انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    صفاء عبد العظيم خلف: المهيمن السايكلوجي في اشتغال قصيدة النثر.. باسم فرات في خريف المآذن* مقترباً

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 533
    تاريخ التسجيل : 14/09/2010

    صفاء عبد العظيم خلف: المهيمن السايكلوجي في اشتغال قصيدة النثر.. باسم فرات في خريف المآذن* مقترباً Empty صفاء عبد العظيم خلف: المهيمن السايكلوجي في اشتغال قصيدة النثر.. باسم فرات في خريف المآذن* مقترباً

    مُساهمة  Admin الجمعة أكتوبر 22, 2010 4:39 am


    طفولة مهربة تكشف بؤرة شعورية مقفلة في داخل مكبوت

    ربما تكون المبادىء الفرويدية في التأويل تسمح لمن يشتغل على فهم البنية السايكلوجية لنص النثر الشعري ، وتعينه المضي قدماً على فهم التركيبة الذاتية والابداعية والتي يمكن عدها رهاناً حيوياً ، كونها تعطي النص وعلته جرعة إنبعاث وإتقاد مستمرة ، يحفزها فضاء مجهولية نقطة الاستقرار.
    أن عمق الصورة في قصيدة النثر ، يمكن ان نعزوه الى تلك المهيمنات النفسية المتأتية من الاستلابات المتساوقة مع صراع داخلي في ذات تحاول القبض على علة القلق والشك والاغتراب وإستعداء الاخر غير المتفق مع قناعات الشخصية التي ترى نفسها متقزمة إزاءه.
    يرى برنار بانغو في القراءة النفسية للعمل الابداعي ان هناك (( لعبة كاملة من التداعيات لانملك مفاتيحها ، وهي تهدم بأستمرار النص الذي ندعي السيطرة عليه ، وفي ذات الوقت تقوم بتنظيمه دون علمنا )).
    إنها بؤرة توتر ، ايجابية ، فهدم أي نص ، هو اعتراف بالاخر وتأثيره ، فالكتابة اعتراف ضمني بالانتماء للحلم ، وعلني لليقظة ، أي ان لها فضاءان للاشتغال ، باطني / اللاوعي ، وظاهري / الوعي ، ويرى فرويد ان الكتابة كفعل هي إفراغ لكبت اللاوعي ، وبالتالي فأن اشتغالها يرجع بالنتيجة الى وعي حُفز بقدحة إتقاد مكمنها رغبة تتشكل ما قبل ذلك.
    فمسكوتات الذات المشرنقة بالسرية ، تندلق متخطية كل الحواجز التي بناها الكائن حفاظاً على صورته " المشرقة " امام العالم الذي يتقنع الرضا ويبطن ذات السوء التي تدفعه الى اخفاء مواطن تلف متجذرة فيه ، مؤلمة ، ولاتتملكه ادنى رغبة " واعية " بإطلاق سراحها.
    الوعي يقود جبهة مقاومة عنيفة ، ضد رغبات اللاوعي اللاجيء الى محاولات خداع تنتهز فرصة الكتابة الانفعالية والتي يمثل الشعر احدى دعاماتها الاساسية وقصيدة النثر اهم مقترباتها الجلية ، في افراغ نفسها وكشف خصوماتها واحلامها وتهويماتها منتجةً التكوين السايكلوجي للقصيدة.

