديا ، وبالتالي أصبحت تلك (الدمغة) رمزاً جماعياً يشكل البنية الذهنية لشعوب تكونت ذهنيتها ، بفعل تفكيرها الفطري ، وهي مازالت حتى الآن تحلم برموزها التي كونتها بفعل الزمن ، عددها ( نُصباً تذكارياً ) مقدساً ، أو وثيقة لا يمكن التقرب منها ، أو المساس بها ، قداسـتها جاءت من جرّاء الإيغال في تطرف فعلها التراجيدي أكثر من كونها فكراً مقدساً 0 يقوم الشاعر هنا ، بإظهار ذلك المسكوت عنه ، أو اللامفكر فيه حسب تعبير ميشيل فكو - في اللامقول ، الذي قيل بطريقة أو بأخرى ، هي منطقة التكشـف ، منطقـة المايحدث ، مكان المابين ، في تحديد أو أسطرة وقائع تلك التراجيديا المنصبة في (المثير المعرفي/ نهر الحسينية ) ، وهو أيضاً يمثل لنا الوعاء المكاني لهذا المنكتب ، والذي يقوم بأرخنة الذات الغائبة ، الذات / الهامش ليصبح هو وثيقة حضوره ، يتشكل بفعل طغيان تراكمات الماضي ، وبالماضـي يسـير ليركم طبقات أركيولوجيته ، تلك التي حولت التجربة إلى فعل منكتب ، وبالرغم من أن هـذا ( الحد )/ العنصر / الملحق / الهامش / الشبح / الطيف ، ينبثق من قلب النسيج المضفور بفعل الكتابة ، فأن الصورة تبقى مشتتة ، ضائعة ، منشطرة ، تبحث عن عزائها ، ولما وجدت هذا العزاء هو لحظ يقينها الذي لابد من حضوره ، وبأي شكل من الأشكال ، حتى ولو كان ذلك المنكتب يُعدّ نقشاً في المكان ، بكونه خطاباً مدوناً بغياب أبيه / فاعله / صانع هذا الخطاب ، فهو يحقق ذاته بذاته ، هو لا غيره تلك ( المنطقة المقدّسة ) ، المنبثقة من قلب لوغوس هذا الخطاب المدوّن ، إنها لحظة المواجهة تجاه العالم ، مجسدة الذات / الهامش الذي سيصبح الأنا – المتعـالية في تحقيق مركزيته المسـتلبة ، بهذه الصفة تزحزح هذا الهامـش ليأخـذ موقعـه في مركز ( المنطقة المقدّسة ) ، إذن نستطيع القول إذا ما أردنا أن نوغل في كلامنا ، إن هذه المنطقة نعدّها ذلك ( المعنى / الأصل ) ، تتركب من طبقات خلايا اللاوعي المفترضة عند الشاعر. وعلى هذا الأساس فإنها تمثل الكمـون السـاكن/ ذلك الجوهر، أو أصل الحركة. وإذا ما أردنا الدقة أكثـر ، هي المنطقـة التي تشـكل ( اليوتوبيا / الحلم ) ، الكامن تحت طبقات اللاوعي والسابق على صياغة كلمات لوغوسه ، والسابق أيضاً على كل الإدراكات والحركات ، لذا فإن هذه المنطقة بقدر ما هي مختفية في وجودها الكامن ، فإنها تتمظهر إلى وجود ظاهر ، وتصبح أشد حقيقة / هي حقيقة ذاتها المنفعلة.
    (( تراتيل كهنة وقدّيسين / صلوات شهداء / وتسابيح عشاق الرب / مازالت الملائكة يطوفون بأزقتك / يُشعلون البخور / ولدرء براءتك من هشيم صرخات خمبابا / يُخضبون غبارك بالحناء / وينشدون : / كربائيلو : سيدة لا تشيخ أبداً )) …….من قصيدة ( خريف المآذن ).
    في هذا المشهد بالذات ، يتوقف زمن (المنكتب) / الذات / الهامش ، وتبدأ أركيولوجيته بتقشير ذاتها ، بحثاً عن طبقات موغلة في القِدم ، أي أن الكتابة هنا بدت تحفر في ذاتها لتكشف طبقات المعرفة ، جاعلة أياها جزءاً لا يتجزأ من سطح هذا ( المنكتب ). إلاّ أن هذا المنكشف أمامنا هو طقس المثيولوجيا الذي يعطي ( الحد ) القلق وغير الثابت ، ذلك ( الحد ) / ( الأصل ) / الغائب ، يعطيه الشاعر هنا قالب ( الدمغة ) ، فيتشكل أمامنا ذلك الأثر / الشبح المختفي في أركيولوجيا تلك البنية المكانية / المفترضة ، وهمية كانت أو افتراضية ، لأن المنكتب يعيد صياغة نفسه بكلمنة الأشياء الغائبة ، غائبة لأنها شبحية الرؤيا ، أعطت توقيعها لذلك المفترض منذ ( بابل ) وحتى ( نهر الحسينية ) ، وهكذا ينبثق ( المثير المعرفي / كربائيلو ) من قلب اللوغوس ، كأثر أو شبح مجسداً حضوره ، متمثلاً بالمنبت الطفولي للشاعر ، هو ذلك الجذر المكاني المختفي تحت طبقات التاريخ ، أصبح الآن أكثر حضوراً بفعل الذات المنفعلة.
    (( فأرى دمي يتدحـرج بين الحـدود / أتوسل بالكلمات أن تجمعـهُ / على الورقة ))……………...من قصيدة
    ( أقول أنثى ... ولا أعني كربلاء ).
    أصبحت الورقة هنا مثيراً معرفياً لأنها تمثل لنا ( البقعة المكانية / المخلّقة ) ذلك المكان الافتراضي ، الذي تتراكب فيه جميع قشور أركيولوجيا الشاعر ، في خطاب مدون يُقدم إلى الآخر على أنه خطاب معرفي. وبالاستعارة الدلالية يمكننا أن نقول : -
    إن كل من المثيرات المعرفي ( نهر الحسـينية + كربائيلو + الورقة ) = البنية المكانية الافتراضية / المخلّقة = شبح ( المنطقة المقدّسة ) للمجموعة الشعرية ( خريف المآذن ) ، والتي تم استدعاءها وأرضنتها ، وذلك عن طريق اكتشافنا لتلك المثيرات المعرفية السابحة في مدارات أنساقها الإشارية.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 5:49 pm