انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حاتم الصكَر: القنَّاص الذي هشَّم ذراع كهرمانة، مقدمة مجموعة "فأس تطعن الصباح"

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    حاتم الصكَر: القنَّاص الذي هشَّم ذراع كهرمانة، مقدمة مجموعة "فأس تطعن الصباح" Empty حاتم الصكَر: القنَّاص الذي هشَّم ذراع كهرمانة، مقدمة مجموعة "فأس تطعن الصباح"

    مُساهمة  Admin الجمعة يناير 25, 2019 9:35 am



    من مُغترَبِهِ أو مغترباتِه المتعددة ومن أسفاره التي لا تنتهي واحدةٌ حتى يستأنف أخرى؛ يتلمَّس باسم فرات بشعريَّةٍ رهيفة؛ رغم قسوة مادتها؛ تلك الرؤى والخيالاتِ التي تبرق في الذاكرة كلَّما ذكر وطنه العراق أو أيقونته الخالدة: بغداد، أو موطن طفولته ومسقط عذاباته وفقداناته: كربلاء.
    حيث تلهو كهرمانة بصبِّ الزيت أو الماء؛ كما في النصب الحديث؛ على رؤوس اللصوص يقوم قناصٌ في القصيدة بتهشيم ذراعها. رمزيًّا سـيُعطِّلها عن مكافحة اللصوص ريثما يصل علي بابا... ولكنها هنا تبدل موقعها، تصبح هدفًا للرماة الظلاميين الذين أتَوْا على حاضر العراق بعنفهم المؤدلج باسم الدين، وجاءوا على معالم العراق وحضارته وحيواتِ أبنائِه ومستقبلهم كما يهجم الجراد.
    بعد أن هَشَّمَ قَنَّاصٌ ذراعَيْ كهرمانة
    رعويون ما عرفوا المرايا والتبغدد
    رايات أوهامهم تغطي الطرقات
    في المقاهي لِحَاهُمْ تمسحُ الأغنيات
    لتتركَ ظِلَّها قبورًا تحكُمُ البلاد.
    لقد عبَّرت الأبياتُ الخمسة عن مساحة عنفٍ وخراب في تاريخ هذا الوطن العذب المعذب والجارح، تتحدث الأبيات عن رايات وشعاراتٍ ملآى بالأوهام، ولحى الإرهابيين الطويلة (تمسح الأغنيات) ترميزا لمقتهم للجَمَال والحبِّ والفن.. أما ميراثهم فهو القبور التي سادت لتحكم مصير البلاد حتى زوالهم الحتمي.

    2-
    الأسطورة واحدة من مقترحات قراءة هذه النصوص. إنها تُهيمن على الرؤية الشعرية، فالأساطير تعيش وتمشي وتسكن كما تشاء القصيدة. يقترض باسِم ذلك الجَوَّ الأسطوري من رحلاته في مُدنٍ قَصِيَّة وأمكنةٍ فريدة ومن تقاليد وطقوسٍ غرائبيَّة، فينقل لنا يوتوبيا ممكنة التصوُّر تصنعها القصائد من مشاهداته، حيث البصر يصور والذاكرة تختزن والشعر يمتح بلا توقف:

    المدن التي تنبت الأساطير والفَقر والبخور
    على جسورها المتآكلة
    تعثرت بأساطير تستجدي المارة
    في جيبي دسست بعضها

    3-
    الـيُـتْمُ الذي جَرَى في حياة باسم فرات كطعنةٍ في خاصرة طفولته تركتْ نُدوبَها في القصائد. البوح هنا أشبه بصُراخ لبوةِ ما بين النهرين الجريحة: تصرخ واقفةً تمدُّ جسدها بإصرار والسهام تطرزها كوَشْمٍ طويل يغطي الجسد. صراخ قد يخرج عن رمزية اللغة ودلالاتها المضمرة ولعب البلاغة الشعرية، لكنه مفهوم كصراخ ضدّ الماضي :
    لم أزرع ألعابًا في طفولتي
    لأحصد ذكريات
    بعد أن أصحو مثل الجميع

    على رؤية الزرع والحصاد ينسج الشاعر صورة لعذابات طفولته. من الألم يُولَدُ الشعر ومن الفاجعة تُولد القصيدة. تتقطَّر صُوَرُها مجاهِدةً أن تُلامس مرجعها البعيد؛ لكنه كثيف وعصيٌّ، تكون الكلمات أشياء يلمسها القارئ، ويشارك الشاعر حدوسه ومواجعه ورؤاه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:55 am