    فضاء الاشتغال السايكلوجي في خريف المآذن

    ذاكرة الهوية
    تتراسل فضاءات " الذاكرة " صانعةً افقاً تتبدى التعبيرية فيه عن جغرافيا مشاهد تتحكم بها نزعة البحث عن " هوية " معلنة في كشف الالفاظ عنها ومبهمة في استباق الصور المحتجة على قسرية الانتماء لها.
    فمنجز الشاعر " باسم فرات " ، تمسرحه زمانات مركبة من صمت تاريخاني وترسيخ جمود للامكنة في تعارض فيزيولوجي مع المنطق الرياضي ـ الزمان له بعد واحد وربما يتعدى الى اخر حسب النسبية والمكان ذو ابعاد متفاوتة _ والبعد الذي يحكم العلاقة بين الاثنين صيروة تقادم المكان المفتوحة مع زمان مقفل بأتجاه واحد.
    زمانات فرات أميبية ، وبثقل تلقي ظلالها على المنجز برمته ، لتكوّن في النهاية نصاً لاينتمي الا الى ذات مفرطة الافتتان بطفولتها المنزاحة من طقس البهجة الى عقدة توحد لازمت الشاعر / الانسان ، فأثرت بشكل واضح على رؤيته للعالم وكشفه لمنطقة الشعر فيه.
    أتذكر انني بلا وطن
    وأن الحروب ما زالت تلاحقني وتغيّرُ أشكالها.
    والشظايا...
    بساطيل
    مسخت ذاكرتي
    اين سأحفظ قبلات النهر
    - الذي دخل المدينة ذات يوم متنكراً بهيئة صبيٍّ فأغتصبه الجنود – عمان 1996.
    تنساب قيمومة ذات الطفل على ذات الشاعر ، الى حد تخليه عن لغتهِ الشعرية المتعقلنة الى لغة طيفية مبعثرة ، تشهد إزدحاماً صورياً ، كمخيلة طفل حفزتها إشارات ، وارتحالات ، واغتراب مبكر ، وعملقة كاذبة لشخصية لم تكتمل بنيتها الصبيانية ، فالضفة التي اوجدت الاقدار الشاعر بها ، ضفة ممسوخة لا دلالة لها عنده ، فلم يبلغها عبر تدرج طبيعي ، بل قفزة ، احرقت التمرحل لديه ، من طفولة مهرّبة الى ذات ناضجة " متعملقة " في الان ذاته.
    مواطن التعرف والاستكناه والغوص عنده ، مؤفلمة ، مشهدياً ، عبر التلقي لا عبر الصراع ، وربما اكون مخطئاً ومتعجلاً في استنتاجي ، لكن الاثر السايكولوجي بائن في اشتغال النص النثري ، فهو محصلة افراغات لوعي خضع الى سلطة لاوعيه ، فحضور الشخصنة كان جلياً ، فهو "" لم يخبئ طفولته في قميصه "".
    فأنتج الاثر السايكولوجي نسقيّ خطاب في المجموعة :
    1- الانزياح نحو التقريرية والمباشرة. واسقاطات ذاتية محضة.
    2- سطوع ومضات للاوعي ، كنتاج استجابة لانا منزاحة نحو الداخل قسراً امام انا الوعي المتعملقة نحو الخارج قسراَ ايضاً.

    أنا لم اخبئ طفولتي في قميصي
    ... سرقتني الحرب
    فأعددت لها قلبي فراشاً وصحوت
    ناديت الالامي فأطلت من الشباك
    مترعة بهدأة التباريح
    خشية من الجيران
    أشرت لها بيدي ففاضت بالدموع...
    ( أقول انثى ولا اعني كربلاء/عمان1997)

