انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حسن الخاقاني: جرح الجنوب بين الخيبات والحروب.. وقفة مع باسم فرات

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    حسن الخاقاني: جرح الجنوب بين الخيبات والحروب.. وقفة مع باسم فرات Empty حسن الخاقاني: جرح الجنوب بين الخيبات والحروب.. وقفة مع باسم فرات

    مُساهمة  Admin الأربعاء أكتوبر 24, 2018 4:16 pm


    باسم فرات من المكثرين في قصيدة النثر العراقية الحديثة، تلك القصيدة التي اتسع صدرها لتكون ميداناً لنشر الأسى والمعاناة والعذاب بعد أن ضاق أفق الكتابة التقليدية التي تحنطت فغدت تماثيل جامدة فارقها نبض الحياة وليس بمقدورها أن تستوعب الحياة الجديدة التي تسارعت عليها نكبات الحروب، والهزائم النفسية المرّة لجيل من الشباب وجد نفسه طعماً لنيران متعددة المصادر، أو مسحوقاً تحت ذلّ العيش في ظل هيمنة دكتاتورية مقيتة لا تعرف سوى الدم شرابا لها.
    وإذا كان نتاج باسم فرات يتسم بالكثرة والتنوع كما هو شأن المبدعين الذين استقوا ما أنتجوا من معاناة صادقة فإنّ الوقوف عنده جميعاً يبدو اختزالاً مخلّاً، أو مفارقاً لواقعية النظر النقدي الذي يرى أن التركيز على نمط محدد جدير بأن يوصله إلى إحاطة مقبولة بعمق هذا النمط فيستطيع أن يستغور ما فيه من أعماق خفية شكلت النص ونظمت حركة عناصره، وتحكمت بمجموع علاقاته المنتظمة في تلك الحركة، ولذلك جاء اختياري لمجموعة واحدة من تلك المجاميع التي بين يديّ من شعره وهي: “إلى لغة الضوء” الصادرة عن دار أوراق للنشر والتوزيع في عام 2016 بطبعة ثانية، أما الطبعة الأولى فقد صدرت عن دار الحضارة في عام 2009، ولكن هذه الأرقام لا تخدعنا بحداثتها التاريخية فمجمل النصوص – كما ثبت الشاعر نفسه بعض تواريخها – تعود إلى حقبة التسعينيات العراقية المرة، وهي عقد الفجيعة التي لا مثيل لها في تاريخنا الحديث، حيث الحروب والهزائم، والتجويع المنظم، وحيث التشرد في المنافي لمن أتيح له الهرب من هذا الجحيم الذي يسمّونه وطنا.
    باسم فرات هو لا يمثل نفسه الجريحة حسب، إنه يمثل جيلاً كتب عليه أن يكون ضحية لا قدرة لها على رد قدرها، جيلاً سحقته قدم الدكتاتورية الثقيلة التي ضغطت على أنفاسه حتى الموت، فما أن تنسم الجيل الذي ولد في الستينيات أول نسمات الشباب حتى اختطفته يد “الخدمة العسكرية” العنيفة التي قبضت عليه وكأنها تقبض على الطائر الضعيف فتنهار الأحلام سريعاً حين يصطدم هذا المبتدئ البريء بكل تلك القسوة والاحتقار، ثم يجد نفسه بين ليلة وضحاها ضحية تافهة لا قيمة لها في سعير متوهج ليس له فيه إلا الموت من وراء ومن قدام ومن كل جهاته، وبعد أن يخوض في بحر المأساة يعود من حيث انطلق فيجد مدينته وقد قصفت بالأسلحة الثقيلة، وأن أحب أهله وأصدقائه قد اجتمعوا في مقابر جماعية بصفة مجهولي الهوية، وحين يريد أن يمارسالحياة متجاوزاً أحزانه يجد ذل العيش والجوع والفقر والفاقة علامات بارزة في جباه من بقي حيّاً من الناس ولا يبقى له إلا أن يستجمع ما بقي له من قواه الواهنة ليهرب بجسده الخاوي بعيداً عن كل هذا لتتلقاه قسوة المنافي والشعور بالفقد والضياع، وإذ يستبد به الحنين يقفز بذهنه وقلبه كلّ تلك البحار والمحيطات ليستعيد ما بقي له من ذاكرة امتلأت بحفر الموت والدمار، والحروب التي أشبعته قصفاً ومطاردات فأنهكته ورمته بقيّةً متهالكة من جسد كان يوماً شاباً، ومن نفسٍ كانت مقبلة على الحياة بحقيبة ثقيلة من الأحلام سرعان ما ثقبتها شظايا الحروب وتساقطت منها تلك الأحلام تباعاً لتكون رمزاً للغربة والتشرد في المنافي وخسائرها المتراكمة.

