يقينا إذا كانت ثقافة الشاعر حقيقية ووعيه عميقاً في الحياة.. فان تجربته الشعرية ستكون غنية وصادقة، وسيكون الابداع والتجديد هاجسه الدائم، فالشاعر الذي يستوعب روح العصر ويتجاوب مع حركته وايقاعه تجاوباً ديناميكياً، لابدّ أن يكون بفعل نضجه الفكري والفني مكتنزا بالشعرية النابعة من الذات، والمعبرة عن استجابته لحاجاته الداخلية الكامنة في أعماق نفسه، ليخلق عالمه المثير والمدهش..فالكلمة في الحلم طريقه الى الحرية والابداع، والغوص في اعماق الذات وسيلته لاكتشاف مجاهل نفسه وعالمه الباطن، كذلك لاكتشاف لغته واعادة بنائها لتكون قادرة على الايحاء والادهاش، لعالمه الجديد الذي يتطلب الإخلاص في البحث عن لغة حيـّة ومبتكرة تناسب رؤاه التي لا تدركها لغة التفاهم التقليدية إذ إن رؤية الشاعر المبدع تتجاوز الظاهر والمحسوس، وشعره لا يسمي الأشياء بل يخلق جوّها ويبعث أثرها..إنه نوع من الموسيقى ورجوع الى الغناء، أي الى صميم الشعر نفسه. إن الشاعر الحقيقي متمرد على القوالب والأطر المتحجرة وعلى الأسوار والقيود وهو في رؤاه النافذة يتخطى السائد والمألوف، الى ما هو جديد وصادم، والشاعر المكتنز بالرؤى والحس الإبداعي لا يبوح بتجربته في بضعة قصائد، إذ إن الشحنة التعبيرية في داخله تتوهج مع تطور التجربة، في خط بياني متصاعد يشير بوضوح الى مستوى عمقها ونضجها وثرائها الإبداعي. .وهو يحاول دائماً تنقية الشعر، حتى يخلق تجربة خالصة، تمثل عالمه الشعري وهمه الإبداعي لذلك فهو حريص على الاختيار الموفق والأسلوب النقي، مثلما على التجديد في بنية العبارة ومعنى الكلمة والرؤية الكونية والإنسانية التي ينطوي عليها منجزه، ليصل الكنوز الخافية في أعماق الفردية بكنوز الإنسانية وأسرارها، ويثبت جدارته بهذه الإنسانية من خلال جدارته بالخلق والإبداع، فالشعر في صميمه تأكيد لقيمة العالم وجدارة الحياة وتجربة الإنسان..أي تأكيد لوجود عالم له معنى، وفي ديوانه (أنا ثانية) يؤسس الشاعر باسم فرات لمنجز إبداعي رصين، له نكهة خاصة يجتهد في تكوين ملامحه الفنية المتميزة، وتشكيل سماته الإبداعية المتفردة، ففضاءات تجربته الشعرية مفتوحة على مناطق تجديدية في اللغة والرؤية والأسلوب، وهي نتاج معاناته واصغائه الحر والعميق لدواخله العاصفة من دون الإلتفات الى مثال أو مرجع. وهذا الإنسحاب الى الداخل يمثل شكلا من أشكال الإستجابة الشرطية لدواعي الدفاع عن الذات والهوية. يفصح ديوان (أنا ثانية) عن عالم يعيش فيه الشاعر حياة قلقة ومضطربة تحاصرها الإنكسارات والخيبات ويعصف بها الالم والعذاب، والشعور بالحزن متغلغل في وجهه ويظهر لديه في صور حادة، يأفل فيها النور والفرح حتى تغرق في ظلام اليأس والخوف من المجهول. ونص الاستهلال (ما يغني عن الاهداء) هو مفتاح باب عالمه المشحون بالتوتر الروحي والألق الشعري، الذي يضيء عتمة الروح والحياة معاً، ويجهد ان يصارع الوجود ليعطي وجوداً حين يغتني بخبرة الروح، وينفذ الى مكنوناتها ليعبر بالتالي عن لوعاتها وصبواتها وانكساراتها أيضاً، نص الاستهلال يؤرّخ بكلماتٍ قليلةٍ سيرة حزن يضرب بجذوره في اعماق الروح..
(أبي
حزن عتيق
أمي كتاب الحزن
حين فتحه أبي
خرجتُ
انا)
ان ميراث الالم والانهيارات، صبغ أيام الشاعر بلون عباءة أمه الاسود، للدلالة على الحزن الغامق الذي يكتنف حياته..
(بعباءتها التي تشبه ايامي تماما
كانت تكنس الطائرات
لترسمني كما تشتهي)
(من قصيدة 1/3/1967&&)
فصار لزاما عليه ان يرمم الخراب بلوعة غربة وعذابات المنافي وتباريح الحنين وذكريات الحب..