    تداخل مميز وسافر في الوقت نفسه ، وبالضرورة المنطقية لابد من ان يكون هناك تخارج فالتداخل هو التواجد الباطني للصورة ، وميدان التخارج ( ارض الواقع ). ما نجد بعضاً منه في النص اعلاه.
    -2-
    السرد معبر ثان
    ماالذي يميز أي موقف درامي ؟ ، انها العلاقة المأزومة بين الشخصيات وعلاقتها ببعض ، استجابة ورفضاً ، والتماهي والتقوقع ، وكل تلك الخيوط المتنافسة على سلطة مادية أو معنوية.
    لكن ، ما الاتجاه الذي ستؤشره بوصلة سرد تتحكم به نزعة " التماهي " و " الاسقاط " و " التقمص " . واعني السرد هنا في قصيدة النثر حصراً.
    من اشتغل السرد في نص النثر الشعري ، كانت بواباته ، البحث عن بؤرة تاريخية منزوية ، و اسقاط تجربة الانسان المعاصر عليها ، بشكل تتناغم فيه الصورتان الى " التماهي " حسب دقة التوظيف والاشتغال والتي كثيراً ما تجعل من الشاعر المشتغل على هذه الاوالة ، " يتقمص " الحكاية ويجعلها سردا ذاتيا يطلق من خلالها شراراته النثرية.
    ومع ذلك ، ليس الحكاوي التاريخية وحدها من تهيمن على سرد القصيدة النثرية الحديثة ، لكنها سمة اشتغال متداول.
    هناك من يحاول ان يشتغل سرداً كونياً حداثياً ، لاجذر له ، في محاولة لصناعة رمز وثيمة بالغة الاقتراب من التشوه الذي اصاب روح الكائنات الارضية في عالم تقوده التكنلوجيا ونظم الاتصال ، وتعليب المشاعر وانتاج احاسيس رقمية جاهزة.
    يلجأ فرات الى آلية السرد في إشتغال القصيدة ، معتمداً على حكاوي تاريخية أنعشتها الذاكرة الشعبية في بناءات تخَيلية منحتهم منطقة خادعة / مخدوعة لرفض السلطة ، ولأشباع رغبة في الاقتصاص منها ، فتوظيف الرمز المستلب قهراً يشير الى ذلك ، في نصه (عواء إبن أوى ) ، حيث يتقمص فرات شخصية طفل يعلن إنتمائه المسكوت عنه في النص الى أبوين وأم واحدة ، فالاب المعلن من مات في سجن السندي ، فيرتحل الى الاب الثاني ، وهو يمثل لديه عنصر بطولة اكثر اقتراباً اليه من الاول وهو ( الحسين ) ، ويتماهي فرات في إنتمائه الى البطولة الى الحد الذي يتقمص شخصية ( الحسين ) لاوعياً ، الا إن محورية النص بالاساس تدور حول الام المفجوعة بالطفل وابيه.
    تتجه بنية الاشتغال السردي في نص إبن أوى النثري ، الى نوع من الغنائية ومداعبة الوجدان ، وتهييج الاحاسيس ، و كادت ان تكون فخا قاتلاً لو ان اجتر الواقعة بنوع من العودة الى الماضي المصاب بالحنين ، الا انه قدم طرفاً هامشياً ومحدود الملامح تساوق معه أنتجت رمز له اشكالياته النفسية الذاتية. (الام ) محور النص ، تكشف عن وجه جديد للمعاناة وعقد سايكلوجية مؤثرة .
    مجمل المجموعة تجوس في فضاء سايكلوجي ملامحه الابرز Sad السعادة الضائعة / هاجس الحنين / المعصية / الاستلاب ).
    يقول مارسيل ريمون في كتابه "" البحث عن الذات وحلم اليقضة "" في تفسير كهذا ظاهرة تفصح عنها الكتابة Sad ان الخيط الرابط ، ترك الذات تسرح دون كبح ، والاسترخاء الذي يعقب الشرود ، فبالافلات من اطر المنطق نتغرب ونتبدل ونستلب ، وقد يصادفنا الحظ ونلتقي بذاتنا ، او ندخل في ذات اخرى)).
    يقول فرات متقمصاًً ادوار البطولة والطفولة والتضحية في نص إبن اوى:


    أمي آيات حناء يغالبها العشق ، فترملت /
    غصن رمان إنكسر من فرط اساه /
    كل ليلة تمسح عن جبين الفراتي الدم والتراب /
    تحمل كتباً من الزعفران وتخفي اخريات من عقيق...

    كان هذا فضاء الام ، المتواشج مع فضاء الذبيحين ، كاشفاً عن موطن بالغ الحساسية ، في إنزياح عنصر البطولة لدى فرات الى بؤرة هاجسية قلقة ، تتعلق ببكارة الحياة ، في تناص مسكوت عنه مع اسطورة " دموزي ".
    يحمل النص عقدة تاريخانية في الاستلاب والمعصية ، والمحتوى الكامن هي تلك العقدة الخطيرة في ضياع الفحولة والجو العاطفي المتأتي من فقدان " الطفل " لأبيه واحتراقات (الام) الجوانية غير المصرح بها و المنتقلة الى جوانية الطفل المُصَرِّح بها ، مفجراً كبت اللاوعي لديه ما اختزنته (الام).
    فألام التي ترملت ويغالبها العشق هي صورة :

    حزن محبين في اخر الليل
    يفرغ الهم في حضنها مواويله /
    غصن رمان ينكسر من فرط أساه.

    وتنسحب بؤرة الفقدان الشعورية الى كل النسوة اللاتي ساق القدر ابطالهن الى سجن السندي ، حيث تبدأ حكاية الفقد لدى الطفل. فمرمزية عشتروت هنا كانت جلية في البحث عن النماء المقدم من الرمز الذكوري لها ، فأسلوبية الاشتغال كانت معشقة بالاقتراب من نصوص المناجاة في اسطورة الخلق البابلية ، يقول فرات في نص ( ارسم بغداد ) :

    أسمعتك نشيدي فما أسمعتتني غير احتراقي
    قدت المطر الى بابك فإنزلقت أنامله فوق جبيني
    أرخيت تسهيدي للحرائق ،لأني امام أتون الفراشات
    ودون خرابي الماثل للوردة والعصافير
    على اوراقي تستيقظ احلام
    وانا أردم حفرة في النور ظلالي تتعرى
    لأن صهيل الخطية ما عاد يهدي النساء...