    المعجم الغالب على مجموعة باسم فرات هذه هو ما يتصل بالحروب وما فيها من تفصيلات: القصف، الموت، الطائرات، الشظايا، البساطيل، الجنود…. وهي ألفاظ عنيفة بطبيعتها مما يسم القصيدة بإيقاع صاخب، متوتر، يعبر عن ضجيج تمتلئ به نفس الشاعر ولا يكاد يستريح منه إلى لحظة هدوء، ولا يستطيع التخلص منه حتى وهو مبتعد عنه مكانيّاً، ناجٍ من شظاياه المتطايرة بغير انتظام:
    أتذكر أنني بلا وطن
    وأن الحروب ما زالت تلاحقني وتغير
    أشكالها
    الشظايا سعالي المزمن
    بساطيل الحرس مسخت ذكرياتي
    كل ما في راحتيّ رماد
    هذا ما تفضي إليه الحروب: رماد يغلف جدران المدينة، رماد يوغل في أعماق النفوس فيصبغ أحلامها القتيلة بلون سخامه الأسود لتتدنى إلى أبسط حقائقها: أمٌّ تريد أن تحظى برؤية ابنها، أن تأمن على حياته، إنها تعيش عمرها قلقة:
    وللحرب أيضا أناشيدها
    تلك التي بللت أحضان الأمهات
    بالعويل والترقب
    نوافذ أشرعت للانتظار
    ولا تشير إلى أحد
    أبواب أكلتها الحسرة
    فتهشمت عتباتها
    أحلام تسحل في الشوارع
    وما يقابل أحلام الأمهات إلا تلك الصورة التي أصابت الشظايا زجاجها الرقيق فأحالتها إلى دمار فاجع، الصورة التي طالما هربت منها الأمهات وهي تلوذ بدعاء لا يستطيع أن يوقف آلة الحرب العملاقة أو ينجي منها من اقتادته يد الجبر ليكون في طريقها، فالحرب لا تفهم أن هؤلاء الجنود هم بشر، وأن لهم أمهات وآباء وأبناء وأخوة وأحباء وأصدقاء، الحرب لا تعرف لغة الحب الإنساني هذه، إنها تعرف لغة الشظايا العمياء التي تنتمي إلى الفوضى وهي تصيب بلا عنوان:
    وللحرب..
    قذائف تتوسدنا وتستريح بأجسادنا
    قتلى في جيوبهم
    عصافير تشاكس الصباح
    وتلهو بنجمة يتيمة نسيها الليل
    رسائل دافقة بالفجر
    فالحرب لا تعرف لغة الحياة، إنها لغة الموت والدمار.
    صوت الجنوب:
    إذا كان الشعر وجدانيّاً بطبيعته، مختصّا بهواجس الذات الفردية أولاً، فإنه لا يخلو في الوقت نفسه من أن يكون معبّرا أيضا عن الذات الجماعية التي ينتمي إليها الشاعر ثقافيّا ووجدانيّا، وهذا ما نلمسه في شعر باسم فرات وأبناء جيله الذين وإن تنوعت أدواتهم وأساليبهم فإنهم يلتقون عند سمة واحدة هي أنهم جميعاً أبناء الفجيعة، فقد ولدوا في مكان كتب عليه أن يكون مضحيّا مستلباً، يعطي ويمنح الآخرين سبل العيش الرغيد وليس له إلا الفقر لباساً وإداما، يمنح الآخرين دمه حين يدافع عنهم، أو حين يدفعونه إلى الموت ولا يتلقى بمقابل ذلك سوى الإقصاء والنهب، فهذا هو تاريخ الجنوب المزدرى الذي نظرت إليه أعين المتعالين بهذه النظرة الازدرائية التي كانت الطرف الثابت الوحيد في علاقة الجنوب بباقي أجزاء البلد، فأهله متهمون حتى في انتمائهم على الرغم من تاريخ طويل من التضحيات والبطولات والمنجزات هو تاريخ هذا البلد المتناقض نفسه.