(قل ما بدا لك
ودعني اقل ما بدا لي
انا قلق ظامئ
توسده الحنين
تلوذ بي الكوابيس
يلوذ الخراب
تبهت طرقي
وصباحي مهدد بالزوال
تنمو الطحالب على ضفتيه
والغربة تنمو أيضا
(من قصيدة: يندلق الخراب فاتكئ عليه)
اشير للرياح
ان تطوف ببابي
وجعي بالهمهمات اطرزه
ارتق هزائمي بالمسرات
فتشمئز المسرات هاربة
عويلها يلطخ الجدران والاسّرة
أحيي مواسم الآمي
وآذن لحماقاتي
ان تشعل اسرجة التيه
تدخل البحار صومعتي
اشيعها مع نوافذي
اقود هياكل وحشة ادمنتني
واسئلة ترملت
الخريف يتوسد ذاكرتي
النواقيس تغلق المراثي علينا
أندبك يا امي
وازخرف شاهدتك بالعويل
(من قصيدة..يندلق الخراب فاتكئ عليه)
تنهض قصائد الشاعر باسم الفرات بمقاربة اساسية وحاسمة من مقاربتها على الافادة القصوى من مسافات التوتر في المساحات الشعرية ودفع العناصر الشعرية نحو تعميق هذه المسافات وإثرائها وسحبها إلى ظاهر المشهد. ثمة صور وايقاعات خاصة تتمخض عن هذا التوتر كما في قصيدة (أنا ثانية) ...
التحف أمانيك
وأتخذ من عزلتك سريرا
ها هو نكوصك يتطاول
تلثغ براءة
فتطاردها بنادق المدن المديثة
ايها المليء بالاشجار والطيور
أناملك تسمع فيها الزقزقة
وخفقاتك
قداس لتموز البابلي
على كتفيك مواويل نخل ودموع آس
وفي لسانك خمسون قرناً من النحيب
شرطي بهيأة شاعر
جاهدا يقود الغبار الاعمى
ونقيق الضفادع إلى أحلامك
ولا يحترف سوى الدسائس والخيانات
يمضغها كما العوانس وقد توارت
خلف الافق الخجول إشراقتهن
جنرال بلباسِ ربّ عمل
يسومك لغة المنفى ورائحة الثكنات
الثكنات رماد يستدل على بهائك
الم أقل ها هو نكوصك يتطاول (إلى آخر القصيدة) .
باسم الفرات في (أنا ثانيةً) يشتغل على بلورة صوتٍ شعريّ خاص ومتفرد.
(أبي
حزن عتيق
أمي كتاب الحزن
حين فتحه أبي
خرجتُ
انا)
ان ميراث الالم والانهيارات، صبغ أيام الشاعر بلون عباءة أمه الاسود، للدلالة على الحزن الغامق الذي يكتنف حياته..
(بعباءتها التي تشبه ايامي تماما
كانت تكنس الطائرات
لترسمني كما تشتهي)
(من قصيدة 1/3/1967&&)
فصار لزاما عليه ان يرمم الخراب بلوعة غربة وعذابات المنافي وتباريح الحنين وذكريات الحب..
(قل ما بدا لك
ودعني اقل ما بدا لي
انا قلق ظامئ
توسده الحنين
تلوذ بي الكوابيس
يلوذ الخراب
تبهت طرقي
وصباحي مهدد بالزوال
تنمو الطحالب على ضفتيه
والغربة تنمو أيضا
(من قصيدة: يندلق الخراب فاتكئ عليه)
اشير للرياح
ان تطوف ببابي
وجعي بالهمهمات اطرزه
ارتق هزائمي بالمسرات
فتشمئز المسرات هاربة
عويلها يلطخ الجدران والاسّرة
أحيي مواسم الآمي
وآذن لحماقاتي
ان تشعل اسرجة التيه
تدخل البحار صومعتي
اشيعها مع نوافذي
اقود هياكل وحشة ادمنتني
واسئلة ترملت
الخريف يتوسد ذاكرتي
النواقيس تغلق المراثي علينا
أندبك يا امي
وازخرف شاهدتك بالعويل
(من قصيدة..يندلق الخراب فاتكئ عليه)
تنهض قصائد الشاعر باسم الفرات بمقاربة اساسية وحاسمة من مقاربتها على الافادة القصوى من مسافات التوتر في المساحات الشعرية ودفع العناصر الشعرية نحو تعميق هذه المسافات وإثرائها وسحبها إلى ظاهر المشهد. ثمة صور وايقاعات خاصة تتمخض عن هذا التوتر كما في قصيدة (أنا ثانية) ...
التحف أمانيك
وأتخذ من عزلتك سريرا
ها هو نكوصك يتطاول
تلثغ براءة
فتطاردها بنادق المدن المديثة
ايها المليء بالاشجار والطيور
أناملك تسمع فيها الزقزقة
وخفقاتك
قداس لتموز البابلي
على كتفيك مواويل نخل ودموع آس
وفي لسانك خمسون قرناً من النحيب
شرطي بهيأة شاعر
جاهدا يقود الغبار الاعمى
ونقيق الضفادع إلى أحلامك
ولا يحترف سوى الدسائس والخيانات
يمضغها كما العوانس وقد توارت
خلف الافق الخجول إشراقتهن
جنرال بلباسِ ربّ عمل
يسومك لغة المنفى ورائحة الثكنات
الثكنات رماد يستدل على بهائك
الم أقل ها هو نكوصك يتطاول (إلى آخر القصيدة) .
باسم الفرات في (أنا ثانيةً) يشتغل على بلورة صوتٍ شعريّ خاص ومتفرد.