    أيقونات مهربة

    خريف المآذن ، كان لصلتها الحميمية بالذاكرة ، أثرٌ بالغ في تكوينها الشعري ، الذي هيمنت على اجوائه نصوص طقوسية بإشتغال أشاراتي ، نجد صداها في تراتيل المعابد والالواح المقدسة العراقية القديمة كأغاني كهنة وخشوعات مستلبين ، ففي نص ( ارسم بغداد ) الاجواء خاشعة ومنطوية ، في مناجاةٍ لإله لم يعرف طعم الموت بعد ،يقول :


    يتأسس الماء كلما تنحدر الشمس من رحم ياقوته
    الانتظار كلملة تصل اليقين بي
    يتلوى العمر على ورقة ،
    أو يتبختر – يالرعونته – تحت نزيف الطائرات.

    تسريلٌ شفيف ، بين مبتنيات خريف المآّذن ، إنه لايكشف عن سر ما ، بل يطلق صيحة إستنفار متوقدة الدهشة لما حولها ، عين الكشف لدى فرات بالغة البراءة ، تعطيه حرية التجوال في معابر قاتلة واخرى فسيحة الحزن ، فيما كل المرح بإتجاه السماء ، الشاهد الوحيد المتزامن مع كل العذابات المتخطية للحدود في نصه ( جنوب مطلق ) ، والذي يمكن عده احد اهم اشتغالات فرات في المجموعة ، فالتقطيع الصوري والاسلوبي تحيلنا الى النصوص الدينية والشعرية العراقية البابلية والسومرية الطينية التي محا الماء رسمها ، فنستشف قدرة شعرية حالمة بالغة الهدوء والسكينة برغم كل الرصاصات المتنافرة والجراحات المفتوحة والاماني المتخندقة في حجابات العزلة.
    جنوب مطلق ادق الاشتغالات ، الا ان نص خريف المآذن تكمن قيمته بالدلالة الرمزية ومسكوتاته النبوئية ، فأي قراءة تناصية بين النصين تكشف أصرة تحتفي بالبحث في ارض متغضنة بالحروب والمآسي والاحتلالات والاستلاب ، عقدة الحرب طبعت ببصمتها على جلد الشاعر والارض ، ففجرت خزين شعري هادئ الطبع ، نعزو هدوءه الى اطمئنان لذات " التوجع " وانزياح الى ذاكرة ثقبتها رصاصة لم ترعوي خدش طفولة نهر وحلم وردة. فأحالت كل مشاهد الاغتصاب العسكرية لديه الى اغتراب حاد ونشوة بحث عن جنوب يشبه جنوبه المحترق ، فأرخى العنان لتماهيه المفرط مع أسى البردي معلناً عن ذاته جنوباً مطلقاً لا يحده سوى البحر من جميع الجهات كمرموزية للبقاء الحي.

    يا لهاث الجنوب .../
    أبتلعك المنفى /
    وتخشى على بهائك من الاندثار
    كل ليلة تقيم حفلاًٍ لدجلة في اقصى اقصى الجنوب
    لاجنوب امامي / هنا بلادي / لاجنوب ورائي /
    انا جنوب مطلق.

    نص ( خريف المآذن ) المنعكس بمرآة عنوانية اخرى : ( ربيع السواد ... دمنا ) يغري اشتغاله المتلقي السير على خيط رفيع الى ارض فردوسية مقفلة ، ككاهن طين يطلق احتجاجاته ضد كل المهيمنات السلطوية المتفيزقة و الارضية ، التي لم تكلف نفسها العناء يوما النزول الى عذابات عبيدها ، لتكشف عن سمو إنتماءاتهم لحياة دون ركوع.

    لهم العزة كلما توغلوا في الرفض
    أطعموا الحلاج صَبرَهموا
    وأفاضوا على الملأ حلماً
    بطراوتهم بللوا الندى
    وفلقوا الصخر بالرقة.

    ( خريف المآذن ) المجموعة ، نبؤة خلاص من صنمية كل المهيمنات على ذواتنا المحترقة عطشا وجوعا واغتراب ، يشفع لها رغم هفواتها التي نتجت عن الاسهاب في تصوير المعاناة والاعترافات ؛ بوحها البريء.
    إن أعمق إشتغال لفرات في خريف المآذن الصادرة عن دار ازمنة في عمان / 2001 ، كان إكتشافه لبؤرة شعور منزوية في داخله المكبوت ، فإستنطقها ، فكان المنجز نتاج تحفيز للوعي واللاوعي.
    البصرة
    14/ 7 / 2006

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 16, 2024 3:26 pm