    الجنوب الذي يمد البلد بأجمل الطاقات الابداعية في العلوم والفنون والآداب والفكر والثقافة والرياضة، ويمنح العراق هويته وسمعته وصورته الرفيعة في أذهان الشعوب لا يجد من بعض شعبه سوى الجحود والاستهانة والنبز بأبشع الألقاب التي تدل على الإساءة والتعالي لدى مطلقيها، وتدل على الصبر والتحمل والإيثار والنبل لدى من أطلقت عليه وهذا بعض من معالم الجرح الذي مزق هذا الجسد الجميل.
    يربط باسم فرات ربطاً محكماً ذا دلالة عميقة بين الحروب والجنوب الذي ما زال يحمل ذكراها رابطاً على جرحه النازف عبر تاريخه الطويل المكتوب على الورق، أو المكتوب في عمق وجدان أبنائه:
    لي من الحروب تذكار
    ومن البلاد أقصى الجراح
    لي من الأسى دموع المشاحيف
    وارتباك القصب
    تأوهات النخل
    إنّه ميدان الحروب وساحتها الفسيحة التي تجري على أديمها سنابك خيل قوم لا يرون في أرضه سوى غبار مستثار، ولا يرون في أهله سوى حطب يغذي السعير.
    والجنوب الذي يستمد من الشمس ضوءها الباهر لا يجد لديه إلّا اللهاث في ظلام حياته المستلبة، وأبناءه الذين خطف الموت أرواحهم في عزّ النهار، وتحت صليل تلك الشمس الساطعة، ولا حياءَ للموت أن يفعل هذا:
    يا لهاث الجنوب
    يا ابن الشمس
    والأنهار التي تطلق الكوارث من شدقاتها
    مثلما تطلق الكتب المقدسة الأنبياء
    ها أنت أخطأتك المعارك غير مرّة
    وحين تطلعت إلى الوطن
    ابتلعك المنفى
    تنفخ سنواتك فلا ترى سوى الرماد
    وتخشى على بهائك من الاندثار
    كل ليلة تقيم حفلاً لدجلة في أقصى جنوب
    الجنوب
    لا جنوب ورائي لأصيح هنا بلادي
    ولا جنوب أمامي لأتلمّس لي منفذاً إليه
    أنا الجنوب المطلق
    عدّتي تاريخ طويل من الحروب والانكسارات
    الأمجاد الملوثة بسياط الوالي
    وأوسمة الجنرال
    عرّتني وحيداً في الأرض الحرام
    تنطوي كلمة الجنوب نفسها على معنى الإبعاد والإقصاء، فهي على وزن (فعول) بمعنى (مفعول) والجنب في الجسد ليس كالقلب، والأجنبي ليس كأهل الدار، فالكلمة تضمر في نفسها معاني الغربة والإبعاد والنفي والتجنب، هذا من جهة المعنى، أما من جهة الواقع فنجد أن علاقة الجنوب بباقي أجزاء البلاد غالباً ما تكون الأدنى في تجارب البلدان والأمم الأخرى، فجنوب أوربا أدنى من شمالها منزلةً، وجنوب إيطاليا أقلّ شأناً من شمالها، وجنوب المتوسط – إفريقيا- ليس كشماله – أوربا – وكذا الحال في أمريكا وإفريقيا وغيرهما من بلاد الله الواسعة، ونجد أن علاقة الجنوب العراقي بباقي أجزاء البلاد تنتظم في شريان أبهر ووريد اخضر، الأول صاعد من الجنوب محمّلاً بزهو البرحي وخضرة الدولار الحبيب، والثاني هابط محمّلاً بكل الأوحال التي يحملها النهران الخالدان بعد أن عاثت بهما أيدي الناس ودوابّهم فعاد الماء عكراً بعد أن كان نقيّاً رقراقا، ماضياً في خطوات وئيدة متعبة، مثقلة بكلّ ما ألقت الأيدي فيه من فائض حاجتها ليتصل بملح الخليج الأجاج، ولا غرابة في هذه الثنائية القدرية الموجعة فما هي إلّا جزء من ثقافة إقصائية ذات جذور عميقة في الكيان الاجتماعي الذي يختزن معها ثنائيات أخرى أشدّ قسوةً وأكثر إيلاماً، منها: الأعلى – الأسفل، الأرقى – الأدنى، التقدم – التخلف، القوة – الضعف، الغنى – الفقر، السلطة – الخضوع، وغيرها من ثنائيات يمكن أن تمتد بقائمة طويلة لا نهاية لها.

    هذا التفاوت، وهذه المفارقة المؤلمة هي التي تمثل جرحاً أزليّا لا يمكن اندماله، فهو جرح التاريخ والجغرافية والثقافة القاسية التي لا تجد لنفسها تبديلاً أو تعديلاً، وتتجلى بأشدّ صورها قسوةً في ثنائية: التضحية – الجحود، فالجنوب هو الذي كتب عليه أن يكون مضحيّاً، فتراه يجود بدماء أبنائه وأرواحهم كما تجود مضايفه العامرة بالكرم والطيبة على الرغم من شدة الحاجة وقسوة الفقر، ولا يخلف هذا الجحود غير شعور بالأسى والحسرة، وغير حزن مقيم تبدو ملامحه الموحشة في تلك الشوارع الكالحة التي ازدانت بصور الشهداء الأبرياء، وبالسواد الذي جلل النساء ولا سيّما الأمهات الفاقدات، وهذا ما يحسن تصويره باسم فرات في إحدى قصائده المثيرة المؤثرة التي جعلها بعنوان: (تاريخنا) وكأنّ كل التاريخ لا يعدو أن يكون لحظةً واحدة مكررة بصورة ذلك الحزن الأبدي المتجدد:
    اللافتات السود
    تاريخنا
    ندون صمتها من شفيف الهديل
    الأمهات الثكالى
    تلفعن بتراتيل النواح السومري
    بينما الطائرات
    تترصد معابد أور
    لأُسَر الآلهة
    أخبئ تباشير الصباح
    في جيبي
    وأهرول بعيداً عن ساحة المعركة
    الطرقات بنباحها المرّ
    تلفّ أقدامي
    يقف الأستاذ المرحوم (طه باقر) عند مزيّةٍ فريدة إنماز بها التاريخ العراقي القديم الحافل بالألم، إنها الحزن الجنوبي الفريد، فللرثاء في أدب سومر سمات وخصائص لا يشاركه فيها أدب أمّة أخرى، ففيه ما يسمى ب: (رثاء المدن)، تلك المدن التي أحالها الغزاة إلى ركام بعد أن أبادوا أهلها الطيبين، هذا التاريخ الحزين ما زال ممتداً بفروعه وأصوله من ذلك التراث القديم إلى ثقافتنا الشعبية الحاضرة، وما بينهما تقع واقعة كربلاء لتغذي الحزن فينا من نبعٍ لا يجف، إنه نبع أحزاننا الأزلية التي تستدرّ دموعنا بسهولة ويسر، فلا نكاد نملك أنفسنا إن وقفنا على مشهدٍ مثير، أو طرقت أسماعنا الكلمة المؤثرة، هذا الحزن الشفيف، وهذه العاطفة التي تستثار بأدنى ما يثير إنما هي تعبير عما تكتنزه النفوس من خيبات متراكمة على مدى التاريخ سرعان ما تقفز هاربة من أسار الوقار والسكينة الذي يحبسها إلى حين.
    هكذا يحاول باسم فرات أن يرسم صورة أخرى لبغداد، بغداد التي تراها العين الجنوبية المدماة مصدرا للحزن والفجيعة:
    ما شئت شئت
    أسكب الفجر في تلمّس ليلٍ غارق بعماه
    أكتب تاريخ جنوبِيّينِ فوق عباءة أمّي
    وعبثاً أمسح أكفان الأيام المنسدلة من شعرها
    مقبرة السنوات تتمدد فوق إسفلت الذاكرة
    مليئة بندوب الحروب
    حداد يغلف حياتنا
    لا أتنفس سوى الخراب
    أحاول – دون جدوى – أن أفتح كوّة فيه
    لا أجدني إلا انكساراً يشعّ
    أطلّ على الجميع وأسرج الآفاق تحتي
    خلف الكلام هوامش كثيرة التحديق
    ترى: ماذا يخبئ باسم فرات خلف الكلام وقد أباح بما لم يستطع غيره أن يبوح به بهذه القوة والعمق والوضوح؟
    ما لم يبح به باسم فرات كثير كثير، فليس لشاعر أو لكاتب مهما أوتي من آلة الكلام وعدّته أن يستوعب لحظة رعب واحدة مر بها إنسان، أو لحظة شعور بالتفاهة والخيبة والهزيمة وهو يفزع من تاريخ طويل خلّفه وراءه، تاريخ يمتد من جذور سومر وبابل إلى كربلاء وبغداد والبصرة والمنافي البعيدة، فها هو الشاعر كلما ألمّت به مصيبة أخرى فزع بقلبه وعقله وروحه إلى تاريخه الحافل بالحزن والسواد:
    يا نسوة بابل
    يا حفيدات الألم
    أطلقن الريح في شارع الموكب
    وعلى دروب عشتار علقن العويل
    فها هو الظلام العميق يتسلق الفصول
    حسين مات
    بخّرنَ المساءات
    وطفنَ على شبابه
    فوق نعشه
    انثرن الأنوثة
    وأشعلنَ نزف الشموع
    إنها الصورة الجنوبية المتوارثة للحزن من سومر وبابل حتى يومنا هذا، فمن غريب هذا الحزن، ومن غريب هذا التراث أنه ما زال ثابتا قائما على مدى القرون الخالية ولا يكاد يفرق المرء حين يرى النسوة المفجوعات وهن يؤدين طقوس الفجيعة بين زمن مضى وآخر يجيء، فالزمن هنا يتقلص إلى أدنى درجاته ولا يبقى سوى الفعل متجردا عن زمانه الذي تلبس به فيصرخ السومري الجديد بلسان فصيح، وقلب جريح:
    أنا خطأ يعد الخطى فيخطئ
    كيف لي أن أترك نسياني يتشظّى
    وفي النخل
    أنين ينز
    أنا السومري
    المدجج بالأحلام والأسئلة
    متلكئا
    انفض الحنين عن أصابعي
    أرتجف داخل حياتي
    عبثا أنزع الخوف عن وسادتي أواري خجل البحر
    أمام رعونة الموج
    يصدح الصوت بالهزيمة، معلنا أمام الملأ ما بلغته خطواته التائهة فوق موج لا يبقي من آثارها سوى علامات على خيبات متركمة:
    شغفي يتهجد في موقد مشاكساته
    حاملا الجمرة في تباريحه
    أيّ الأزقّة تفتح قمصانها للغريب
    أعلق على الجدران انكساراتي
    وأتوسد الحنين
    لست إلا الأخير في قافلة العزلة
    ولأني بلا أمجاد ترصع حياتي
    تركتني أحلامي ومضت
    فنثرتُ على الشبابيك لهفتي
    وعلى الأبواب خيباتي
    إنها خيبة الجرح المقيم الذي كلما ودّ أن يندمل نكأته يد الآسي فعاد فاغرا فاه، مناديا على كرّ السنين بصوت الشاعر العراقي الكبير (عريان السيد خلف) :
    (إحنه خلانه وكتنا تراب بحلوك الرحي
    شما يطول الجرح بينه يطيب بس ما ينمحي)
    وإلى وقفة أخرى مع جرح جديد!
    حسن الخاقاني 15 /10/ 2018

    موقع الناقد العراقي
    http://www.alnaked-aliraqi.net/article/57219.php

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:13 am